تساؤل يطرحه الكاتب لوكاس كاترين في كتابه الجديد، كاشفا عن تاريخ الاستعمارالصهيوني في فلسطين، ومفسرا لظاهرة "العداء للسامية" في اوروبا.&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& صلاح هاشم من باريس: من أهم الكتب الصادرة حديثا في فرنسا كتاب "فلسطين آخر مستعمرة يهودية" PALESTINE LA DERNIERE COLONIE للكاتب البلجيكي الخبير في شئون القضية
الفلسطينية والعالم العربي لوكاس كاترين LUCAS CATHERINE، والصادر عن دار نشر "ايبو" EPO في بلجيكا، ويقع الكتاب في 311 صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن العديد من الصور والوثائق المهمة، اذ يحاول لوكاس في كتابه(14 فصلا و4 حكايات) ان يبين كيف استولي اليهود الصهاينة علي فلسطين واحتلوا ارضها، ويكشف بذلك من خلال الغوص في تاريخ الحركة الصهيونية وتاريخ فلسطين، يكشف عن آليات النهب والسيطرة التي تمت، والاساليب والالاعيب السياسية والارهابية التي انتهجتها الحركات الصهيونية، حتي تستحوذ تدريجيا علي الارض، وغايات وأهداف المشروع الصهيوني التي مازالت قائمة، مع استمرار سياسات زرع المستوطنات اليهودية علي أرض فلسطين ولحد الآن التي تنتهجها حكومة شارون..
&
&فلسطين نزاع ام احتلال؟
وهو من هذا المنظور، يعد وثيقة سياسية وتاريخية مهمة، بالنسبة للاجيال الجديدة في الغرب، وصحافته واعلامه، الاعلام الذي يتناول القضية من منظوران ثمة صراعا فقط في فلسطين، ولابد من ملاحقة احداثه وتطوراته، من دون الكشف عن، وتناسي جذور وتاريخ هذا الصراع، والحقيقة انه- كما يكشف الكتاب- ليس صراعا، فالفلسطينيون لايتسولون من اسرائيل قطعة ارض، ولا يطلبون سلاما تغيب عنه الحقائق، بل هو قضية احتلال ارض فلسطين،وطرد الشعب الذي كان يعيش بين ظهرانيها، ونضال هذا الشعب لاستراد حقوقه المنهوبة، وعودته الي أرضه، وحقه في ان تكون له دولته المستقلة، ولذلك ينوه الكتاب بانه ليس من العدل ان نحكم بمبدأ المساواة في هذا الصراع بين الغاصب والمغتصب، بين الحاكم والمحكوم، بل علينا وقبل ان نحكم في القضية، ان نتعرف علي تلك الظروف التاريخية التي خلقت المشكلة، فالقضية كما يجب ان نتفهمها ليست نزاعاCONFLIT& كما هو النزاع بين "شعب" الوالون "وشعب" الفلامنك" في بلجيكا مثلا، بل هي قضية احتلال COLONISATION، وتشريد اكثر من اربعة ملايين انسان، ولم يكن لليهود أي حق في امتلاك هذه الارض واحتلالها بالقوة، حتي صارت " فلسطين " الآن مستعمرة يهودية صهيونية تدعي اسرائيل..
وكانت الصحافة الفرنسية- المتعاطفة ربما في اغلبها مع "امن" اسرائيل، والمشغولة معظم الوقت في توزيع الاتهامات علي المثقفين والكتاب العرب ورميهم بالعداء للسامية اذا مالوحوا باية انتقادات لاسرائيل وحكومتها- قاطعت المؤتمر الصحفي الذي عقده لوكاس في باريس بمناسبة صدور الكتاب ولم يحضره الا 3صحفيين عرب ! مما أكد علي صحة كلامه من بعد لـ"ايلاف" حول موقف الاعلام الغربي تجاه محاولات الكشف عن الحقائق الاساسية، و النظر الي الصراع باعتباره احتلالا، وليس أي شييء آخر، وهو الامر الذي يكشف عنه في كتابه من خلال الوثائق التاريخية والعودة الي الماضي "فلاش باك"، في ذاكرة فلسطين.
لوكاس كاترين
&الاستعمار الصهيوني
فقد بدأ في احتلال فلسطين عام 1897 بعد تأسيس الحركة الصهيونية التي ارادت انشاء دولة يهودية في فلسطين، وكان لابد من احتلال الارض باي شكل، فكان اول مافعلته الحركة الصهيونية انشاء المصرف الكولونيالي اليهودي، وشرعت في شراء مساحات كبيرة من الارض من العائلات العربية المقيمة في اسطنبول وبيروت ودمشق،عن طريق صندوق الدعم القومي اليهودي، حتي وصلت مساحة الاراضي التي اشتراها اليهود في عام 1947 الي 7 في المئة من مساحة الاراضي الفلسطينية، وفي عام 1948 استولي اليهود علي اربعة اخماس مساحة ارض فلسطين، واعلنوا قيام دولة دولتهم، و حملوا السلاح ودمروا 418 قرية فلسطينية، واعلنوا ان اراضيها اصبحت "ملكا لايتجزأ للشعب اليهودي" ..
ومن هنا كان المصير الذي لاقته فلسطين، علي يد وليد جديد للامبريالية الاوروبية، وشكل جديد من الاستعمار العنصري(الصهيونية)،شذوذا وانحرافا عن الاتجاه الذي يسير فيه التاريخ، مع انهيار الامبريالية الاوروبية في اواخر القرن العشرين، وحصول عشرات من الامم والشعوب علي حقها في تقرير المصير، في حين وجد الشعب العربي في فلسطين نفسه آنذاك عاجزا، عاجزا عن الحيلولة دون اكتمال عملية الاستعمار المنظمةالتي كانت تجري في فلسطين منذ عشرات السنين، وقد اتخذ اكتمال هذه العملية شكلا، يجمع في آن واحد بين تجريد أهل البلاد الاصليين من أملاكهم عنوة، وطردهم هن البلاد التي هي بلادهم، واقامة سيادة اجنبية في عقر دارهم، واستيراد الاعداد الكبيرة من الاغراب بسرعة لاحتلال الارض، التي اخليت بالعنف من اصحابها الشرعيين، وبذلك لم يفقد الشعب الفلسطيني السيطرة السياسيةعلي بلاده فحسب، بل خسر معها الاقامة الفعلية في وطنه ايضا، وهو لم يحرم من حقه الاصيل في تقرير المصير فقط، ولكنه فوق ذلك، حرم من حقه" الازلي" في ان يعيش في الارض التي هي بلاده..
وكانت نتيجة هذا "الاستعمار" الصهيوني في فلسطين كما يبين لوكاس في كتابه، وتلك "النكبة" المزدوجة التي حلت بشعب فلسطين العربي في منتصف القرن العشرين، ان اصبح 96 في المئة من الاراضي الفلسطينية في اسرائيل الآن ملكا للشعب اليهودي، ويستطيع أي انسان يهودي قادم من باريس او تل ابيب ان يستقر ويعيش في هذه الاراضي، بينما لايستطيع أي انسان فلسطيني، وحتي كمواطن اسرائيلي، ان يفعل ذات الشييء،&وهناك اكثر من مليون مواطن اسرائيلي عربي لايملكون الحق في الاستقرار والعيش في تلك الاراضي التي تمت مصادرتها من فلسطينيين يعيشون الآن كلاجئين، واحتلال الارض مازال عملية صهيونية مستمرة في الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967، فهناك الآن اكثر من 250000 يهودي يعيشون في اكثر من 200 مستوطنة تحتل اكثر من 40 في المئة من اراضي الضفة الغربية، ومازالت عمليات زرع المستوطنات اليهودية وتشييد حائط العار تسير بوتيرة متسارعة، ويري لوكاس ان عمليات السلام التي هي في الاصل مبادرات امريكية منذ "خطة روجرز" عام 1970 لم تؤد- في مجملها ولحد الآن- الا الي اطلاق حرية اسرائيل في بناء المستوطنات، وعرقلة مسيرة السلام الحقيقية، وعدم تنفيذ القرارات الدولية التي تلزمها اسرائيل بالجلاء عن الاراضي التي احتلتها منذ عام 1967، ويقول لوكاس في حديثه الي "ايلاف" انه لو انسحبت اسرائيل لتوقفت علي الفور الاعمال الانتحارية، ويعتبر ان الحائط- حائط التمييز كما يسميه- الذي تشيده اسرائيل حاليا، ويذهب احيانا الي 15 كيلومترا داخل الاراضي الفلسطينية، يمثل نهاية السياسة الاسرائيلية الصهيونية العنصرية، التي تهدف الي بناء مستوطنات اكثر في المناطق الحدودية، ومدها بطرق خاصة لايدخلها الفلسطينيون، وخلق كيانات فلسطينية منعزلة، وهناك اكثر من 277 كيان فلسطيني تتحكم اسرائيل به الآن، وتراقب تحركات اهله- اكثر من 400 الف فلسطيني-& وخروجهم للوصول الي اشغالهم ومدارسهم واراضيهم، ويحمل كل مواطن تصريح خاص مقصور علي الفلسطينيين وحدهم، ولذك فهو برأي لوكاس حائط تمييز وتجويع ويدفع باتجاه ترحيل الفلسطينيين عن اراضيهم وتدهور الاحوال الاقتصادية المعيشية للفلسطينيين، حتي صار 60 في المئة من الشعب الفلسطيني يعيش تحت حافة الفقر(اقل من 2 دولار في اليوم)..
&
"العداء للسامية" لتشجيع الهجرة الي اسرائيل
ولايخشي لوكاس تهمة "العداء للسامية" التي يمكن ان تلصق به هنا في اوروبا وبخاصة الآن،& لانتقاده لاسرائيل وسياساتها الصهيونية الاستعمارية التي حولت فلسطين كما يبين في كتابه الي "آخر مستعمرة" في منتصف القرن العشرين، ويري ان هذه التهمة هي نتيجة تدهور تأثير اسرائيل في السياسات الاوروبية، بسبب انتهاج حكوماتها لسياسات العدوان والظلم والاحتلال التي لايمكن لاحد الدفاع عنها، فيلجأ الاسرائيليون الي الذريعة القديمة اي التذكيربالهولوكوست "الهلاك" والعداء للسامية، ويعتبر لوكاس ان تصحيح نظرة الغرب والاوروبيين الي القضية، تعتمد علي تعليم الاجيال الجديدة الفرق بين "السياسات الصهيونية و"الدين اليهودي"، للتذكير دوما بان انتقاد السياسات، لايعني ابدا التهجم علي اليهود، او انتقاد عقائدهم الدينية، فما العداء للسامية كما يضيف، الا نوع من البروباجندا- الدعاية- التي تلوح بها اسرائيل وانصارها، لكل من انتقد سياسات اسرائيل الصهيونية الاستعمارية، والهدف من التلويح بتهمةالعداء للسامية كما يري لوكاس، دعوة اليهود الي الهجرة الي اسرائيل، وتشجيعهم علي ذلك، وهي تكشف عن "عنصرية" الدولة الاسرائيلية، التي تسمح لليهود من انحاء العالم بالهجرة اليها في أي وقت، وتمدهم باحتياجات العيش الكريم علي ارض فلسطين وتحت شمسها،& في ما تحرم علي الفلسطينيين حقهم في عودتهم الي ارضهم (قرار رقم 194 الصادر عن الامم المتحدة).. تقبل اسرائيل بهجرة اليهود هكذا.. بينما ترفض عودة الفلسطينيين.. وهم اصحاب الارض.. لأن الحياة معهم كما تدعي اسرائيل صارت مستحيلة !.
كتاب "فلسطين آخر مستعمرة" بلغته السهلة الواضحة الصافية، يستحق القراءة عن جدارة، ونعتبره وثيقة مهمة للقاريء العربي والاجنبي، في التعريف بالقضية وحقائقها التاريخية التي تفضح اسرائيل،& وتكشف عن ذلك السلام الذي تريده، من دون الكشف عن تلك الحقائق،وهو كوثيقة يضع الاستعمار الصهيوني في اطاره التاريخي، لتبيان ان فلسطين اجل مازالت "مستعمرة" علي تلك الارض العربية التي اغتصبها الصهاينة بالقوة، وبكل تلك المجازر والمذابح الارهابية التي ارتكبت في "دير ياسين" وغيرها علي يد العسكر الصهيوني في فلسطين من اجل احتلال الارض.
لوكاس كاترين مؤلف الكتاب، من مواليد عام 1947وبدأ اهتمامه بالقضية عام 1970 فزار لبنان والاردن وفلسطين، وكان انجز عدة افلام فلسطينية في شبابه حصل بعضهاعلي جوائز في المهرجانات السينمائية العربية مثل فيلم "فلسطين تمام السلام" في مهرجان بغداد عام 1978، ثم تفرغ لوكاس بعدها للكتابة، واصدر اكثر من 15 كتابا، من بينها كتاب "مائة عام من الاحتلال في فلسطين" وكتابا عن المطبخ الفلسطيني، وكان شارك في اللجنة التي طالبت بمحاكمة شارون لجرائمه ضد الانسانية ويعكف حاليا علي وضع كتاب عن "العولمة".