"إيلاف"&من موسكو: تحتفل الصين هذه الايام بمرور 110 أعوام على ميلاد ماو تسي تونغ، الزعيم& الذي ترك بصماته على تاريخ القرن العشرين، واطلق عليه في بلده& "الربان العظيم" وحكم الصين من عام 1949 الى 1976 عاما.
وخلطت الاحتفالات باليوبيل مراسيم التبجيل الحزبي للزعيم الراحل برياح الاصلاحات التي تهب على البلاد الشاسعة. وقالت التقارير ان& الطبعات الجديدة من كتب& "110 حكايات عن ماو" و"ماو عن قرب " و"الصين في عهد ماو" اغرقت المكتبات. وفي الدعاية لاحدى تلك الاصدارات كتب " من المستحيل فهم القرن العشرين، دون فهم ماو ". وقالت ان شبح ماو مازال يهيم في اجواء الصين.
كان ماو تسي تونغ، من أكثر الشخصيات تناقضا في التاريخ البشري، فكان في ان واحد فيلسوفا وضليعا في الكونفوشية وشاعرا تدهش القارئ قصائده الجميلة، وطاغية مستبدا،& تلاعب بمصائر شعوب برمتها. ورغم كونه كان مثقفا واسع المعارف فهو الذي يتحمل المسؤولية عن فظائع " الثورة الثقافي".
ويعتبر ماوتسي تونغ حتى الان عبقريا وشريرا ظلاميا، وثائرا ملتهبا وديماجوجيا جامدا .& وما زالت تتردد حتى اليوم الاسئلة عن حقيقة هذا الانسان ومن يكون في حقيقة الامر، وكيف كان يعيش ويشعر .
وامضى& ماو، الذي ولد في 26 ديسمبر عام 1893، طفولة منعمة، فكان والداه من ملاك الاراضي والخدم، لذلك فان الصبي لم يعرف الظلم الذي عرفته الشرائح الكادحة، التي ادعى انه كرس حياته لتحريرها. الى جانب ذلك كان غارقا في عالمه الداخلي، ومولعا بالادب الرومانسي، ويعد نفسه ليصبح معلما&
&واثار استياء الاب ، المُزارع صاحب العقلية التجارية العملية كون ان ابنه كان حالما،& ومن اجل ان يكشف له عن خفايا الحياة، قرر تزويج ماو حينما بلغ سن الرابعة عشرة. ومن فتاة كانت تكبره بعامين. وقبل ان تمضي عدة اشهر على زواجه، ترك الزوج الفتي& زوجته التي لم يضمر لها الحب، وتمرد على التقاليد العتيقة التي سادت كافة الحياة في الصين.
وبدا طريق ماو نحو السلطة في ابريل عام 1918، عندما اسس ورفاقه في الفكر جمعية& "المجتمع الجديد " التي كان هدفها " البحث عن طرق ووسائل جديدة لانبعاث الصين " . وبعد عام اصبح شخصية سياسية ذات نفوذ .
وصعدت نجومية ماو بسرعة، ففي عام 1921 تراس وفد اقليم هونان في المؤتمر التاسيسي للحزب الشيوعي الصيني . وبعد فترة قصيرة لفت لنفسه انتباه تشان كايشي احد اقطاب رئاسة الحزب الثلاثية حينذاك، واصبح رئيس قسم الدعاية، بيد انه لم يبق طويلا في منصبه، فقد افضت الخلافات السياسية مع تشان، الى ان يجدا نفسيهما في معسكرين مختلفين، فقد مضى ماو تسي تونغ في طريق العمل السري، واسس الجيش الثوري . ولكن الانتفاضة التي قادها، انهارت وانسحب الى الجبال بقواته، حيث تزعم في عام 1928 جمهورية سوفياتية،& بلغ تعدادها في عام 1934& 15 مليون نسمة.
واستثمر ماو الحرب مع اليابان لتعزيز موقعه، وتصفية الحساب مع& خصومه ومنافسيه، وحال انتهاء الحرب طرد تشان كايشيك الى تايوان، وتراس هو جمهورية الصين الشعبية.
وكرئيس للدولة انتقل ماو للسكن في قصر الامبراطور التاريخي،& الذي لايمكن الدخول إليه الا بترخيص خاص. وانتشر في كافة الانحاء العملاء المخبرون والحرس. وتكون المقر من عدة مباني مرتبطة بعضها بالاخر، وهناك كانت قاعات الاستقبال، ومكتبة القائد الفارهة، ومتحف الهدايا.
وامضى ماو اوقات فراغه وعمله في اجواء لاتتميز بالابهة، فكانت له غرفه كبيرة تعادل قاعة رقص كبيرة، وكان فيها مكتبه، وغرفة نومه . واقيم له مخبأ ارضي في حديقته التي تفوح منها الروائح العبقة، التي انتشرت فيها النافورات والغابة الخضراء دائما .
&وكان ماو المتمرد بطبيعته، يسمح لنفسه التصرف بصورة غير لائقة، وبالطريقة التي تعجبه، ويتجاهل المعايير الاخلاقية، وابسط قواعد السلوك. وذات مرة وبحضور وفد اوروبي رفيع المستوى، خلع بنطوله ليظل عاريا،& بحجة ان الجو كان حارا جدا.
وما يتعلق بالنساء فانه، وحتى في عمر الستين كان مهووسا بهن، وكان مولعا بتعاليم دواسوف، التي اكدت ان الرجل الذي ينجح في التواصل مع الف عذراء، لن يدركه الموت ويبقى خالدا.
& وبالتدريج اصبحت النساء شاغل ماو الاول، واحتلت شؤون الدولة والقضايا الدولية المرتبة الثانية في مشاغله. وقليل من كان يعرف ان هناك غرفة قد رتبت الى جانب قاعة مؤتمرعموم الصين، مارس فيها الديكتاتور اهواءه الجنسية اثناء فترة الراحة بين الجلسات. ويقال انه أقام علاقات مع اكثر من ثلاثة الاف شابة صينية، وطرحت قضية انفلات& شهوة زعيم الحزب على اجتماع المكتب السياسي، ولكنه استطاع ان يخنق تلك الانتقادات في الستينات، حينما فرض سيطرته الكامل على الحزب والدولة .
وواكبت المتاعب آخر زوجة له ـ الممثلة& تزيان سين . فعلى الرغم من انها الوحيدة التي عاشت معه زهاء ثلاثين عاما، وشاركت في مؤامراته ومغامراته السياسية، وكانت احد منظري " الثورة الثقافية "، الا ان خياناته الزوجية المتكررة جعلتها تتعرض لنوبات هستيرية. وبعد موته القيت سين في غياهب السجن، وخلال فترة قصيرة دفعوا بها للانتحار.
&وكانت تشان يوفين ابنة الـ 18 عاما اخر عشيقة لماو ـ وعملت رئيسة للفصيلة الخاصة التي كانت تقوم على خدمة القائد في رحلاته بالقطار. وبعد ان شاركت ماو غرفة النوم، كادت ان تصبح الشخصية الاولى في الدولة. وبعد عام 1974 كان بمقدور الطبيب الخاص لماو فقط ان يدخل عليه دون اذن منها. اما الاخرون بما فيهم زوجته واعضاء المكتب السياسي، فكانوا يلتقون به فقط عقب& حصولهم على رخصة من تشان التي كانت& تفهم ماو من خلال حركات شفتيه، حتى اصبحت الشاهد على مفارقته الحياة .
ودون شك فان تفاصيل حياة الدكتاتور اثارت& اكثر اهتمام الصحافيين، لا المواطن العادي.& فللشرق موقف& خاص من الزعماء : فثمة من يبجلهم فقط لانهم جبابرة واقوياء، ويتغاضى المواطن العادي& في اطار ذلك عن كافة النقائص للدكتاتوريين. لذلك فان جثة ماو مسجاة الان في ضريحه، ومازالت ذكراه قوية، وتحتفظ الكثير من العوائل في الصين& بكتيب يتضمن مقتطفات من اقواله، التي كانت بمثابة مرشد الانسان في الحياة والعمل والتفكير.
وفي راي الخبير الروسي في شؤون الصين يوري جالينوفتش فان موجة الاحتفالات، تمثل سعي الدوائر الحاكمة الحالية لتبرير ماضيها برمته. وثمة شرائح اجتماعية واسعة، من التي لم تجد لها مكانا في الصين الجديدة، خاصة من الجيل القديم& تحن حتى الان لعصر ماو. ولذلك تخاف الدوائر الحاكمة من ان& ينهض " شبح" ماو من الطبقات الدنيا ليكون شعارا للاحتجاجات على التفاوت الاجتماعي الحاد الذي ظهر بفعل الاصلاحات الاقتصادية. وان السلطات الصينية تسعى الان لاستغلال تراث ماو تسي تونغ، لامتصاص النقمة الاحتجاجية.
وثمة مخاوف في روسيا من عودة الصين الى نهج ماو في السياسة الخارجية. ويقول الخبير الروسي ان هذا النهج سوف يمس روسيا . نظرا لان ما كان لايطيق كل ما هو روسي،بعد القطيعة التي وقعت بين بكين وموسكو في ستينات القرن الماضي. وبعد شطب ماو تسي تونغ شعار الصداقة الابدية مع روسيا، ناصب الزعماء السوفيات العداء، باعتبارهم قياصرة جددا، وطالب باعادة الاراضي الصينية التي اغتصبتها روسيا، واشعل حربا ضد الاتحاد السوفياتي. ان تذكر كل ذلك قد يلهب حماس القوميين الصينيين، وقال جالينوفتش "ان شبح ماو سيثير دائما فزع ومخاوف موسكو".