داود الحسيني
&
&
&
&
الكابوس 15
في رفحاء الرمل والعيون الغائرة ورتابة الحياة و التجلّي..
جلستَ في ليلة مقمرة تراقب الأسلاك الشائكة وحركات الجنود الذين جاؤوا لحمايتك.. وأرهقك تعجب مرير لماذا يصوّبون مدافع دباباتهم نحو خيام المعسكر.. كنت َحزينا وفي يدك مِسبحة.
أنفصلتُ عنك.. روحي لا تطيق الصمت أيها الجسد الممزق الساخن.. والمقطوع عن الدنيا وزهو الأشياء والخضرة قلتُ لها يجب عليكِ أن تحترمي صمته.. فللصمت رهبة لا يفك طلاسمها غير عمر الخيام في صوَره اللاهوتية المبعوجة بمحماس التقرب والشك.. سقط على رأسي شبح البكاء وبللني رماد الثلج حلمت بأن كلابا تطاردني وتريد استباحتي فقررت أن أكون البادئ أمسكتُ قدم كبيرهم كان أسوداً مثل ليل فجيعتي ولون حظي فصحوت على صراخ ولدي النائم بجانبي وأنا أعضُّ يده بما أوتيت من قوة.. وعدت أحسب خيبات عمري ونحس طالعه.. قلتُ: أنت فارس تحتاج الى سيف يماني وأنا خنجر مكسور علاه صدأ السنين القاتمة.. سأفاتح ضياء حياتي وحياتك أن يصنع ذلك السيف.. ولكن غيرتي وعشقي المبحوح حمامة زاجلة لا تريد أن تموت أو يقفل عليها صندوق التحف القديمة.. نهرني وأمرني أن أشعل تحت الخنجر حطب الحسرات وأسحبه.. أمطـّه أباعد بين أفخاذه أمارس معه عادات القهر ليصبح سيفا يبتر الشجن وأعناق المصائب أقدِّمه الى فارسي عندما برد السيف الممسوخ ركض َعلى رجل واحدة وأخذ يسخرُ من عرجتي.. قهقهاته جلبت انتباه الشقاء وأطفال الملل.. وحين عزمتُ عليه بعزائم الغرام تحوّل الى امرأة ماكرة يحاصرها شبقٌ صائل.. مسـَّدَتْ ضفائر بَوْحِي وسافدتْ بكائي..أمرأة الخنجر مسترجلة.. بيضاء لكنها تملك رخاوة الموت.. الغرفة يحتشد فيها قمل النوح ويرفس ستائرها الدمع.. وتغني بين جوانحها مغنيّة الوداع.. قطعَ وحدتي غول التذكر.. له طعم الشفاه المكتنزة ورائحة الشتاء.. خنقني..في العناق تتلعثم المودة وتسطو على أزرارها أصابع الحلم..أين خنجري ، سيفي؟ صرختْ بين يديَّ نبوءة الحلاج.. أنا هو!.. أيقظتني الكلاب النابحة في بحيرة الثلج وهي تسحب أعوامي على رأسها عيون حمراء ومناقير خضر.. كانت راهبة ومتبتلة لا تعشق الوجد ومصاهرة الجسد المكبـَّل.. كومة لحم في أسفلها ثقب وعليها ملامح مشوّهة أعتبرك البعض كائنا حيّا والحقيقة أنك بالون منفوخ حد المكيدة
وميـِّـت من زمن الجثث المتحركة تصلح لتلقـِّي اللكمات.. القدر يتدرب عليك منذ يوم خروجك.. الكيس المملوء حشرجات زلِقاَ وخائر المسامات.. حامل فوانيس الأعياد مرّ على عمرك أخرج لهاته ليجمع فيها كُرات رجمك.. السفينة بعيدة ومساميرها حارّة وهاربة وتنـُّور ذكرياتك يفور.. في الغرفة شمع المعايدة تصفعه ريح الصدمة وبلادَة الوهج يعاقرها لسان المواويل وجلستك مائلة قامتك تميل.. سفينة وأعاصير.. كتبوا عليك أن تكون.. مَن هُم؟.. سكـّان الولائم.. الخنجر مسنون له حدّان أخترق أحدهما ظهر وجودك وغاب الآخر بين الجموع الصاخبة. الكلاب تأكل السكون.. عكـّازك شاهد عيانك..
وطوفان الوجوم يغتال حيلتك.. ركبك َحلم آخر لن تصحو منه.. والمغنيـّة بدأت بالنواح.. أفقتُ من مجامر الخيال تذكرتُ أبتسامتك المبتلاة باليتم.. قلتَ لي توحّد معي لا مجال للهروب..أُسقـِط في يدي..كانت حركات وجهك تمطر وجداَ حبيساً..ألقيتُ بنفسي عليكَ وأخذنا نعاسٌ الى نهاية الوصل.