حيان نيوف
&

شمس العام 2003 انحدرت للغياب بعيدا خلف أفراح وأحزان العام. إذا تحدثنا عن الفرح فماذا نقول؟ وإذا تحدثنا عن أحزان العام الراحل فكيف سنتمكن من إحصاء هذه الأحزان؟ وليمة جديدة سيقدمها العالم مع قدوم العام الجديد وهي وليمة الدمار والانهيار البشري ، فداخل كل فرد يكمن مغولي مجنون يستعد في أية لحظة للقفز إلى العالم الخارجي وبث الرعب في كل مكان. لقد كانت سنة الولائم والدمار والرعب، وقد أصبح العالم العربي أكثر غليانا من ذي قبل بفعل النار الهادئة تحته التي تتصاعد حرارتها ببطئ شديد. والكثير من المفكرين تحدثوا عن تفاؤل ولكن بحذر شديد، وغيرهم تحدث عن التراجع يوما بعد آخر إلى الخلف، وما يجده كل صحفي موضوعي نزيه هو أن يأخذ الرأيين على محمل الجد، ولكن سيصعب على أي مراقب أن يكتفي بالرأيين، وسيذهب بعيدا بوجهة نظر ثالثة ليقول: سنة 2003 كانت مماثلة لغيرها ولكن متى يحق للعالم العربي أن يحتفل بقدوم بابا نويل الجديد الذي ستختلف سحنته وهندامه وتفكيره وسيحمل في حقيبته الفرح للأطفال والوطن للمشردين والابتسامة للتعساء والخبز للجائعين، فقد مللنا بابا نويل الذي عينته الحكومات العربية موظفا حكوميا مملا بائسا يتقاضى راتبه كل شهر وهو جالس خلف مكتبه لا يعرف ماذا يدور في الخارج.
بابا نويل، في العالم العربي، لا يعرف بما يفكر الناس وما هي همومهم وأحزانهم، وما يهمه أن يتقاضى راتبه كل أخر شهر وينتظر الحوافز على مهامه الشجاعة في تكريس سياسات العقم في المنازل وفي حدائق البيوت وعلى شرفات العقل العربي الذي بات يحكمه درويش مسكين مع سبّحة وعلى رأسه قلنسوة صوف قام بحياكتها مجهولون من كوكب مجهول في زمن مجهول !. انتظرنا أن يتغير بابا نويل، وانتظرنا هداياه، وراح يهدينا ما لم نريد: علكة ولعب أطفال وقصص الزير سالم وغزو الأندلس. كنا نريد بابا نويل أن يصبح ملكنا ليعيش معنا ويشاهد من نافذة منكسرة كيف يعيش الطفل العربي أو الأم العربية أو حتى المثقف العربي الذي راح يهذي محاولا إقناع الشعوب العربية بأن الحمار حصان وبأن شجر التفاح موز وبأن الصدام صار رمزا لحرية الشعوب !!. إنه التيه بعينه والسكر والهلع من الذات قبل أن يكون هلعا من الآخرين. ذات مرة حمل لنا بابا نويل قطارا صغيرا ونسي أن الفلسطيني وغير الفلسطيني قد حرم من أرضه وأمه وأبيه فأي قطار بائس هذا ! ومرة أخرى حمل لنا بابا نويل منديلا ورقيا ونسي أننا أمة نحتاج لملايين المناديل لمسح دموعنا المنهمرة منذ تكوين الدنيا وحتى اليوم ( الياباني يخترع جهاز الراديو وهو في المرحاض ونحن ما زلنا حتى اليوم نختلف ونتقاتل في تأويلاتنا لتاريخنا القديم ! ). ومرة أخرى حمل لنا بابا نويل وردة سلام ونسي أننا نفتقد السلام حتى في غرف النوم، وراحت جائزة السلام لكل عابر طريق نحو الشمال دون أن يتذكّر بجدية أحلام الجنوب !! لقد خدعنا بابا نويل وسمح لنفسه أن يصبح تاجرا للحلم ينتظر أن يسحب قرضا على راتبه من أحلامنا وأحلام أناس لم يخلقوا بعد ويشاهدوا مصيبتنا في العيش تحت شجرة توت لم تعد لنا.
سنسأل أنفسنا في العالم العربي: ماذا نريد من بابا نويل؟. كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج يريد أشياء تختلف من شخص لآخر، ولكنهم جميعا يشتركون في حلم واحد هو حلم الحرية. كل شخص يريد أن يتحرر: فهذا يريد التحرر من قيود زوجته ابنة الإقطاعي، وذاك يريد التحرر من حاكمه، والآخر يريد التحرر من أوهام تاريخه وهناك من يريد التحرر من الإحتلال ؛ والكل يسألون عن المستقبل وما يحمله لنا من مآسي أو أحزان. الكل يريد أن يعرف ماذا سيحدث في العام القادم، فأين بابا نويل من كل هذا؟ أم أن بابا نويل يستطيع حل مشاكل جميع بلدان العالم ماعدا العالم العربي لأن مشاكله عصية على الحل؟.
ولو قرأنا تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة سنجد أننا نقرأ أرقاما عن عالم هو ليس ذاك الذي وصل إلى حدود الصين ونشر الإبداع والحضارة والثقافة وترجم الحضارة الأوربية والحضارات الأخرى، وسنجد أننا نقرأ عن أمة لم تعد أمة العدل بدل أمة تفتقر لكل مقومات التقدم من الاقتصاد إلى السياسة، وحتى المجتمع راح ضحية الفقر وتسرب الفتيات من المدارس. ذلك الطفل العربي الذي لا يمكنه دخول المدرسة فيذهب ليبيع أوراق اليانصيب والصحف الحكومية ( مفارقة كبيرة حيث الصحف الحكومية في العالم العربي تتحدث عن ظاهرة تشرد الأطفال بينما هؤلاء الأطفال هم من يحمل الصحف ويبيعها على الطرقات ! ). وذلك الطفل المتشرد بسبب مشكلة ما بين والديه هو ضحية، ليس المجتمع فحسب، بل أيضا سياسات الحكومات العربية التي أرادت إلغاء الطفولة العربية: فأي طفولة هذه في زمن الجوع والقهر وأفول شمس الحرية !.
نريد منك يا بابا نويل: الحرية ولكن ليس عن طريق صناديق اقتراع ينخرها السوس، ونريد الخبز ولكن شريطة ألا يكون مغشوشا لأننا تعودنا على الرغيف الذي يشبه إطارات السيارات، ونريد السلام وبالطبع ليس سلام شارون أو صدام، ونريد ما حرمنا منه من مئات السنين وحتى الآن. ولكن قد لا نجد بابا نويل ليحقق كل هذه الأحلام فنجلس لندخنها على شاطئ البحر ونلعن الدنيا التي رمتنا في أحضان العالم العربي الذي يبدو أن قد أصيب بلعنة ساحر هندي !!
سيتم إشعال ملايين الشموع حول العالم بمناسبة أعياد الميلاد، وكل شمعة برونق ولون خاص، ونحن هنا في العالم العربي نريد شمعة واحدة تبقى بلهيبها في وجه الرياح ليبقى معها أمل جديد بمستقبل أفضل لا يجوع فيه الأطفال ولا يتم فيه اغتيال العقل والحرية... نريد شمعة واحدة لإنارة مساحات واسعة من الظلام.. نريد شمعة واحدة لنفرح ليلة واحدة.. نريد شمعة واحدة لنعلن أننا عشنا الحب والحرية ليلة واحدة.. فأين أنت يا بابا نويل؟!
&