"إيلاف"من بغداد: على الرغم من تأكيدات مجلس الحكم الانتقالي وسلطة التحالف في العراق على حد سواء بأن اعتقال الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين لن يؤثر على مسألة نقل السلطة للشعب العراقي، مؤكدين عدم تغير الجدول الزمني المتفق عليه بين سلطات الاحتلال ومجلس الحكم، والمنتهي بنهاية حزيران 2004، إلا أن الشكوك متزايدة في إن هذا الاتفاق لا يزال يواجه العديد من عناصر التصدع التي قد تدفع بانهياره.
والاتفاق حتى الآن يواجه معارضات متعددة من قوى سياسية ودينية ونخب اجتماعية وثقافية عديدة في العراق، كما لا يزال موضع خلاف بين أعضاء مجلس الحكم أنفسهم ، فضلا عن وجود خلاف بشأنه بين مجلس الحكم العراقي وسلطة التحالف . ومجموعة المعارضات والخلافات التي تعترض تطبيق هذا الاتفاق تشي باحتمالات انهياره قبل الشروع بتنفيذه .
ويعتقد دبلوماسيون غربيون في العاصمة العراقية أن الاتفاق نفسه لا زال موضع جدل داخل الإدارة الأمريكية في واشنطن ، ويقول دبلوماسي أوربي - رفض الكشف عن هويته - " ما زال هناك كثير من المقاومة من جانب الولايات المتحدة لبدء عملية ديمقراطية في العراق ، ولا زال الخلاف سائدا داخل الإدارة الأمريكية في واشنطن فيما إذا كان ينبغي انتخاب أعضاء الهيئة الانتقالية أو يجري اختيارهم " .
ويقول دبلوماسي بريطاني " إن العملية الانتقالية تواجه مصاعب ، فالمرجعية الشيعية تطالب بانتخابات ، ولكن الانتخابات بحاجة الى وجود دستور ، والدستور نفسه بحاجة الى هيئة منتخبة تعده " وأضاف " أننا أمام حلقة مفرغة " . مصادر مقربة من سلطة التحالف في العراق تقول " أن هناك اتجاه لتحويل الدستور المؤقت الى دائم " .
ومما يجعل العملية الانتقالية تصاب بالتصدع من قبل حتى أن تبدأ ،التباين الواضح في مواقف أعضاء مجلس الحكم الانتقالي ، ويقول أعضاء في مجلس الحكم إن الاتفاق الموقع في 15 تشرين الثاني ليس اتفاقا نهائيا ، فالتفويض الذي أعطي من قبل أعضاء مجلس الحكم لرئيس مجلس الحكم في دورته السابقة السيد جلال الطالباني كان تفويضا للقبول بمبدأ نقل السلطة باعتباره خطوة نحو استقلال البلاد واستعادة سيادتها وإنهاء الاحتلال ، ولم يكن تفويضا على بنود الاتفاق ، فالمجلس لم يناقش بنوده إلا بعد التوقيع عليه ، وبالتالي فان الاتفاق وقع عليه بالأحرف الأولى ، وانه سيجري التوقيع عليه بعد صياغته بشكل نهائي .
والأكثر من هذا ، اعتبر أحد أعضاء مجلس الحكم الانتقالي - طالبا عدم ذكر اسمه - " إن الاتفاق بصياغته الحالية لا يتضمن نقلا حقيقيا للسلطة بل إجراءات شكلية صورية لا تلامس جوهر المشكلة القائمة " .في حين قال قيادي في حزب الدعوة الممثل في مجلس الحكم ل (إيلاف) " إن الملاحظات القائمة بشأن الاتفاق أصبحت قاسما مشتركا بين العراقيين ،وتجعل مسالة إعادة النظر في وثيقة الاتفاق أمرا مصيريا وجوهريا وبدون إعادة الصياغة لا فرصة لنجاح كافة الأطراف في تحقيق مطالب العراقيين وضمان تفاعلهم معها " ، وأضاف الشيخ عبد الحليم الزهيري القيادي في حزب الدعوة الذي يمثله إبراهيم الاشيقر الجعفري في مجلس الحكم " إن صيغة الوثيقة الحالية دون إدخال التعديلات المطلوبة عليها سيعقد العمل في كافة مراحله المقبلة وسيضع قيودا مقننة على رغبات العراقيين واستعادة سيادتهم وعلى مقدرات بلدهم " .
ودعا المرجع الشيعي السيد علي السيستاني الى إجراءات انتخابات عامة وليس جزئية لاختيار أعضاء البرلمان الانتقالي الذي ستنبثق عنه هيئة كتابة الدستور ، وكذلك الحكومة الانتقالية الأمر الذي أثار تحفظات لدى الأحزاب العلمانية من جانب وعدد من أعضاء مجلس الحكم الانتقالي باعتبار إن الانتخابات العامة غير واردة في ظل الظروف الراهنة .
وإذا كانت الأحزاب الدينية الشيعية اتخذت من رأي السيد السيستاني مظلة لتوجيه الانتقادات الى اتفاق نقل السلطة ، واتفقت الأحزاب الإسلامية الشيعية خلال مناقشات جرت خلال اجتماع للبيت الإسلامي ( وهو منتدى للأحزاب الإسلامية الشيعية) على ضرورة تعبئة الجماهير ضد الاتفاق بصيغته الحالية ، والتأكيد على إن من حق الشعب العمل على تعديل بنود الاتفاق لكي تكون منسجمة مع مبدأ نقل السلطة والسيادة للشعب العراقي، الأمر الذي يستوجب ضرورة الرجوع الى صناديق الاقتراع لمنح الشرعية لأي إجراء بهذا الشان .
ويرجح الزهيري أن تحصل إعادة نظر في الجدول المرفق بالاتفاق ، ويعتقد إن ثمة صعوبة في تنفيذه ، لأنه يحتاج الى مقدمات أطول ويمكن أن يحصل التوافق الوطني على جدول أخر ، متوقعا أن تمتد فترة الإعداد لتطبيق الاتفاق الى اكثر من تسعة شهور ، يمكن أن يجري خلالها إحصاء للسكان يأخذ بعين الاعتبار وجود المهجرين من العراقيين في الخارج وإيجاد الوسائل للتعامل مع 3-4 مليون عراقي لابد من اخذ آرائهم بمستقبل بلادهم .
فأنه بالمقابل تعترض قوى سياسية علمانية وسنية على رأي المرجع الشيعي كونه غير قابل للتطبيق راهنا إشارة إلى الوضع الأمني المتدهور في العراق . ويضيف المعترضون إن إجراء انتخابات عامة تواجها مشاكل، منها عدم وجود طريقة لوضع الآليات التي تضبط حق الترشيح ومن لهم حق الانتخاب، ومن هم العراقيون الذين سيشاركون في هذه العملية؟ فهناك حوالي 4 ملايين مواطن خارج العراق فكيف ستضبط عملية تصويتهم؟. ويثير البعض مخاوف من نوع احتمال تزوير وثائق للعراقيين خارج العراق؛ لكونهم ليس لديهم أوراق مثبتة لهويتهم، متسائلا عن كيفية معالجة هذه المعضلة. أو قد تنشأ مشكلة مشاركة دخلاء يحاولون أن يغيروا التركيبة الديموغرافية للمجتمع العراقي. وهذه المشاكل برأيهم تمنع من إجراء انتخابات عامة فورية.
وعلى قدر نفسه تعارض سلطة التحالف في العراق إجراء انتخابات مبكرة في العراق من أجل نقل السلطة للعراقيين، بدعوى أن هذه الانتخابات قد تشهد أحداث عنف وتتعرض "للتلاعب" من قبل موالين لحزب البعث المنحل. وهي تسعى عبر وسطاء عراقيين إلى إقناع المرجع الشيعي البارز آية الله علي السيستاني للتخلي عن مطلبه بالانتخابات المبكرة ، عبر طرحت "حلولا توفيقية" في هذا الإطار وإجراء انتخابات جزئية ونخبوية لتشكيل المجلس الانتقالي . ورغم إن السيستاني أبدى مرونة لان يغير رأيه إذا كان ذلك سينسجم مع إرادة شعبية ، ومع تأكيدات من الأمم المتحدة تشير الى عدم إمكانية إجراء الانتخابات العامة في الوقت الحاضر . ورأت سلطة التحالف إن هذه المرونة تتضمن دعوة الى مشاركة ودور واسع للأمم المتحدة في مسألة نقل السلطة الى العراقيين .
والمشكلة التي تواجه سلطة التحالف لا تقف فقط عند استرضاء السيستاني ، ولكن أيضا في التأكد من أن التغييرات التي ستحدث "ستحظى بتأييد السنة ولن يعتبروها متحيزة للشيعة".، سيما وان النخب السنية في البلاد الذي ظلت منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى احتلال بغداد في 9 نيسان الماضي مهيمنة على مقاليد السلطة في البلاد واحتكرت أعلى الوظائف العامة في الدولة لأبنائها على حساب أكثرية السكان من الشيعة .
وبالتالي رفضت هذه النخب السنية المحاصصة التي قامت عليها التكوينات في رحلة الاحتلال سواء في مجلس الحكم أو في تشكيلة الوزارات باعتبار إنها كانت لصالح الشيعة على حساب السنة . وبالتالي فان التغييرات التي ستحدث إذا آتت بنتائج تتناسب مع الوزن الديموغرافي للشيعة في العراق فان ذلك سيواجه باعتراض من جانب السنة . وبالطبع إن حدث العكس فانه سيرفض من قبل الشيعة ، ولاسيما الأحزاب الدينية الشيعية .
وأمام هذا الوضع الشائك طرح مجددا إمكانية اختيار أعضاء البرلمان الانتقالي أيضا وفق أسلوب المحاصصة ، وهو أسلوب يواجه بانتقاد عنيف من قبل النخب العراقية المختلفة باختلاف تنويعاتها وانتماءاتها وتوصيفاتها لأنه سيكرس الانقسام ويثير نوازع الحرب الأهلية في البلاد ويبتعد عن الأساس الديمقراطي الذي تتطلع إليه هذه النخب وبشرت به واشنطن كمقدمة للتحولات التي تريد إحداثها في المنطقة وليس في العراق وحده . وأمام التعقيدات والاعتراضات التي تواجه الاتفاق في العراق وتباين الرؤى في داخل الإدارة الأمريكية لمواجهة كل ذلك ، فان التصدع هو ما يكتنف الاتفاق في المرحلة ، وما لم يتم التوصل الى حلول توافقية خلاقة فان المؤشرات لا تدفع باتجاه تطبيق الاتفاق .&