ياسر عبد الحافظ من القاهرة:& ألا يكفى نصف قرن ليفهم العسكر أن مكانهم ليس الحكم بل القتال فقط، أن تلك النياشين اللامعة والاستعراضات المهيبة للقوات لم تخف سوى المواطن الذى صدقهم فكان جزاؤه أن صوبت الأسلحة إلى جسده ليلتزم الصمت، ليصبح جسدا يسير بلا عقل يوجهه، ولا روح تمنحه القدرة على المقاومة.
هل نحن فى حاجة إلى نصف قرن آخر لنفهم كيف ندير مجتمعاتنا التى اتضح بعد سقوط النظام"الصدامى" مدى هشاشتها. لنفهم أن المجتمع يعنى بالأساس مواطنا له الحق فى أن يزيح من على الكراسى الفخمة أى مسئول يرى أنه ليس صالحا لإدارة شئون حياته، وأن التفويض الألهى الذى هو الأساس لدساتيرنا ليس إلا خرافة.
"المواطنة المصرية ومستقبل الديمقراطية: "رؤى جديدة لعالم متغير" تحت هذا العنوان انعقد المؤتمر السنوى السابع عشر للبحوث السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. وعلى مدى ثلاثة أيام طرح الباحثون والمناقشون أفكارا لا تنقصها الصراحة، لم تكن جريئة بقدر ما أن الواقع لم يعد يتحمل الاختفاء خلف الكلمات التى لا تضر صاحبها ولا تنفع سامعها.
تصلح الأفكار التى طرحها المؤتمر لنشرها على كل الدول العربية...مسئولين ومواطنين، فالواقع العام متشابه، نفس المبررات التى تسمح بانتهاك فكرة المواطنة،باعتبارها معوقا أمام الحرب المصيرية..حرب العزة والكرامة. وهو المبرر الذى لم يعد بقادر بعد الآن على إقناع طفل.
لفت البحث الذى قدمه د.عمرو الشوبكى الأنظار،فقد حوى تحليلا جيدا للأزمة العربية، وذلك رغم أن البحث يناقش " المواطنة المصرية فى عالم متغير"
انطلق الشوبكى من التغير الكبير والعالمى الذى لحق بصفة المواطنة، لافتا الانتباه إلى مولد المواطن العالمى مع بداية الألفية الثالثة، متزامنا مع تصاعد دور القوة العسكرية الأمريكية، قائلا أننا لسنا بعيدين عن هذه الفكرة فرغم النظرة المعقدة لها لارتباطها بما يبدو أنه أجندة الخارج المفروضة على الداخل بصورة لا تخلو من أساليب الترهيب والترغيب، إلا أن ذلك ليس المتغير الوحيد الذى يحكم النظرة لتلك الفكرة، فمن الصعب تجاهل مساحات الإعجاب الهائلة التى أبداها قطاع كبير من المصريين بهذا المواطن العالمى الذى تظاهر من أجل قضاياه وحقوقه فى أوربا وأمريكا نتيجة قناعته الإنسانية بهذا العالم الواحد وذلك المواطن العالمى.
يرى د. الشوبكى إذن أنه لا يجوز اختزال قضايا المواطن العالمى فى وجود قوة استعمارية أمريكية تحاول أن تفرض نموذجها الخاص على العالم، لأن معظم القوى التى تواجه المشروع الأمريكى عالميا هى أساسا القوة التى تؤمن بمفهوم المواطن العالمى الذى لا تحكمه حدود الجغرافيا ولا قيود التاريخ.
بمعنى، أنه لا يمكن- من وجهة نظر الشوبكى- فصل المواطن المصرى ( والعربى أيضا فى نظرى) عن الجدل الدائر حول فكرة المواطن العالمى بمبرر أنها دعوة أمريكية أو أنها تقضى على خصوصياتنا الثقافية، فلقد أصبح المواطن عرضة لتأثير تلك الأفكار العالمية بصرف النظر عن مدى تطابق ردود أفعاله أو مفاهيمه معها.
وهو يرى أنه من الصعب كذلك أن نفرض"منظومة حمائية للأفكار" كما نفعل فى التجارة على البضائع القادمة من الخارج لكى نحمى البضائع الوطنية دون أن نبذل الجهد الكاف من أجل تطويرها وجعلها قادرة على المنافسة عالميا.
يستعرض عمرو الشوبكى تطور فكرة المواطنة المصرية، وهو استعراض هدفه كشف الأخطاء التى حدثت أثناء تلك المسيرة التى بدأت مع تأسيس محمد على للدولة المصرية الحديثة. فبعد بدايات القرن الماضى وتحديدا فى أعقاب ثورة 1919 وصدور دستور 1923 أصبحنا أمام مفهوم قانونى قائم على المساواة فى الحقوق والواجبات بين كل المصريين بصرف النظر عن اللون والعرق والدين، وبدا أن نضال الشعب المصرى من أجل احترام الدستور والمساواة هو فى نفس الوقت نضال من أجل تحقيق الاستقلال ومواجهة المحتل الخارجى.
كان الجدل الذى شهدته مصر حول فكرة المواطنة فى الأربعينيات، ثم فى عصر المد القومى خلال المرحلة الناصرية، وأخيرا فى عهد السادات،يدور أساسا بين أطراف سياسية محلية لدى كل منها نسق أيديولوجى متكامل الأركان: الخطاب القومى الناصرى، والإسلامى، والماركسى، والليبرالى.
فى ظل الثورة كانت الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج محددة المعالم، وكانت مفاهيم الاستقلال الوطنى تشمل الحيزين السياسى والاقتصادى، كانت النخبة المصرية ترى "الخارج" خطرا استعماريا لهذا حرصت على تحصين نفسها فى مواجهته فشيدت نظاما سياسيا قائم على الحزب الواحد تداخل فيه الأمن مع البيروقراطية السياسية، كانت قيم المساواة بين المواطنين أهم من القيم الفردية المعروفة فى المجتمعات الليبرالية.
سار السادات على نفس الآلية ورغم أنه رأى فى التحالف مع الخارج الأمريكى والغربى طريق التخلص من المشكلات المصرية، إلا أن قضايا الديمقراطية والإصلاح السياسى وحقوق المواطن ظلت داخل الإطار الوطنى، وطرحت باعتبارها هموما داخلية قدمها معارضى الرئيس السادات من قوى يسارية وليبرالية وبعض التجمعات الإسلامية، فى مواجهة مؤيديه الذين اعتبروا مشروعه بداية تحول وطنى فى تاريخ مصر المعارض.
يستنتج الشوبكى أن السادات كان لديه ما يقدمه للغرب، فلم يشعر أنه مهدد بفعل عوامل الضغط الخارجى، وهو ما لم يعد واردا الآن بعد أن أصبحت كثير من الأنظمة العربية -حتى تلك التى تنتمى لأقصى اليمين- موضع شك وعدم قبول من قوى الخارج الأمريكية، ذلك أنه لم تعد هناك أثمان تدفع فى مقابل الرضا الأمريكى كما جرى فى السبعينيات حين كان تحول مصر من معسكر ومن نموذج إلى آخر يمثل فى حد ذاته قيمة كبيرة تستحق المكافئة أو المعونة والدعم. أما الآن فإن القضية أصبحت قدرة وكفاءة وإمكانية قوى وأنظمة الداخل على التأثير والتفاعل النقدى مع منظومة الخارج العالمية.
هل نحن فى حاجة إلى نصف قرن آخر لنفهم كيف ندير مجتمعاتنا التى اتضح بعد سقوط النظام"الصدامى" مدى هشاشتها. لنفهم أن المجتمع يعنى بالأساس مواطنا له الحق فى أن يزيح من على الكراسى الفخمة أى مسئول يرى أنه ليس صالحا لإدارة شئون حياته، وأن التفويض الألهى الذى هو الأساس لدساتيرنا ليس إلا خرافة.
"المواطنة المصرية ومستقبل الديمقراطية: "رؤى جديدة لعالم متغير" تحت هذا العنوان انعقد المؤتمر السنوى السابع عشر للبحوث السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. وعلى مدى ثلاثة أيام طرح الباحثون والمناقشون أفكارا لا تنقصها الصراحة، لم تكن جريئة بقدر ما أن الواقع لم يعد يتحمل الاختفاء خلف الكلمات التى لا تضر صاحبها ولا تنفع سامعها.
تصلح الأفكار التى طرحها المؤتمر لنشرها على كل الدول العربية...مسئولين ومواطنين، فالواقع العام متشابه، نفس المبررات التى تسمح بانتهاك فكرة المواطنة،باعتبارها معوقا أمام الحرب المصيرية..حرب العزة والكرامة. وهو المبرر الذى لم يعد بقادر بعد الآن على إقناع طفل.
لفت البحث الذى قدمه د.عمرو الشوبكى الأنظار،فقد حوى تحليلا جيدا للأزمة العربية، وذلك رغم أن البحث يناقش " المواطنة المصرية فى عالم متغير"
انطلق الشوبكى من التغير الكبير والعالمى الذى لحق بصفة المواطنة، لافتا الانتباه إلى مولد المواطن العالمى مع بداية الألفية الثالثة، متزامنا مع تصاعد دور القوة العسكرية الأمريكية، قائلا أننا لسنا بعيدين عن هذه الفكرة فرغم النظرة المعقدة لها لارتباطها بما يبدو أنه أجندة الخارج المفروضة على الداخل بصورة لا تخلو من أساليب الترهيب والترغيب، إلا أن ذلك ليس المتغير الوحيد الذى يحكم النظرة لتلك الفكرة، فمن الصعب تجاهل مساحات الإعجاب الهائلة التى أبداها قطاع كبير من المصريين بهذا المواطن العالمى الذى تظاهر من أجل قضاياه وحقوقه فى أوربا وأمريكا نتيجة قناعته الإنسانية بهذا العالم الواحد وذلك المواطن العالمى.
يرى د. الشوبكى إذن أنه لا يجوز اختزال قضايا المواطن العالمى فى وجود قوة استعمارية أمريكية تحاول أن تفرض نموذجها الخاص على العالم، لأن معظم القوى التى تواجه المشروع الأمريكى عالميا هى أساسا القوة التى تؤمن بمفهوم المواطن العالمى الذى لا تحكمه حدود الجغرافيا ولا قيود التاريخ.
بمعنى، أنه لا يمكن- من وجهة نظر الشوبكى- فصل المواطن المصرى ( والعربى أيضا فى نظرى) عن الجدل الدائر حول فكرة المواطن العالمى بمبرر أنها دعوة أمريكية أو أنها تقضى على خصوصياتنا الثقافية، فلقد أصبح المواطن عرضة لتأثير تلك الأفكار العالمية بصرف النظر عن مدى تطابق ردود أفعاله أو مفاهيمه معها.
وهو يرى أنه من الصعب كذلك أن نفرض"منظومة حمائية للأفكار" كما نفعل فى التجارة على البضائع القادمة من الخارج لكى نحمى البضائع الوطنية دون أن نبذل الجهد الكاف من أجل تطويرها وجعلها قادرة على المنافسة عالميا.
يستعرض عمرو الشوبكى تطور فكرة المواطنة المصرية، وهو استعراض هدفه كشف الأخطاء التى حدثت أثناء تلك المسيرة التى بدأت مع تأسيس محمد على للدولة المصرية الحديثة. فبعد بدايات القرن الماضى وتحديدا فى أعقاب ثورة 1919 وصدور دستور 1923 أصبحنا أمام مفهوم قانونى قائم على المساواة فى الحقوق والواجبات بين كل المصريين بصرف النظر عن اللون والعرق والدين، وبدا أن نضال الشعب المصرى من أجل احترام الدستور والمساواة هو فى نفس الوقت نضال من أجل تحقيق الاستقلال ومواجهة المحتل الخارجى.
كان الجدل الذى شهدته مصر حول فكرة المواطنة فى الأربعينيات، ثم فى عصر المد القومى خلال المرحلة الناصرية، وأخيرا فى عهد السادات،يدور أساسا بين أطراف سياسية محلية لدى كل منها نسق أيديولوجى متكامل الأركان: الخطاب القومى الناصرى، والإسلامى، والماركسى، والليبرالى.
فى ظل الثورة كانت الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج محددة المعالم، وكانت مفاهيم الاستقلال الوطنى تشمل الحيزين السياسى والاقتصادى، كانت النخبة المصرية ترى "الخارج" خطرا استعماريا لهذا حرصت على تحصين نفسها فى مواجهته فشيدت نظاما سياسيا قائم على الحزب الواحد تداخل فيه الأمن مع البيروقراطية السياسية، كانت قيم المساواة بين المواطنين أهم من القيم الفردية المعروفة فى المجتمعات الليبرالية.
سار السادات على نفس الآلية ورغم أنه رأى فى التحالف مع الخارج الأمريكى والغربى طريق التخلص من المشكلات المصرية، إلا أن قضايا الديمقراطية والإصلاح السياسى وحقوق المواطن ظلت داخل الإطار الوطنى، وطرحت باعتبارها هموما داخلية قدمها معارضى الرئيس السادات من قوى يسارية وليبرالية وبعض التجمعات الإسلامية، فى مواجهة مؤيديه الذين اعتبروا مشروعه بداية تحول وطنى فى تاريخ مصر المعارض.
يستنتج الشوبكى أن السادات كان لديه ما يقدمه للغرب، فلم يشعر أنه مهدد بفعل عوامل الضغط الخارجى، وهو ما لم يعد واردا الآن بعد أن أصبحت كثير من الأنظمة العربية -حتى تلك التى تنتمى لأقصى اليمين- موضع شك وعدم قبول من قوى الخارج الأمريكية، ذلك أنه لم تعد هناك أثمان تدفع فى مقابل الرضا الأمريكى كما جرى فى السبعينيات حين كان تحول مصر من معسكر ومن نموذج إلى آخر يمثل فى حد ذاته قيمة كبيرة تستحق المكافئة أو المعونة والدعم. أما الآن فإن القضية أصبحت قدرة وكفاءة وإمكانية قوى وأنظمة الداخل على التأثير والتفاعل النقدى مع منظومة الخارج العالمية.
&
النظرة للوافد الخارجى
يمكن القول أنه منذ العقد الماضى أصبح المواطن فى مصر يعيش فى ظل عالم جديد وواقع محلى يختلف عن ذلك الذى عاشه طوال سنوات التحرر القومى وبناء الدولة الوطنية الحديثة، وصار التداخل بين الداخل والخارج لا يعكس فى كثير من الأحيان خيارا أيديولوجيا فقط، إنما أيضا واقعا جديدا لعالم جديد بدأ يتشكل عالميا عقب سقوط حائط برلين، وعربيا بعد سقوط برجى نيويورك.
هكذا يصف الشوبكى اللحظة العربية الحالية تلك التى جعلت النخب العربية الرسمية تشعر لأول مرة بتهديدات الخارج، لتغير كثير من مفردات خطابها فى التعامل معه، فبخلاف ما كان يحدث عهد السادات فقد رفع الحظر فى مصر عن كل صور النقد المقبول وغير المقبول ضد الولايات المتحدة، وأصبح هناك كثير من الكتاب المؤيدين للحكومة يهاجمون مشاريع الخارج الأمريكية بصورة أقسى أحيانا من كتاب المعارضة القومية والإسلامية. ظهر كذلك كتاب ليبراليون أبدوا درجة واسعة من الاختلاف مع بعض كتاب الداخل الحكوميين فى التعامل مع الاحتلال الامريكى للعراق وبدت نوعية محددة من الكتاب الليبراليين أكثر تقدمية من كتابات بعض القوى الداخل القومية والإسلامية والرسمية، فيما يتعلق بقضايا الإصلاح السياسى الداخلى وبالذات بعد ظهور الخبرة العراقية التى أظهرت لأول مرة فى التاريخ المعاصر أن شر الداخل كان أسوا بكثير من شر الخارج وأن تحالف معظم الداخل العراقى مع"الشر الأقل" من المستحيل وصفه بالخيانة.
المعضلة الحقيقية فى الواقع المصرى كما يرصدها الشوبكى أن التجليات المتعددة الأوجه للعولمة قد تداخلت مع سياق محلى يحول دون وجود تفاعل صحى مع الخارج سواء بسبب القيود الديمقراطية أو بسبب عجز الدول عن الدخول فى علاقة تشاركية ونقدية مع الغرب لا تقوم على الطاعة المطلقة أو التفكير المطلق وهو ما أدى إلى تعميق الهوة بين المواطن المحلى، وما يمكن أن نطلق عليه مجازا المواطن العالمى، وصعب هذا من فرص مساهمة المجتمع المدنى المصرى فى مسيرة المجتمع المدنى العالمى.
ويرصد الشوبكى انقسام النخبة المصرية حول "الوافد الخارجى" فالحزب الوطنى الحاكم رفض من الأصل الاعتراف بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان، كما رفض التدخل فى شؤون مصر الداخلية من خلال تقارير لمنظمات وصفها بأنها مشبوهة وتعمل على زعزعة الاستقرار فى البلاد، كما وجه انتقادات حادة لمنظمات وجمعيات حقوق الإنسان المصرية واعتبرها أدوات مدفوعة الأجر لمخططات خارجية تستهدف النيل من مصر وشعبها.
أحزاب المعارضة الرئيسية اتخذت موقفا متعاطفا من معظم التقارير الدولية التى أصدرتها منظمات حقوق الإنسان وخارجها والتى انتقدت فيها أوضاع الديموقراطية وحقوق المواطنين. غير أن الأمر اختلف فيما يتعلق بحقوق الأقليات والجدل الذى أثير حول وجود اضطهاد دينى للأقباط، فقد أعلنت جميع الأحزاب السياسية المصرية رفضها التام لما جاء فى التقارير الدولية والمحلية بهذا الخصوص.
غير أنه بعد أقل من العام من معركة الأقليات تفاعلت الأحزاب السياسية مع مبادرة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان من أجل إجراء إصلاحات سياسية فى البلاد. وتلك هى المرة الأولى التى تبدو فيها أحزاب المعارضة الوطنية وكأنها فى حاجة إلى دعم خارجى تمثل فى منظمة غير حكومية تعتبر جزء من منظومة قيم فكرية وسياسية عالمية.
الأمر إذن ليس أكثر من ألعاب سياسية فالحكومة وأحزاب المعارضة يتفقان على مواجهة بعض مظاهر هذا الخطاب العالمى :كالحرب فى العراق أو الحديث عن اضطهاد الأقباط أو الدعم الفج الذى تقدمه الإدارة الأمريكية لسعد الدين إبراهيم، ولكن فى أحيان أخرى تحاول أحزاب المعارضة مواجهة هيمنة الحزب الحاكم بإبراز تقارير المنظمات الدولية الخاصة بانتهاكات الحكومة المصرية فى مجال حقوق الإنسان، وفى المقابل تبالغ الدولة المصرية فى إبراز التقارير وأخبار الصحفية العالمية- حتى غير ذو القيمة منها- التى تشيد بأداء الحكومة المصرية، أو أبراز تصريح أو مكالمة هاتفية من هذا القائد أو ذلك الزعيم الغربى الذى يشيد بحكمة القيادة السياسية المصرية، ليبدو الخارج بمثابة الحكم الذى يحمل" صكوك الشرعية" التى يمنحها على أنظمة الداخل.
هكذا يصف الشوبكى اللحظة العربية الحالية تلك التى جعلت النخب العربية الرسمية تشعر لأول مرة بتهديدات الخارج، لتغير كثير من مفردات خطابها فى التعامل معه، فبخلاف ما كان يحدث عهد السادات فقد رفع الحظر فى مصر عن كل صور النقد المقبول وغير المقبول ضد الولايات المتحدة، وأصبح هناك كثير من الكتاب المؤيدين للحكومة يهاجمون مشاريع الخارج الأمريكية بصورة أقسى أحيانا من كتاب المعارضة القومية والإسلامية. ظهر كذلك كتاب ليبراليون أبدوا درجة واسعة من الاختلاف مع بعض كتاب الداخل الحكوميين فى التعامل مع الاحتلال الامريكى للعراق وبدت نوعية محددة من الكتاب الليبراليين أكثر تقدمية من كتابات بعض القوى الداخل القومية والإسلامية والرسمية، فيما يتعلق بقضايا الإصلاح السياسى الداخلى وبالذات بعد ظهور الخبرة العراقية التى أظهرت لأول مرة فى التاريخ المعاصر أن شر الداخل كان أسوا بكثير من شر الخارج وأن تحالف معظم الداخل العراقى مع"الشر الأقل" من المستحيل وصفه بالخيانة.
المعضلة الحقيقية فى الواقع المصرى كما يرصدها الشوبكى أن التجليات المتعددة الأوجه للعولمة قد تداخلت مع سياق محلى يحول دون وجود تفاعل صحى مع الخارج سواء بسبب القيود الديمقراطية أو بسبب عجز الدول عن الدخول فى علاقة تشاركية ونقدية مع الغرب لا تقوم على الطاعة المطلقة أو التفكير المطلق وهو ما أدى إلى تعميق الهوة بين المواطن المحلى، وما يمكن أن نطلق عليه مجازا المواطن العالمى، وصعب هذا من فرص مساهمة المجتمع المدنى المصرى فى مسيرة المجتمع المدنى العالمى.
ويرصد الشوبكى انقسام النخبة المصرية حول "الوافد الخارجى" فالحزب الوطنى الحاكم رفض من الأصل الاعتراف بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان، كما رفض التدخل فى شؤون مصر الداخلية من خلال تقارير لمنظمات وصفها بأنها مشبوهة وتعمل على زعزعة الاستقرار فى البلاد، كما وجه انتقادات حادة لمنظمات وجمعيات حقوق الإنسان المصرية واعتبرها أدوات مدفوعة الأجر لمخططات خارجية تستهدف النيل من مصر وشعبها.
أحزاب المعارضة الرئيسية اتخذت موقفا متعاطفا من معظم التقارير الدولية التى أصدرتها منظمات حقوق الإنسان وخارجها والتى انتقدت فيها أوضاع الديموقراطية وحقوق المواطنين. غير أن الأمر اختلف فيما يتعلق بحقوق الأقليات والجدل الذى أثير حول وجود اضطهاد دينى للأقباط، فقد أعلنت جميع الأحزاب السياسية المصرية رفضها التام لما جاء فى التقارير الدولية والمحلية بهذا الخصوص.
غير أنه بعد أقل من العام من معركة الأقليات تفاعلت الأحزاب السياسية مع مبادرة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان من أجل إجراء إصلاحات سياسية فى البلاد. وتلك هى المرة الأولى التى تبدو فيها أحزاب المعارضة الوطنية وكأنها فى حاجة إلى دعم خارجى تمثل فى منظمة غير حكومية تعتبر جزء من منظومة قيم فكرية وسياسية عالمية.
الأمر إذن ليس أكثر من ألعاب سياسية فالحكومة وأحزاب المعارضة يتفقان على مواجهة بعض مظاهر هذا الخطاب العالمى :كالحرب فى العراق أو الحديث عن اضطهاد الأقباط أو الدعم الفج الذى تقدمه الإدارة الأمريكية لسعد الدين إبراهيم، ولكن فى أحيان أخرى تحاول أحزاب المعارضة مواجهة هيمنة الحزب الحاكم بإبراز تقارير المنظمات الدولية الخاصة بانتهاكات الحكومة المصرية فى مجال حقوق الإنسان، وفى المقابل تبالغ الدولة المصرية فى إبراز التقارير وأخبار الصحفية العالمية- حتى غير ذو القيمة منها- التى تشيد بأداء الحكومة المصرية، أو أبراز تصريح أو مكالمة هاتفية من هذا القائد أو ذلك الزعيم الغربى الذى يشيد بحكمة القيادة السياسية المصرية، ليبدو الخارج بمثابة الحكم الذى يحمل" صكوك الشرعية" التى يمنحها على أنظمة الداخل.
&
الاحتلال..الشر الأقل
غياب المواطنة كان السبب فى الانتصار السهل لأمريكا بالعراق. وبتعبير الشوبكى: احتلال العراق ليس فقط حدثا عدوانيا ارتكبته الإدارة الأمريكية بحق شعب عربى إنما هو بالأساس نتيجة فشل وهزيمة مشروع الداخل العراقى وتحوله إلى قوة احتلال عجزت عن أن تواجه قوة الاحتلال الخارجى ووضعت العراق فى وضع يختلف عن مجمل الأوضاع التى عرفها العالم العربى طوال القرن الماضى فى علاقاته بالمستعمر الخارجى.
يرى الشوبكى أن جرائم نظام صدام أدت إلى تسهيل مهمة محتلى الخارج، ذلك أن احتلال الداخل قد جعل التربة العراقية غير قادرة ليس فقط على المواجهة إنما أيضا مليئة بمشاعر الانكسار والعجز وفقدان الثقة فى كل مشاريع الداخل العربية خاصة وان النظام المخلوع قد قهر شعبه ووضعه فى سجن كبير تحت حجة إنه يواجه الاستعمار والولايات المتحدة وأنه نموذج لأنظمة التحرر القومى من استعمار الخارج.
ويرصد الباحث أن تلك قد تكون المرة الأولى فى تاريخ النظام العربى التى ينقسم فيها قطاع كبير من المثقفين فى مصر حول الموقف من احتلال دولة عربية، رغم أن المحتل هو الولايات المتحدة الأمريكية وهى وفق كثير من الأدبيات القومية والإسلامية عدو الأمة العربية.
خطورة هذا فى رأيه أنه يعد تحولا استراتيجيا عن المسار الطبيعى للتاريخ العربى الحديث الذى ميزه التضامن لمواجهة الاحتلال الاجنبى وبخاصة الدولة العبرية.
&الانقسام حول احتلال العراق فى الساحة الثقافية والسياسية المصرية يعنى كذلك من وجهة نظره تعبيرا عن طبيعة العلاقة الجديدة التى فرضها النظام العالمى الجديد على المنطقة وعلى العالم.
السقوط السهل لبغداد كما يؤكد عمرو الشوبكى هو نتيجة للفشل العربى فى بناء نموذج لاحترام حقوق المواطن، وهو يحيلنا للمقارنة بين الأوضاع العربية فى ظل نظام صدام والأوضاع فى عصر مواجهة الاستعمار حيث امتلكت حركات التحرر القومى والوطنى شرعية سياسية وأخلاقية سمحت لها بالتأثير العربى والعالمى بصرف النظر عن الأخطاء الكثيرة التى وقعت فيها.
مواجهة الخارج كما يرى- لن تأتى بعنف الشعارات الوطنية أو الدينية التى يرددها قطاع من النخبة المصرية، وإنما ببناء نظام اجتماعى وسياسى وديمقراطى قادر على الصمود أمام تحديات الخارج والتفاعل معه نقديا لا أن ينعزل عن مساره الإنساني تحت دوافع مختلفة تؤدى فى النهاية إلى تكريس الاستبداد.
يدعو الشوبكى واستنادا إلى الأخطاء التى ارتكبها النظام الصدامى والنظم العربية بشكل عام إلى التفكير فيما حدث فى العراق، يقول الشوبكى بشجاعة متحديا الخطاب المصرى السائد والذى يتميز برفع الشعارات التى أثبتت فشلها بالفعل : وهكذا يصبح من الصعب وصف ما جرى فى العراق بالخيانة أو وصف المشهد البغدادى بأنه استسلام للعدو، فلأول مرة فى التاريخي العربى الحديث يشعر شعب وجيش عربى أن خطر الخارج ربما يكون اقل ضررا من أخطار الداخل، وأن المحتل الأمريكى ربما يحمل مشروعا لحكم العراق أقل سوءا وأقل قسوة وضراوة من مشروع صدام حسين، فكان هذا التحول بمثابة علامة فاصلة فى تاريخ العراق وربما المنطقة العربية خاصة أنها شهدت جدلا فكريا وسياسيا توازى مع الحالة العراقية وبات من الصعب أن نقيمه بنفس الطريقة السهلة التى قرأنا بها عصر التحرر الوطنى والاستقلال حين كان حلفاء الاحتلال هم فقط عملاء العالم العربى، وأصبح الوضع مع العراق مختلفا حين اضطرت كثير من فصائل المعارضة العراقية أن تتعاون مع القوات الأمريكية من أجل التخلص من نظام صدام حسين، كذلك حين رأت بعض قطاعات من المثقفين العرب أنه لولا الغزو الأمريكى للعراق لما كان من الممكن أن يتخلص العراقيين من نظام صدام، وأصبح معه الاحتلال الأمريكى أقل الخيارات سوءا وليس بالضرورة أفضلها.
يرى الشوبكى أن جرائم نظام صدام أدت إلى تسهيل مهمة محتلى الخارج، ذلك أن احتلال الداخل قد جعل التربة العراقية غير قادرة ليس فقط على المواجهة إنما أيضا مليئة بمشاعر الانكسار والعجز وفقدان الثقة فى كل مشاريع الداخل العربية خاصة وان النظام المخلوع قد قهر شعبه ووضعه فى سجن كبير تحت حجة إنه يواجه الاستعمار والولايات المتحدة وأنه نموذج لأنظمة التحرر القومى من استعمار الخارج.
ويرصد الباحث أن تلك قد تكون المرة الأولى فى تاريخ النظام العربى التى ينقسم فيها قطاع كبير من المثقفين فى مصر حول الموقف من احتلال دولة عربية، رغم أن المحتل هو الولايات المتحدة الأمريكية وهى وفق كثير من الأدبيات القومية والإسلامية عدو الأمة العربية.
خطورة هذا فى رأيه أنه يعد تحولا استراتيجيا عن المسار الطبيعى للتاريخ العربى الحديث الذى ميزه التضامن لمواجهة الاحتلال الاجنبى وبخاصة الدولة العبرية.
&الانقسام حول احتلال العراق فى الساحة الثقافية والسياسية المصرية يعنى كذلك من وجهة نظره تعبيرا عن طبيعة العلاقة الجديدة التى فرضها النظام العالمى الجديد على المنطقة وعلى العالم.
السقوط السهل لبغداد كما يؤكد عمرو الشوبكى هو نتيجة للفشل العربى فى بناء نموذج لاحترام حقوق المواطن، وهو يحيلنا للمقارنة بين الأوضاع العربية فى ظل نظام صدام والأوضاع فى عصر مواجهة الاستعمار حيث امتلكت حركات التحرر القومى والوطنى شرعية سياسية وأخلاقية سمحت لها بالتأثير العربى والعالمى بصرف النظر عن الأخطاء الكثيرة التى وقعت فيها.
مواجهة الخارج كما يرى- لن تأتى بعنف الشعارات الوطنية أو الدينية التى يرددها قطاع من النخبة المصرية، وإنما ببناء نظام اجتماعى وسياسى وديمقراطى قادر على الصمود أمام تحديات الخارج والتفاعل معه نقديا لا أن ينعزل عن مساره الإنساني تحت دوافع مختلفة تؤدى فى النهاية إلى تكريس الاستبداد.
يدعو الشوبكى واستنادا إلى الأخطاء التى ارتكبها النظام الصدامى والنظم العربية بشكل عام إلى التفكير فيما حدث فى العراق، يقول الشوبكى بشجاعة متحديا الخطاب المصرى السائد والذى يتميز برفع الشعارات التى أثبتت فشلها بالفعل : وهكذا يصبح من الصعب وصف ما جرى فى العراق بالخيانة أو وصف المشهد البغدادى بأنه استسلام للعدو، فلأول مرة فى التاريخي العربى الحديث يشعر شعب وجيش عربى أن خطر الخارج ربما يكون اقل ضررا من أخطار الداخل، وأن المحتل الأمريكى ربما يحمل مشروعا لحكم العراق أقل سوءا وأقل قسوة وضراوة من مشروع صدام حسين، فكان هذا التحول بمثابة علامة فاصلة فى تاريخ العراق وربما المنطقة العربية خاصة أنها شهدت جدلا فكريا وسياسيا توازى مع الحالة العراقية وبات من الصعب أن نقيمه بنفس الطريقة السهلة التى قرأنا بها عصر التحرر الوطنى والاستقلال حين كان حلفاء الاحتلال هم فقط عملاء العالم العربى، وأصبح الوضع مع العراق مختلفا حين اضطرت كثير من فصائل المعارضة العراقية أن تتعاون مع القوات الأمريكية من أجل التخلص من نظام صدام حسين، كذلك حين رأت بعض قطاعات من المثقفين العرب أنه لولا الغزو الأمريكى للعراق لما كان من الممكن أن يتخلص العراقيين من نظام صدام، وأصبح معه الاحتلال الأمريكى أقل الخيارات سوءا وليس بالضرورة أفضلها.
&
***
بخلاف بحث عمرو الشوبكى قدم عدد كبير من الباحثين تحليلات هامة تناولت:& سياسات الحياة اليومية، أداء البيروقراطية وحوادث الطرق، تحولات الخريطة الطبقية فى مصر، حصاد هجرة العمالة المصرية، رؤى المثقفين الأقباط فى المواطنة، التعليم والمواطنة، المواطنة والحق فى الخصوصية،منظمات المجتمع المدنى وحقوق الفرد والأقلية،...........وعناوين أخرى عديدة غطت تقريبا كل ما له علاقة بفكرة المواطنة.
&ورغم تعدد العناوين واختلاف الطرق فى تناول قضاياها فإن هناك سمة غالبة جمعتها: قراءة الواقع المحلى وعلاقته بالواقع العربى والعالمى بصدق ودون محاذير ما، انطلاقا من رؤية واحدة جمعت بين المشاركين دون سابق اتفاق وهى خطورة الوضع الحالى، وضرورة التصدى لمعالجته سريعا.
يفتح هذا المؤتمر باب الأمل لعودة الجامعة المصرية لممارسة دورها الطبيعى، أن تتخلى عن تخريج ملايين الطلبة الجاهلين، وتتصدى لمناقشة القضايا الحقيقية، فى مقدمة ربما لعملية إصلاح شاملة.
التعليقات