د. إسماعيل نوري الربيعي
&
&

اختلط الحابل بالنابل، هذا توصيف شديد القرب حول مايحدث لهذا العالم، والذي غدا كالوحش الذي عمد الى تصنيعه فرنكشتاين في مختبره، حتى كان وبالا عليه.ومن هذا الوبال الذي يهيمن على العالم ويجعل منه في أشد حالات البؤس والقتامة والكآبة، يكون السؤال حول نقطة البدء، التي يمكن الاهتداء أو الاسترشاد بها من الوقوف على البعض من ملمح للفهم، هذا الأخير الذي تم تغييبه في دهاليز التداخل والتخفي والتآمر ، وحفز الشر الداخلي إن كان على مستوى الحكومات والأنظمة، أم المجتمعات والأفراد.
&
المنفعة والمصلحة
من أين يمكن الوقوف على بدايات التفاصيل المتعلقة بمسألة الإرهاب التي باتت قضية الأجهزة المخابراتية للعالم طرا، من دون استثاء، من أيام شهر العسل الأميركي مع المجاهدين الأفغان، عندما كانوا يقارعون الغازي السوفيتي، حتى كانت المزيد من وسائل الإعلام الأميركي الرسمي والخاص ، تعمد للإحتفاء بهذا النموذج، والذي كان يقدم بوصفه نموذجا للبطولة الصادقة والسامية، فيما لم يتوان العديد من المسؤولين المخابراتيين الأميركان من إرتداء الزي الأفغاني التقليدي، وتوسيع مجال الابتسامة عندما يجتمعون الى القيادات المجاهدة.
في تلك الأيام كانت أحكام الضرورة هي السائدة، باعتبار الاستناد الى المصالح، حيث الرأسمال الأصيل والنهائي الذي تتمثله الثقافة الغربية، في طريقة تعاملها مع الواقع، من دون السقوط في دوامة المثاليات واخضوع للإعتبارات الرمزية التي لايمكن الوقوف على معناها المباشر في التفاعل المادي.في تلك الأيام لم تظهر بعد مقولات فوكو ياما حول نهاية التاريخ، ولم تبرز بعد تنظيرات هنتنغتون في مسألة صدام الحضارات. لكن مسألة التوقيت تبقى حاضرة بطريقة استثنائية، لا سيما فيما يتعلق بالسقوط الدراماتيكي للإمبراطورية السوفياتية التي تهاوت مثل جبل من الرمال، وسط ذهول العالم الذي بقي غير مصدق لما يحدث، حتى كانت الصدمة التي جاءت على يد التابع الأصغر، والمتمثل بالنظام الشمولي في العراق وعلى طريقة ((وداوها بالتي كانت هي الداء))، ليتم تحويل أنظار العالم، من الحدث المركزي الى الحدث الفرعي الذي تم توظيبه بإتقان هوليودي.بعد أن قام بغزو الكويت، في تحرك لايمكن إخضاعه لمنطق العلم السياسي.بالمقابل نجد أن حالة الظهور للقوى الأصولية تظهر فجأة ، ممثلة بحركة طالبان والتي قيض لها مسح مجمل القوى السياسية الأفغانية من السياسية، بطريقة الصدمة والدهشة والذهول.حيث حالة التطابق والتشابه الملفت في الأسلوب، بين التصعيد في الشرق الأوسط وقدوم القوات الأميركية ، من أجل إعادة الحق الى نصابه، لتكون المنافحة والمدافعة عن الشرعية الدولية، أو إغماض العين& عن توسع نفوذ القوى الظلامية في أفغانستان.
&
التوتر سمة العالم
في خضم التصاعد والتوتر الذي بقيت ملامحه تطغى على كل شيء ، جاء الحادث السبتمبري، ليطبق بأنفاسه على الواقع ويحيل العلاقات الدولية ، الى توجهات ورؤى جديدة لايمكن الوقوف على الثوابت فيها، فالتصدر بات لموضوع واحد ممثل بالإرهاب، فيما صار التوجه مترصدا لهذا الشرق الأوسط، والذي التصقت به قضية الصراع العربي الصهيوني على مدى أكثر من نصف قرن.لتتبدى القضية الأحدث والتي تم التفخيم لها لتطغى على الموضوع الفلسطيني، في لوثة من الفزع والخواف والتشنج. حتى بات من العصي الحديث عن أي موضوع من دون المرور بقضية الإرهاب والإرهابيين، والذين راحت تصورهم وسائل الإعلام وكأنهم يمثلون الإسلام كله!
وهكذا يبرز الجديد مقصيا القديم، في صورة تثير المزيد من الأسئلة الحيرى حول كل شيء وأي شيء، بدءا بحقوق الإنسان مرورا بالشرعية الدولية والديمقراطية والحرية والبيئة والعدالة الإجتماعية وأسس التربية والمناهج التعليمية وحقوق المرأة ، والعبادات وأسس التفكير والثقافة وقضايا الإصلاح الإجتماعي والإقتصادي، وطريقة مواجهة التحديات التي تترى في تصاعد محموم وتفاقم يثير الذعر والهياج.
&
بحثا عن الحلول
جاء الثمانية الكبار الى ولاية جورجيا الأميركية ، وهم يحملون في جعبتهم الكثير من القضايا والأفكار النتعلقة بهذا الموجه الإقليمي، والذي بات بمثابة مركز الإقلاق وإثارة المشاكل، وراحو يقدحون زناد الأفكار، من أجل الوصول الى حلول عملية تكفل الوقوف على طريق وضع الحلول، بحسب ما صرحوا به. حتى كانت النقاشات والمداولات الصاخبة والمباشرة، بين العديد من القوى التي تمتلك القدرة على التأثير وصنع القرار، تمثيلا شديد المباشرة لما تحمل هذه القوى من رؤى وتصورات حول الشرق الأوسط تحديدا.ولعل الأهم هنا يتعلق بطريقة التلقي والاستقبال الشرق أوسطي لهذه القمة، وعلى مختلف المستويات الشعبي منها والرسمي، وطبيعة ردود الأفعال الصادرة من قبل الهيئات والمؤسسات والأحزاب والنقابات والتجمعات السياسية والإجتماعية، حول التداولات والنقاشات والقرارات وبنود البيان الختامي للقمة.
تداول الكبار وتحاوروا وتناقشوا وقرروا، فماذا كانت ردود الفعل في المجال الشرق أوسطي، شجب هنا ترحيب هناك ولا أبالية من قبل الكثير من الأوساط، فيما تصدرت الموضوعات العديد من القضايا الأساسية والرئيسة، التي تهم المنطقة بدءا بنظام التسمية، (( الشرق الأوسط الكبير )) وما يمكن أن يحمله من معان وتصورات وإلتزامات، مرورا بقضايا وبنود من نوع؛ التحديات ، الإصلاح، الإقتصاد ، المجتمع المدني ، المؤسسات،السلام العالمي، الهوية الثقافية.ومن دون الوقوع في دوامة الإحتدام الذي اصطبغت به القمة، خصوصا وأن القوى الكبرى تحاول إثبات الحضور ومحاولة الإفلات من السيطرة الأميركية ، والتي باتت تبرز ملامحها على سدة الواقع الدولي، فإن الجانب الإنهائي والواقعي كان يشير في النهاية الى تصدر الرغبات الأميركية، حيث الإعلان المباشر الصريح والعلني، عن أهمية التمسك بقضية الإصلاح للمجمل من الثوابت والأسس التي تشكل عصب الحياة في تلك المنطقة، السياسي منها والإقتصادي والإجتماعي، من دون التغاضي عن أي جانب صغيرا كان أم كبير.
القراءة المتأنية في بنود البيان الختامي للقمة تفصح وبوضح عن اللغة الصارمة والتي تصل في بعض الأحيان الى اليقينية ، لا سيما فيما يتعلق بمفردات من نوع الإلتزام والتعاون، أو المسؤولية الخاصة والشراكة. فيما تبقى العديد من النقاط الغائمة خصوصا حول القضايا المتعلقة بهيئات ومؤسسات المجتمع المدني، والطريقة التي يمكن لها أن تؤدي الدور والوظيفة، في إطار سياسي شديد المحدودية قوامه اخضوع والهيمنة المطلقة للسلطة السياسية. وعلى هذا فإن الإشادة الصادرة حول اجتماعات الإسكندرية والبحر الميت وصنعاء والعقبة، تبقى غير واضحة وشديدة الغموض، خصوصا وأن طريقة التداول والتفاعل لهذه الإجتماعات بقيت تدور في الفلك النخبوي المحدود.
تورنتو
[email protected]
&