احمد عدنان
&
&
&
قال: لماذا لم تعلق على القرار الذي أصدره الرئيس الفرنسي بخصوص منع ارتداء الحجاب في الأماكن العامة بفرنسا حفاظا على علمانيتها؟
قلت: أبدا.. كل ما في الأمر أنني منصاع لرأي شيخ الأزهر الحكيم و الذي مفاده أن هذا الموضوع شأن فرنسي داخلي.
قال: و ماذا عن " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " ، أليس من المفترض أن تهب لنجدتهم؟
قلت: و من حسن إسلام المرء أيضا تركه ما لا يعنيه ، ثم إن صديقي شيراك لم يستيقظ ذات صبيحة ليتخذ قراره بعشوائية كبعض أصدقائي الآخرين ، القرار تم طهيه في مطبخ ديمقراطي مؤسساتي ، و المسلمون الفرنسيون قادرون عبر الآلية ذاتها أن يعترضوا و يغيروا القرار لو أرادوا لأنهم ليسوا ضعفاء ، فالإسلام كما تعلم - هو الديانة الثانية في فرنسا. يقول كتابنا الأشاوس بأن مسلمي فرنسا هم من قاد شيراك للفوز في انتخابه الأخير ، هل تعتقد أن قوة بهذا الحجم بحاجة إلى مقال يعضدها من خلف الربع الخالي ربما لا يقرؤه أحد سوى كاتبه؟!، ثم إنني أتصور أن شيراك ليس من الحماقة التي تجعله يكافئ ناخبيه بهذا السوء كما يبدو للعيان، إلا لو كانت هذه رغبتهم أو أنها مسألة أكبر من كل هذا بالفعل. إنني أرى أن واجبنا هو أن نبحث أصلا في علل ترك المسلمين و المسلمات لبلادهم.
قال: و لكنك تخالف أولئك الكتاب الذين انبروا يدافعون عن حق المسلمات؟!
قلت: كعادتهم.. مزايدة من مزايداتهم المعروفة ، إنني أتحدى أن يثبت لي أحدهم أن فرنسية واحدة اتصلت عليه تشكوه من القهر الذي تعرضت له إثر هذا القرار.
قال: إنك تتحامل عليهم.. أليس من حقهم أن يعبروا عن رأيهم؟
قلت: نعم.. من حقهم أن يعبروا عن رأيهم أما أن يزايدوا على وطنية الآخرين أو إسلامهم فلا. و للأسف فإن المزايدة أصبحت سمة رئيسة في المشهد الكتابي السعودي. فمن يتكلم عن الإصلاح يقدح في وطنيته و نواياه ، و من يتكلم عن التجديد و التطوير و حق الاختلاف و التنوع يتهم في دينه و أخلاقه. مشكلة كتابنا أن أغلبهم إما أن يقول ما لا يفعل أو أن يردد أهازيج الغوغاء ، و في كلا الحالتين.. هم يمارسون دورا تضليليا شائنا لا يليق إلا بالمهرجين.
قال: كل هذا لأنهم اختلفوا معك في الرأي!
قلت: ألف مرة أكرر لك ، هناك فرق بين الرأي و المزايدة ، دعني أضرب لك مثالا ، لو أن صحفية فرنسية زارت المملكة فإننا نفرض عليها منذ دخولها الالتزام بقوانين بلادنا ، و هذا من حقنا لا خلاف على ذلك، لكن تخيل لو أن تلك الصحفية أرادت التجول في بريدة مثلا بزيها الذي ترتديه في فرنسا حتى لو كانت مسلمة و محجبة. أظن أنه من العدل أن نقيم الأمر و نقيسه من منظور الطرف الآخر أيضا.
قال: و لكن أليس في مقارنتهم بنا إهانة لهم؟
قلت: طرحك لهذا السؤال يكرس بأن هناك فرقا بشريا بيننا ، و هذا غير صحيح ، المقارنة طرحت هنا لدلالة الفارق في الوعي الثقافي الذي ينبغي أن نصل إليه ، دعنا نكن صريحين و نقول بأن ثقافتنا العربية ثقافة معادية للإنسان و الحرية ، على عكس الثقافة الغربية التي تحترم هذا الإنسان و تقدس حريته.
قال: كيف يحترمون الإنسان و يقدسون حريته ، و هم يمنعون المرأة من أن ترتدي حجابها ، أليست هذه صورة من صور محاربة الإسلام؟
قلت: من قال لك أنهم بحاجة إلى محاربة الإسلام ، هل نسيت أننا كغثاء السيل؟! و الدليل على كلامي أن المنع ليس مقتصرا على الحجاب وحده ، إنما على الصليب المسيحي و على القلنسوة اليهودية ، القضية أكبر من أن تكون تنافسا دينيا ، القضية تدور برمتها حول صيانة الهوية ، تماما كما يقوم بعضنا هنا بهاجمة الصيغ الأخرى من الحجاب لمجرد مخالفتها للصيغة السعودية ، المسألة حينها لا تتعلق بالإسلام ، لأن الحجاب فيه كما تعلم مسألة خلافية لم يتفق العلماء فيها على صيغة واحدة ، إنما هناك اعتقاد سائد بأن هوية المرأة السعودية مرتبطة بلباسها الخارجي لذا يتم الاعتراض على أي صيغة تخالفه. تذكر معي تهليل كتابنا لسلطانة فريمان الأمريكية المسلمة التي قاضت ولايتها بسبب رفض الولاية إصدار رخصة لها و هي منقبة ، على الرغم من أن نساءنا لا يمكن أن يصدروا بطاقة شخصية أو جواز سفر دون كشف وجوههن في الصور. هل كنت تتصور أن (سلطانة) كانت تذود عن الإسلام؟ بالطبع لا.. لأن مسألة تغطية الوجه كان رأي الوجوب فيها من أقلية علماء المسلمين ، و عليه فإن (سلطانة) لم تكن سوى مدافعة عن الهوية السعودية التي تنساق لهذا الرأي.
قال: هل تريد أن تقول أننا مخطئون؟
قلت: قاتل الله الشيطان ، لقد وقعت هنا مثل كتابنا في فخ المزايدة لمجرد أنني قلت بأن هناك صيغا أخرى للحجاب. دعنا يا أخي نجلب امرأة محجبة من كل قطر إسلامي ، ستجد أن حجاب كل واحدة منهن يختلف عن الأخرى ، هل معنى هذا أن الحجاب الأفغاني أفضل من الحجاب المصري؟ لا ثم لا ، إنما الحجاب الأفغاني هو ملائم فقط للبيئة الأفغانية و كذلك المصري لا يصلح سوى في البيئة التي أفرزته ليتصالح معها ، جوهر الموضوع يكمن في سلطان التقاليد من البداية إلى النهاية. و إنني اعتقد أنه لو كانت هناك صيغة أوربية للحجاب تتصالح مع مجتمعاتهم من جهة و تراعي غاية الحجاب الحقيقية المتمثلة في الاحتشام لما أثير كل هذا الجدل.
قال: هل تتوقع أن تنتهي هذه المزايدات قريبا؟
قلت: إذا أردت الصراحة فإنني احسب نفسي من المتشائمين ، ما دامت ثقافتنا مصرة على أن تصدر تقاليدنا و أفكارنا للمجتمعات الأخرى ، رغم أننا نسلم جميعا بأنه لا وجود للجنة على كوكب الأرض و ليس ثمة شعب اختاره الله و فضله على سائر عباده ، أم أننا لا نتذكر " لا فرق بين عربي على أعجمي إلا بالتقوى" إلا وقتما نريد! و أخيرا.. فإنني أنصح كتابنا بأن لا يقذفوا الآخرين بطوبهم فقضايانا الداخلية أولى بالمعالجة أو بإضاعة الوقت أيضا لو كانت هذه غايتهم!