القط الأسود السمين الذي ابتلع حرية 23 مليون نسمة، قد عثر عليه متخما أشعث خائفاً في حفرة صغيرة جوفاء يتقيأ بقايا أرواح متحللة فرت فزعا من جوفه، وراحت تبحث عن الصيادين فأرشدتهم إلى مكان حفرته الضيقة فاصطادوه. ولعل من الإنصاف ـ جزاء بلعه كل هذه الحريات طوال 24 عاما ـ ان يلقى به في الشارع المليء بالكثير من القطط المتعطشة لقطرة حرية، كي تلوك احشاءه المتخمة بأسنانها الصفراء وتمزقه بأظافرها السوداء الى ان تشبع، حتى لا تغزونا ثانية نحن الحمائم الساذجة البيضاء في ليلة ظلماء... كليلة الثاني من اغسطس.
فمنذ دخول دولة الكويت تاريخها الحديث في القرن الثامن عشر كانت الأخطار تحدق بها من الشمال، وصدام، الذي قدم الى السلطة عام 1979، لم يكن هو من ابتدع أكذوبة الفرع والأصل، فمنذ نهاية القرن التاسع عشر والقيادات السياسية في العراق تطالب بضم الكويت وتعتبرها جزءا من العراق العثمانية، فلا الملكية في أواخر الثلاثينات في عهد الملك الغازي كانت تعترف بسيادة الكويت على الرغم من وجود الوثيقة الانجلو ـ عثمانية عام 1913 والمذكرة البريطانية عام 1923 والرسائل المتبادلة بين البلدين عام 1932، ولا الجمهورية التي أعقبتها كانت تعترف بسيادة الكويت، فبعد السقوط الدموي للملكية عام 1958 ألغى عبدالكريم قاسم الاعتراف بالكويت بعد ستة أيام من إعلان استقلالها، وقال ممثل العراق بالأمم المتحدة آنذاك، عدنان الباجه جي، أنها محافظة عراقية ولا يوجد ما يسمى دولة الكويت. وبعد الانقلاب على قاسم ومجيئ البعث وقعت الكويت معه معاهدة الحدود ووثقتها في الأمم المتحدة عام 1963، ثم عاد البعث في 1970 مطالباً بوربة وبوبيان، ولما رفضت الكويت قام بحشد قواته على الحدود في عام 1973، وظل البعث غير معترف بسيادة الكويت، حتى قدوم صدام للسلطة حيث اجتاحها، محققا حلما دام للقيادات السياسية العراقية المتعاقبة قرابة القرن وأرسى في عقولهم حق السيادة عليها.
إذاً فعلينا ان لا نهرول نحو الشمال حتى نكون حذرين كي لا نقع في خف من المتناقضات، ومن الأمية التي لا تزال تحمل صور الطاغية حتى بعد سقوط كل أقنعته المزيفة في حفرة ضيقة، علينا ان نتعامل بتروٍ مع الانفلات العاطفي الذي يؤجج كل صور الاعتزاز بالعرقية والمذهبية وان لا ندعها تعبر حدودنا الشمالية، وعلينا ان نخاف كي نسلم عواقب الاندفاع الذي حصد ارواح المتفائلين.
من المفارقات التي تجعلنا نقف كثيرا، وحسب وثائق وزارة الإعلام فإن عدنان الباجه جي الذي اعلن قبل اربعين عاما انه لا توجد دولة اسمها الكويت، هو عدنان الباجه جي نفسه العضو في مجلس الحكم الحالي الذي شاهدناه بالأمس يصرح عشية القبض على صدام بأن دولة الخوف قد ولت إلى غير رجعة. ولذلك فإن مصداقية المعارضة تحتاج ان تجتاز الكثير من الحواجز والاختبارات، حتى نتأكد من عدم رجوع دولة الخوف، ونطمئن كشعب كويتي الى ان قيادتنا السياسية لن تصافح في يوم من الأيام قطا أسود قادما من الشمال.
التعليقات