د. عبد الرضا الفائز
&
&
&
&
ألتقيته في مجلس عزاء، كان حليق الذقن، متعلما بدون تفتح، يعمم التفاصيل ويجزم في وجهات النظر. قال انه معجب بطالبان وأنه تابع كل المعارك والجولات عبر التلفاز والفضائيات. سألته مكايدا كيف هي أبنتك في المدرسة ولماذا فشلت زوجتك في أمتحان السياقة ولماذا تمتلك دشا وتلفزيونا؟ ألا تعلم انك تستحق الجلد في أمارة طالبان لكل تلك الممارسات، وواجبك ان تربي لحية تقبض باليد؟ فلماذا تريد ذلك القهر للأفغان ولا تعيشه أنت؟
وآخر كنت ألتقيه في بلاده. كان معجبا بالعبث في العراق ورئيسه المقبور. يوما سألته وقد أمتد النقاش في الأختلاف، هل ترضى ان يكون رئيسا لبلادك؟ أجاب بلا تردد أو تفكر أو روية: العياذ بالله. وفهمت ان الشعوب لديه مقامات ومراتب فما يصح لشعب لا يصح لشعب آخر. يوما وجدته مسرورا، لزواج أبنته مهاجرا في الولايات المتحدة الأمريكية. قال ان بأمكانه الحصول على البطاقة الأمريكية الخضراء!&
يدعى تميمي وبيوض من شعب مضطهد مشرد مسلوب الوطن. شتم (بفؤية مقيتة) عرب العراق الأقحاح وآخرين طردوا سفارة أسرائيل وقدسوا العربية وتشرفوا بحرفها العربي وما زالوا يساندون فلسطين وأهلها ويجنون المتاعب لذلك (ولسان حاله تمجيدا لمن له حلف أستراتيجي مع أسرائيل وأحتقر العربية ولبس جزمة في خدمة الأستعمار).& كما شتم العراقيين من الذين أقيمت لهم المقابر من أجل فلسطين ( ولسان حاله تمجيدا للذين فتحوا السفارات وأحترموا الشيكل وسياحه وأقتصاده). شتم العراقيين داعيا لقتلهم وقبرهم وتشريدهم وتهجيرهم خصوصا اؤلئك الذين يختلفون معه في المذهب والعرق ناسيا ان العراقيين يؤمنون بأن الدين لله وأن الوطن للجميع وأن أمثاله من دعاة التمييز العرقي والتفريق الطائفي قد جنوا على فلسطين وأهل فلسطين. فمتى نلفظ الأوغاد يا أمة العرب؟
يملك مكتبة للقرطاسية في عاصمة عربية تجاور فلسطين. عرفته محبا للعبث في العراق ومستفيدا "قومجيا".& سألته يوما مستهجنا لماذا يعرض مجلة "الف باء" التي تروج للقاتل صدام، أجاب مندفعا: أتني بمن يطلق صاروخا واحدا آخر على أسرائيل (وكان يعني صواريخ الأسمنت الصماء الدعائية التي أطلقت على أسرائيل وقتلت بضع أشخاص وربحت منها أسرائيل المليارات). أخبرته ان صدام قد قتل وعوق نحو مليون منا دون فلسطين قال لايهم (أنه قصف أسرائيل). أخبرته ان السفلة من آل المجيد نهبوا البلاد وأستعبدوا العباد قال لايهم (أنه قصف أسرائيل). أخبرته ان صدام وأتباعه قد شردوا نحو أربعة ملايين منا والباقين مرتهن للقهر والجوع والأفقار قال لا يهم (أنه قصف أسرائيل).& أخبرته ان العراق تجزأ في ظله قال لا يهم (أنه قصف أسرائيل). وكظمت ألمي في داخلي من "قومجي" ينتظر من القتلة& وقف القتل والنهابين وقف النهب وصانعي التهجير والتشريد والأفقار وقف التهجير والتشريد والأفقار.
ومرت نحو أكثر من سنة. وأعدم نظام صدام أربعة (أربعة فقط) من مواطني ذلك الشخص في حملة سيئة في الأثر والتأريخ بموجب أوامر من أبن الطاغية المقبور والتي عرفت بحملة تنظيف السجون أعدم فيها الآلاف. وخرج ملك البلاد تلك في التلفزيون غاضبا، مناديا ان دم أبن بلاده ليس رخيصا. ونشرت صحافة ذلك البلد آنذاك الغسيل الوسخ الذي نعرفه ويعرفوه عن سيرة نظام ذلك الطاغية المقبور. وهاج الشارع العام وتألم لفقدان الأبناء (الأربعة) الذين ما كانوا يستحقون الأعدام عن جرائم سرقة وتهريب. وتعمدت زيارته في مكتبته وسألته عن رأيه بما حصل ورد غاضبا، ان ذلك لا يجوز. أجبته (ولكنه قصف أسرائيل). رد صارخا أتسخر من عقلي يا دكتور، أو يحق لمن يقصف أسرائيل ان يفعل ذلك؟. وكان واضحا انه نسى ما تحدثنا عنه قبل أكثر من سنة وما آلمني حينذاك، وربما اني جهلت ان الشعوب لديه أيضا مقامات ومراتب. وتساءلت مع نفسي عن قيمة العروبة وآصرة الدم التي بها أعتقدت. وتمنيت ان تلك الأمة لم تخلق وفيها كل ذلك النفاق.&
ونتذكر الآن نقابة المحامين في ذلك البلد الجار وأتخيل كم فيها من المنافقين والكذابين وهي تقول بالفم الملئان (وبكل الصلافة) انها ستشكل وفدا للدفاع عن صدام حسين المذنب بتشريد وقتل وقبر وسرقة وتجويع وتعذيب ملايين العراقيين. ونتذكر كذلك مواطنيهم من الأحزاب ال 13 الذين أصدروا بيانا عن شرعية وحق صدام في حكم العراق طوال كل سنوات القهر والموت التي سببها للعراقيين (وكأن العراقيين قد أنتخبوه أوأختاروه). فأي محامين هؤلاء لا يملكون حتى الخجل من الأنسانية؟ أنهم يقولون لنا ان قضيتهم (قضيتهم فقط) مقدسة، ويجب ان تجوعوا وتشردوا وتهّجروا وتموتوا يا عراقيين فداء لكل فرد منا. ونتذكر غضبهم يوم مقتل الأربعة وسكوتهم بعد أستلام الرشاوي المسروقة من جوع العراقيين الذي ودوا لو يطول. أبعد هذا الدجل، دجل يا أمة العرب؟
في بلد ثان شقيق ساعد على تحرير العراقيين أخيرا، كان هناك شاعرة سعيدة صبوحة يشار لها بالبنان كتبت في صدام أجمل قصائد الغزل وأحبته فارسا للعرب يحارب بالعراقيين ويقتل الآخرين. شجاعا باسلا مقداما وبطلا قوميا للتحرير، وعلقت في بيتها صورة له كبيرة بفخر. وكانت كما كان رئيس تحرير (جارلله) من بلادها أشتهر بحبه وعشقه للقائد الملهم الهمام أيام كان يقاتل بالعراقيين ويرمي من كان يعصي منهم بالأسلحة الكيمياوية والمقابر الجماعية. وكانا معا وآخرين مكافحين للعروبة وبطل تحريرها صانع الأنتصارات والملاحم (!). لكن كل ذلك تغير يوم سال قليل الدم في بلادهم ويوم جاء الفارس المغوار (الغادر) ليطعهمهم ما تغزلوا للأخرين فيه. وكفروا به بعد طول حب وغزل. وتتمنى أنسانيتك ان أمة العرب لم تخلق وفيها كل ذلك النفاق.
من ضحايا النكبة والتشريد وظلم اليهود ألتقيته. كان قادما من أستراليا بعد هجرته اليها مع زوجته وطفليه. بعد عدة أحاديث متفرقة وصولا الى القضية، قال أنه لا يحترم قائد الثورة بعد أن نكث بوعده يوم قال أنه تزوج الثورة، فكيف يتزوج اليوم ليأخذ بضع سنوات من الحياة (التي ما أضاع صاحبنا واحدة منها)؟ وتسألت عن قيمة الأخلاق فينا. مهاجر الى البحوحة والراحة وهاربا عن كل أمة المتاعب. يأتي مصطافا ليكفر من يشاء ويلعن من يشاء. ترى لو فعل الجميع فعلته، هل كان هناك من ُيلعن؟& (للعلم ان قائد الثورة تلك كان الرئيس العربي الوحيد الذي أبدى الحزن والأسف برقيا لمحاولة بعض الشرفاء الأبطال قتل الفاسق والبوهيمي عدي صدام حسين وأيقاف جرائمة. فالشعوب لديه أيضا مقامات ومراتب أو ان الثورة فوق الأخوة والأنسانية والضمير!).
في المنتدى الفكر العربي الأخير ببيروت حضر مثقف كردي من العراق. طالب المثقفين العرب ان يتكلموا في المقابر الجماعية لنظام القتل والقهر والأغتصاب والعهر والظلام. طردوه شر طرده أؤلئك "المثقفون العرب" من منتداهم "الفكري". لقد سودوا الوجوه في فعلتهم، ومن يعرفهم لا يعتب. فهل هؤلاء مثقفين يا أمة العرب؟
يوم تم القبض على صدام. مساء ذلك اليوم المشهود والرائع (الذي لا يضاهية الا يوم سقوط الصنم وصفعات نعال أبو تحسين لمرحلة من مزبلة الحياة أتت والى مزابل التأريخ ولت) تناقلت أجهزة الهاتف المحمول البشرى بين العراقيين. تجمعوا زرافات وجماعات أينما ما تواجدوا وأحتفلوا حتى الصباح. العجيب أن بعض العرب حزنوا لذلك. بعضهم قال لقد خدروه ونسوا انه يوم لبس ملابس الحرب فأن واجبه ان يقاتل ويموت لا أن يهرب جبانا ليستسلم ذليلا تاركا لمطاياه ويتاماه أيجاد المبرر وأختلاق العذر. فأي أخوة أؤلئك الذين يحزنون لفرح أخوتهم ويفرحون لحزنهم؟& ملاحظة: كان صدام يقطع أذن من يغيب يوما، ويقتل من يهرب، ويعاقب قريب من يستسلم. وقد غاب وهرب وأستسلم. فيا لبؤس ووحشة يتاماه النادبين والمرتشين.
في العشرينات من القرن الماضي، أقترح أحد الملوك (أدرك ضعف قومه وقوة دهاء عدوهم) حكما ذاتيا لليهود في فلسطين. أتهمه قوم ذلك الزمان بالخيانة. في ثلاثيات ذلك القرن أيضا عرضت سلطات الأنتداب ثمانين بالمائة& للعرب، رفضها حينذاك عبدالقادر الحسيني جهلا أو خوفا من أخوة ذلك الزمان. في عام 1947 رفض العرب ما عرضته الأمم المتحدة لهم من ثلثي أراضي فلسطين. ورفض العرب ذلك. في عام 1967 وبعد هزيمة العرب في الحرب عرض اليهود على عبدالناصر العودة الى الحدود مقابل الأعتراف الذي طلبوه، ورفض العرب. في عام 2000 عرض كلينتون في خطته 97%& من أراض الضفة الغربية، ورفض العرب ذلك بالطبع.
في عام 2003 قبل العرب خطة الطريق التي تعطي 43% من الضفة الغربية (وهكذا دفع الثمن الفلسطيني وحده الذي صدق أن أمته صادق نصوح بلا مزايدين). ترى ما كان مصير الجزائر وجنوب لبنان وأرتيريا لو تدخل أعراب العرب في قضاياهم كما تدخلوا وزايدوا في قضية فلسطين، وشاؤوا ذلك أيضا للعراق (لكن الله قدر غير ذلك)؟ والعرب لا ينسون الأعراب الا أنهم لا يتعلمون نبذهم. فكم من الجهل فيك يا أمة العرب؟
حين تسألهم في السياسة يقولون ان الأرض لها القداسة الأولى. أنقذ أحد الملوك الضفة والقدس المشرّفة من السقوط في ما وعد به بلفور، فأتهموه ونعتوه بأتعس النعوت. يوم خسر حفيده تلك الضفة وقدسها قالوا انه بطل، ووطني جريء. ثم أجتمعوا في الرباط وفكوا الأرتباط وعومو الضفة كأرض بلا تعريف أو مالك ليصادرها العدو ويتكرم منها بما يسمح حين يشاء. يوم خسر سيناء واحد من زعماء العرب قالوا عنه أفضل ما قيل رغم أنه قال (توقعناهم من الغرب فأتونا من الشرق، ناسيا انه ضابط كبير وأن الحرب خدعة). يوم أسترجعها زعيم آخر نعتوه بأشد نعوت التخوين. ويوم حفظ العراق رئيس وزراء له (لم يكن حرامي ولا يعطي الحرامية) وألحق به الموصل من تركيا والشط من أيران نعتوه بأسوأ النعوت. يوم فرط "رئيس" آخر (حرامي ومعشوق للحرامية) بالشط والحدود وحتى السماء والأنسان قالوا عنه بطل للتحرير وخرجوا في العواصم له هاتفين. فكم من البلاهة فينا يا أمة العرب؟&
في حرب 1967 وعدوا السمك ان يجوع وما قاتلوا يومها الا خمسة ساعات (وليست خمسة أيام كما بدا) ولم تكن حربا بالمعنى بل تسليم أرض ومجزرة أنسان. وكانت بلا تخطيط أو أستراتيجية (حتى لعموميات في الأقل)& ذهبوا اليها فكان منها ما كان كأسوأ جريمة أرتكبت بحق العرب والأنسان، ضاعت فيها كل فلسطين وأصبحت أسرائيل حقيقة. ومع ذلك أنشدوا لها الأناشيد وأوجدوا لها الأعذار ولم يحترموا فيها الأنسان الذي قاتل وتعذب وغدر به.& في حرب 1973 كان التخطيط والعلم والتفكير والحساب لتفاصيل عديدة. وكانت بحق الحرب اليتيمة التي قاتل فيها العرب كأمة تستحق التقدير والأحترام. ومع ذلك سموها بأسماء ساخرة، أقلها انها حرب تحريك لا تحرير وتقولوا عنها ما لا تستحق. فكم من التحريك فيهم& يا أمة العرب؟
في أعوام الحيرة والضياع والبطالة قال موسوليني للأيطالين، "من أجل الوطن سوف أفكر بدلا عنكم"& فكانت الفاشية.& تلقف الفكرة متكسبي التسيس من& شباب مقاهي العرب وفهم ذلك أعداءهم الفخ الذي اليه سائرون، فولد "المأدلجون" الأعراب، تحالف غير طاهر بين عسكريون وفهليون (عبيد للأجانب ولكن على أبناء جلدتهم أسود)، أستمتع أحتكار السلطة والتلاعب بالثروات. على أيديهم أدمنا الأنتصارات بالهزائم وتوسع الأحتلالات.&
في تحليلاتة الجدلية (عن االروح والعقل والغريزة) يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي في تعليقه (عن تعلق العرب بالتخلف ورفضهم التقدم والتطور) ان العرب أنطلقوا مع أنبثاق الرسالة الأسلامية العظيمة بجدلية الروح فأنطلقوا صاعدين مضيئين كاسرين أقوى أمبراطوريتين في ذلك الزمن (البعيد عنهم اليوم في المعنى والروح). في حرب صفين أنكسرت جدلية الروح تلك بعد ان أستبعدت الطهارة والترفع عن أساليب الكيد في صراعات لم ينتصر فيها جانب العدل والروح والتطهر. ومشى العرب قادة للدولة الاسلامية بجدلية العقل. فكانوا كالطائرة التي نهضت لتنطلق نحو السحاب بطاقة عظيمة (جدلية الروح) يحتاجون بعد صفين الى قليل من الطاقة التي جهزها العقل لتبقى تمخر فوق السحاب خصوصا مع غياب التحدي الكاسر القوي. في سقوط بغداد وضياع قرطبة هوت الطائرة& هابطة نحو الأرض. فكان كما يقول أبتداء لجدلية الغريزة التي ما زالت تحكمهم. أن عدم رجوع العرب الى جدلية العقل هربا من جدلية الغريزة (في شره المكاسب ورخص المقاصد) لن يجعل مسارهم يستوى بعيدا عن الهبوط تطلعا وعودة الى جدلية الروح نحو المجد والتقدم. مع العلم ان العرب وطوال سنوات حداثتهم& (المشلولة) حاولوا القفز من الغريزة الى الروح في عبور مستحيل دونه العقل الذي لازالوا يخشون أو يتجنبون. فألى متى تستمر الحال هكذا يا أمة العرب؟
لقد علمنا التأريخ ان ما ينتصر هو الحب والحقيقة. قد يكون هناك طغاة وقتلة بدوا انهم في حين لا يغلبون لكن النهاية كانت دائما للحقيقة والحب. فذليلا جبانا هرب من بغداد ذلك المتوحش والدموي المتخلف الذي بدا في أعين السفلة من مريديه وفي قلوب الأنذال الذين شاكلوه في الروح وطابقوه الخلق والهوى فارسا لا يقهر. فما أقبح أؤلئك الزناة الأعراب يتامى السرقات والرشوة وندابي أيام الخزي والعار. أحذروهم يا عراقيين وأنبذوهم يا عرب فأنهم الأشد كفرا والاشد نفاق.
وآخر كنت ألتقيه في بلاده. كان معجبا بالعبث في العراق ورئيسه المقبور. يوما سألته وقد أمتد النقاش في الأختلاف، هل ترضى ان يكون رئيسا لبلادك؟ أجاب بلا تردد أو تفكر أو روية: العياذ بالله. وفهمت ان الشعوب لديه مقامات ومراتب فما يصح لشعب لا يصح لشعب آخر. يوما وجدته مسرورا، لزواج أبنته مهاجرا في الولايات المتحدة الأمريكية. قال ان بأمكانه الحصول على البطاقة الأمريكية الخضراء!&
يدعى تميمي وبيوض من شعب مضطهد مشرد مسلوب الوطن. شتم (بفؤية مقيتة) عرب العراق الأقحاح وآخرين طردوا سفارة أسرائيل وقدسوا العربية وتشرفوا بحرفها العربي وما زالوا يساندون فلسطين وأهلها ويجنون المتاعب لذلك (ولسان حاله تمجيدا لمن له حلف أستراتيجي مع أسرائيل وأحتقر العربية ولبس جزمة في خدمة الأستعمار).& كما شتم العراقيين من الذين أقيمت لهم المقابر من أجل فلسطين ( ولسان حاله تمجيدا للذين فتحوا السفارات وأحترموا الشيكل وسياحه وأقتصاده). شتم العراقيين داعيا لقتلهم وقبرهم وتشريدهم وتهجيرهم خصوصا اؤلئك الذين يختلفون معه في المذهب والعرق ناسيا ان العراقيين يؤمنون بأن الدين لله وأن الوطن للجميع وأن أمثاله من دعاة التمييز العرقي والتفريق الطائفي قد جنوا على فلسطين وأهل فلسطين. فمتى نلفظ الأوغاد يا أمة العرب؟
يملك مكتبة للقرطاسية في عاصمة عربية تجاور فلسطين. عرفته محبا للعبث في العراق ومستفيدا "قومجيا".& سألته يوما مستهجنا لماذا يعرض مجلة "الف باء" التي تروج للقاتل صدام، أجاب مندفعا: أتني بمن يطلق صاروخا واحدا آخر على أسرائيل (وكان يعني صواريخ الأسمنت الصماء الدعائية التي أطلقت على أسرائيل وقتلت بضع أشخاص وربحت منها أسرائيل المليارات). أخبرته ان صدام قد قتل وعوق نحو مليون منا دون فلسطين قال لايهم (أنه قصف أسرائيل). أخبرته ان السفلة من آل المجيد نهبوا البلاد وأستعبدوا العباد قال لايهم (أنه قصف أسرائيل). أخبرته ان صدام وأتباعه قد شردوا نحو أربعة ملايين منا والباقين مرتهن للقهر والجوع والأفقار قال لا يهم (أنه قصف أسرائيل).& أخبرته ان العراق تجزأ في ظله قال لا يهم (أنه قصف أسرائيل). وكظمت ألمي في داخلي من "قومجي" ينتظر من القتلة& وقف القتل والنهابين وقف النهب وصانعي التهجير والتشريد والأفقار وقف التهجير والتشريد والأفقار.
ومرت نحو أكثر من سنة. وأعدم نظام صدام أربعة (أربعة فقط) من مواطني ذلك الشخص في حملة سيئة في الأثر والتأريخ بموجب أوامر من أبن الطاغية المقبور والتي عرفت بحملة تنظيف السجون أعدم فيها الآلاف. وخرج ملك البلاد تلك في التلفزيون غاضبا، مناديا ان دم أبن بلاده ليس رخيصا. ونشرت صحافة ذلك البلد آنذاك الغسيل الوسخ الذي نعرفه ويعرفوه عن سيرة نظام ذلك الطاغية المقبور. وهاج الشارع العام وتألم لفقدان الأبناء (الأربعة) الذين ما كانوا يستحقون الأعدام عن جرائم سرقة وتهريب. وتعمدت زيارته في مكتبته وسألته عن رأيه بما حصل ورد غاضبا، ان ذلك لا يجوز. أجبته (ولكنه قصف أسرائيل). رد صارخا أتسخر من عقلي يا دكتور، أو يحق لمن يقصف أسرائيل ان يفعل ذلك؟. وكان واضحا انه نسى ما تحدثنا عنه قبل أكثر من سنة وما آلمني حينذاك، وربما اني جهلت ان الشعوب لديه أيضا مقامات ومراتب. وتساءلت مع نفسي عن قيمة العروبة وآصرة الدم التي بها أعتقدت. وتمنيت ان تلك الأمة لم تخلق وفيها كل ذلك النفاق.&
ونتذكر الآن نقابة المحامين في ذلك البلد الجار وأتخيل كم فيها من المنافقين والكذابين وهي تقول بالفم الملئان (وبكل الصلافة) انها ستشكل وفدا للدفاع عن صدام حسين المذنب بتشريد وقتل وقبر وسرقة وتجويع وتعذيب ملايين العراقيين. ونتذكر كذلك مواطنيهم من الأحزاب ال 13 الذين أصدروا بيانا عن شرعية وحق صدام في حكم العراق طوال كل سنوات القهر والموت التي سببها للعراقيين (وكأن العراقيين قد أنتخبوه أوأختاروه). فأي محامين هؤلاء لا يملكون حتى الخجل من الأنسانية؟ أنهم يقولون لنا ان قضيتهم (قضيتهم فقط) مقدسة، ويجب ان تجوعوا وتشردوا وتهّجروا وتموتوا يا عراقيين فداء لكل فرد منا. ونتذكر غضبهم يوم مقتل الأربعة وسكوتهم بعد أستلام الرشاوي المسروقة من جوع العراقيين الذي ودوا لو يطول. أبعد هذا الدجل، دجل يا أمة العرب؟
في بلد ثان شقيق ساعد على تحرير العراقيين أخيرا، كان هناك شاعرة سعيدة صبوحة يشار لها بالبنان كتبت في صدام أجمل قصائد الغزل وأحبته فارسا للعرب يحارب بالعراقيين ويقتل الآخرين. شجاعا باسلا مقداما وبطلا قوميا للتحرير، وعلقت في بيتها صورة له كبيرة بفخر. وكانت كما كان رئيس تحرير (جارلله) من بلادها أشتهر بحبه وعشقه للقائد الملهم الهمام أيام كان يقاتل بالعراقيين ويرمي من كان يعصي منهم بالأسلحة الكيمياوية والمقابر الجماعية. وكانا معا وآخرين مكافحين للعروبة وبطل تحريرها صانع الأنتصارات والملاحم (!). لكن كل ذلك تغير يوم سال قليل الدم في بلادهم ويوم جاء الفارس المغوار (الغادر) ليطعهمهم ما تغزلوا للأخرين فيه. وكفروا به بعد طول حب وغزل. وتتمنى أنسانيتك ان أمة العرب لم تخلق وفيها كل ذلك النفاق.
من ضحايا النكبة والتشريد وظلم اليهود ألتقيته. كان قادما من أستراليا بعد هجرته اليها مع زوجته وطفليه. بعد عدة أحاديث متفرقة وصولا الى القضية، قال أنه لا يحترم قائد الثورة بعد أن نكث بوعده يوم قال أنه تزوج الثورة، فكيف يتزوج اليوم ليأخذ بضع سنوات من الحياة (التي ما أضاع صاحبنا واحدة منها)؟ وتسألت عن قيمة الأخلاق فينا. مهاجر الى البحوحة والراحة وهاربا عن كل أمة المتاعب. يأتي مصطافا ليكفر من يشاء ويلعن من يشاء. ترى لو فعل الجميع فعلته، هل كان هناك من ُيلعن؟& (للعلم ان قائد الثورة تلك كان الرئيس العربي الوحيد الذي أبدى الحزن والأسف برقيا لمحاولة بعض الشرفاء الأبطال قتل الفاسق والبوهيمي عدي صدام حسين وأيقاف جرائمة. فالشعوب لديه أيضا مقامات ومراتب أو ان الثورة فوق الأخوة والأنسانية والضمير!).
في المنتدى الفكر العربي الأخير ببيروت حضر مثقف كردي من العراق. طالب المثقفين العرب ان يتكلموا في المقابر الجماعية لنظام القتل والقهر والأغتصاب والعهر والظلام. طردوه شر طرده أؤلئك "المثقفون العرب" من منتداهم "الفكري". لقد سودوا الوجوه في فعلتهم، ومن يعرفهم لا يعتب. فهل هؤلاء مثقفين يا أمة العرب؟
يوم تم القبض على صدام. مساء ذلك اليوم المشهود والرائع (الذي لا يضاهية الا يوم سقوط الصنم وصفعات نعال أبو تحسين لمرحلة من مزبلة الحياة أتت والى مزابل التأريخ ولت) تناقلت أجهزة الهاتف المحمول البشرى بين العراقيين. تجمعوا زرافات وجماعات أينما ما تواجدوا وأحتفلوا حتى الصباح. العجيب أن بعض العرب حزنوا لذلك. بعضهم قال لقد خدروه ونسوا انه يوم لبس ملابس الحرب فأن واجبه ان يقاتل ويموت لا أن يهرب جبانا ليستسلم ذليلا تاركا لمطاياه ويتاماه أيجاد المبرر وأختلاق العذر. فأي أخوة أؤلئك الذين يحزنون لفرح أخوتهم ويفرحون لحزنهم؟& ملاحظة: كان صدام يقطع أذن من يغيب يوما، ويقتل من يهرب، ويعاقب قريب من يستسلم. وقد غاب وهرب وأستسلم. فيا لبؤس ووحشة يتاماه النادبين والمرتشين.
في العشرينات من القرن الماضي، أقترح أحد الملوك (أدرك ضعف قومه وقوة دهاء عدوهم) حكما ذاتيا لليهود في فلسطين. أتهمه قوم ذلك الزمان بالخيانة. في ثلاثيات ذلك القرن أيضا عرضت سلطات الأنتداب ثمانين بالمائة& للعرب، رفضها حينذاك عبدالقادر الحسيني جهلا أو خوفا من أخوة ذلك الزمان. في عام 1947 رفض العرب ما عرضته الأمم المتحدة لهم من ثلثي أراضي فلسطين. ورفض العرب ذلك. في عام 1967 وبعد هزيمة العرب في الحرب عرض اليهود على عبدالناصر العودة الى الحدود مقابل الأعتراف الذي طلبوه، ورفض العرب. في عام 2000 عرض كلينتون في خطته 97%& من أراض الضفة الغربية، ورفض العرب ذلك بالطبع.
في عام 2003 قبل العرب خطة الطريق التي تعطي 43% من الضفة الغربية (وهكذا دفع الثمن الفلسطيني وحده الذي صدق أن أمته صادق نصوح بلا مزايدين). ترى ما كان مصير الجزائر وجنوب لبنان وأرتيريا لو تدخل أعراب العرب في قضاياهم كما تدخلوا وزايدوا في قضية فلسطين، وشاؤوا ذلك أيضا للعراق (لكن الله قدر غير ذلك)؟ والعرب لا ينسون الأعراب الا أنهم لا يتعلمون نبذهم. فكم من الجهل فيك يا أمة العرب؟
حين تسألهم في السياسة يقولون ان الأرض لها القداسة الأولى. أنقذ أحد الملوك الضفة والقدس المشرّفة من السقوط في ما وعد به بلفور، فأتهموه ونعتوه بأتعس النعوت. يوم خسر حفيده تلك الضفة وقدسها قالوا انه بطل، ووطني جريء. ثم أجتمعوا في الرباط وفكوا الأرتباط وعومو الضفة كأرض بلا تعريف أو مالك ليصادرها العدو ويتكرم منها بما يسمح حين يشاء. يوم خسر سيناء واحد من زعماء العرب قالوا عنه أفضل ما قيل رغم أنه قال (توقعناهم من الغرب فأتونا من الشرق، ناسيا انه ضابط كبير وأن الحرب خدعة). يوم أسترجعها زعيم آخر نعتوه بأشد نعوت التخوين. ويوم حفظ العراق رئيس وزراء له (لم يكن حرامي ولا يعطي الحرامية) وألحق به الموصل من تركيا والشط من أيران نعتوه بأسوأ النعوت. يوم فرط "رئيس" آخر (حرامي ومعشوق للحرامية) بالشط والحدود وحتى السماء والأنسان قالوا عنه بطل للتحرير وخرجوا في العواصم له هاتفين. فكم من البلاهة فينا يا أمة العرب؟&
في حرب 1967 وعدوا السمك ان يجوع وما قاتلوا يومها الا خمسة ساعات (وليست خمسة أيام كما بدا) ولم تكن حربا بالمعنى بل تسليم أرض ومجزرة أنسان. وكانت بلا تخطيط أو أستراتيجية (حتى لعموميات في الأقل)& ذهبوا اليها فكان منها ما كان كأسوأ جريمة أرتكبت بحق العرب والأنسان، ضاعت فيها كل فلسطين وأصبحت أسرائيل حقيقة. ومع ذلك أنشدوا لها الأناشيد وأوجدوا لها الأعذار ولم يحترموا فيها الأنسان الذي قاتل وتعذب وغدر به.& في حرب 1973 كان التخطيط والعلم والتفكير والحساب لتفاصيل عديدة. وكانت بحق الحرب اليتيمة التي قاتل فيها العرب كأمة تستحق التقدير والأحترام. ومع ذلك سموها بأسماء ساخرة، أقلها انها حرب تحريك لا تحرير وتقولوا عنها ما لا تستحق. فكم من التحريك فيهم& يا أمة العرب؟
في أعوام الحيرة والضياع والبطالة قال موسوليني للأيطالين، "من أجل الوطن سوف أفكر بدلا عنكم"& فكانت الفاشية.& تلقف الفكرة متكسبي التسيس من& شباب مقاهي العرب وفهم ذلك أعداءهم الفخ الذي اليه سائرون، فولد "المأدلجون" الأعراب، تحالف غير طاهر بين عسكريون وفهليون (عبيد للأجانب ولكن على أبناء جلدتهم أسود)، أستمتع أحتكار السلطة والتلاعب بالثروات. على أيديهم أدمنا الأنتصارات بالهزائم وتوسع الأحتلالات.&
في تحليلاتة الجدلية (عن االروح والعقل والغريزة) يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي في تعليقه (عن تعلق العرب بالتخلف ورفضهم التقدم والتطور) ان العرب أنطلقوا مع أنبثاق الرسالة الأسلامية العظيمة بجدلية الروح فأنطلقوا صاعدين مضيئين كاسرين أقوى أمبراطوريتين في ذلك الزمن (البعيد عنهم اليوم في المعنى والروح). في حرب صفين أنكسرت جدلية الروح تلك بعد ان أستبعدت الطهارة والترفع عن أساليب الكيد في صراعات لم ينتصر فيها جانب العدل والروح والتطهر. ومشى العرب قادة للدولة الاسلامية بجدلية العقل. فكانوا كالطائرة التي نهضت لتنطلق نحو السحاب بطاقة عظيمة (جدلية الروح) يحتاجون بعد صفين الى قليل من الطاقة التي جهزها العقل لتبقى تمخر فوق السحاب خصوصا مع غياب التحدي الكاسر القوي. في سقوط بغداد وضياع قرطبة هوت الطائرة& هابطة نحو الأرض. فكان كما يقول أبتداء لجدلية الغريزة التي ما زالت تحكمهم. أن عدم رجوع العرب الى جدلية العقل هربا من جدلية الغريزة (في شره المكاسب ورخص المقاصد) لن يجعل مسارهم يستوى بعيدا عن الهبوط تطلعا وعودة الى جدلية الروح نحو المجد والتقدم. مع العلم ان العرب وطوال سنوات حداثتهم& (المشلولة) حاولوا القفز من الغريزة الى الروح في عبور مستحيل دونه العقل الذي لازالوا يخشون أو يتجنبون. فألى متى تستمر الحال هكذا يا أمة العرب؟
لقد علمنا التأريخ ان ما ينتصر هو الحب والحقيقة. قد يكون هناك طغاة وقتلة بدوا انهم في حين لا يغلبون لكن النهاية كانت دائما للحقيقة والحب. فذليلا جبانا هرب من بغداد ذلك المتوحش والدموي المتخلف الذي بدا في أعين السفلة من مريديه وفي قلوب الأنذال الذين شاكلوه في الروح وطابقوه الخلق والهوى فارسا لا يقهر. فما أقبح أؤلئك الزناة الأعراب يتامى السرقات والرشوة وندابي أيام الخزي والعار. أحذروهم يا عراقيين وأنبذوهم يا عرب فأنهم الأشد كفرا والاشد نفاق.
التعليقات