معد الشمري
&
&

لكي لا تتحول الأشياء إلى مقدسات ونقدها إلى كفر...
ظلت الحوزة العلمية " التقليدية " في النجف الأشرف، وأقول التقليدية لأن هنالك حوزة ميدانية أرتبطت
&مباشرة بالشارع الشيعي، تحمل هموم المواطنين، و تنصهر وأياهم في قالب واحد، بعيدا" عن التعالي
و الغرور والشعور بالعظمة، ونكران الآخر لأعتبارات أجترها الفقهاء من السلف الصالح، عندما كان العالم الرباني يعيش في ثكنته بعيدا" عن الهم اليومي للمقلد من أبناء العامة ؛ عرفت تلك الحوزة الميدانية
بـ" الحوزة الناطقة "، وكان من أشهر رجالاتها ( محمد باقر الصدر، محمد محمد صادق الصدر، و مقتدى الصدر حاليا" ).
و مما كان يؤخذ على المرجع الشيعي الأول في العالم الأسلامي السيد علي الحسيني السيستاني، أنه كان يعيش في عزلة تامة بعيدا" عن مقلديه ولا يلتقي بهم أو يتكلم معهم الا ماندر، وقد يكون في بعض الحالات من وراء حجاب!، و لا أدري حقا" هل هي الظروف التي كانت تمنع الرجل من لقاء الناس خاصة مقلديه؟!، أم أنه الحجز الأجباري الذي فرضه الطاغية صدام على المرجع الكبير السيد السيستاني؟! ؛ لنترك الخوض في أسباب تلك العزلة، أجبارية كانت أم اختيارية، ولندخل في صلب الموضوع الذي أردنا أن نبين ونوضح من خلاله للقارئ الكريم ما يلي من الحقائق:
أولا": نعم، لقد كان لـ " الحوزة الناطقة " صوتا" مسموعا" في أيام حكم الطاغية صدام، على العكس من حوزة السيد السيستاني التي كان الصمت يخيم على ( برانياتها ) المغلقة أصلا"، ولكن ما الذي فعلته الحوزة الناطقة للعراقيين بكل أديانهم وطوائفهم ومللهم ونحلهم؟!، وهل أستطاعت الأطاحة بالنظام الصدامي المجرم لتحقيق الشعار الأوحد الذي رفعته في تلك الفترة؟!.
ثانيا": لم يكن هنالك مشروع سياسي واضح المعالم، أو برنامج وخطة عمل لـ " الحوزة الناطقة "، غير أنها كانت تدعو لتغير النظام الصدامي المجرم ضمن مشروع تغييري قديم الأفكار و الرؤى، كان كل عراقي يدعو اليه وعلى طريقته الخاصة!.
ثالثا": خلو الخطاب السياسي من المفردات الخطابية الواضحة التي لا لبس فيها، تلكم المفردات السياسية الصريحة التي تهاجم رأس النظام وتنال منه لأثارة وتأليب الرأي العام عليه ؛ فقد كان الشهيد الصدر الثاني
محمد محمد صادق الصدر ( رحمة الله عليه ) يلقب صدام بـ( الأستعمار )، ولم يكن أغلب العراقيين البسطاء يدركون هذا المعنى والى من يشير! فكان أغلبهم يذهب بعيدا" ويتصور أن السيد يقصد الغرب،
أو دوله الاستعمارية على وجه التحديد.
رابعا": النجاح الذي كان يبدو أن المرجعية الناطقة قد حققته و المتمثل في ربط المواطن العراقي المسلم ( الشيعي والسني ) بمصير واحد، قابله فشل ذريع في حماية المرجعية من قبل الطرف الثاني السني والدفاع عنها عندما كانت تتعرض للهزات القوية من قبل النظام، وهذا دليل على أن الطرف الآخر لم يكن حقيقة " يسعى للتغير بل على العكس تماما"، كانوا فرحين بما لديهم (( كل حزب بما لديهم فرحون.. ))، وهذا دليل على أن الخطاب الذي كان يوجه الى كافة العراقيين من قبل السيد الشهيد الصدر الثاني، وبالرغم مما كان يبدو عليه الأمر، أن ذلك الخطاب كان قد حقق صدى كبير في الشارع العراقي، واستجابة كبيرة من قبل شرائح المجتمع كافة على مختلف مشاربها، الا أنه في حقيقة الأمر كان غير قادر على أن يصل الى فئات و طبقات بعينها - وهي كثيرة ليؤثر فيها التأثير المناسب، وهذه نقطة تحسب على الحوزة الناطقة.
خامسا": أن الأموال التي تتكدس يوميا" في غرف ومكاتب المراجع، فيها ما يكفي لأعادة أعمار مدن الجنوب العراقي، بل و مدن أخرى، ولكن ما الذي حدث ويحدث يوميا"؟، ناهيك عن النزاعات التي تجري بين المراجع و الأقتتال فيما بينهم حول أحقية كل منهم بتلك الأموال المكدسة، فان جل تلك الأموال تنفق على ذوي القربى وما تبقى منها فيرسل إلى دول أخرى لتنفق على فقراءها!! وكأن العراق ليس فيه فقراء ولا هم يحزنون!!، و بحوزتي الكثير من الأدلة التي تثبت علاقة صهر و وكيل مرجع عراقي ينفق أموال المراقد المقدسة و أموال الزكاة و الخمس في مشاريع شخصية و في دولة خليجية!!!.
&
أذن مما تقدم يتبين أن لا المرجعية الناطقة ولا الصامتة، كانت تلامس حقيقة ما يريده ويسعى الى تحقيقه
المواطن العراقي البسيط، ولهذا نجد أن الترحيب الشعبي بالقوات الأميركية عندما دخلت العراق لكي تحرر
&شعبه من دكتاتورية صدام وعفلقياته، كان ترحيب منقطع النظير عكس حاجة الشعب العراقي الى قوة حقيقية قادرة على ملامسة الوجع العراقي الذي كان يعشعش في النفس العراقية المنكوبة، تلك النفس التي شبعت، بل وطفح كيلها من لعبة ترديد الشعارات الديناصورية والأفكار الميتافيزيقية.