&
&لقد وضع سلوبودان ميلوسيفيتش نفسه على طريق النهاية عندما قرر مواجهة الحلف الاطلسي وتحدي المجتمع الدولي بكامله. صانع استراتيجية "صربيا الكبرى" خسر اولا الانتخابات الرئلسية ثم الغالبية النيابية وصولا
رجل الهزائم
الى خسارة حريته.
الشخص الذي حكم يوغوسلافيا 13 عاما سقط خلال سنة واحدة. عندما اعلن ميلوسفيتش في الصيف الماضي عن موعد الانتخابات الرئاسية، لم يكن يعلم ان ذلك سيكون اشارة البداية لمخطط سيقوده الى محكمة الجزاء الدولية ليواجه اتهامات بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
خلال عام واحد، عاشت صربيا مفاجآت متتالية. في الخريف الانتخابي توحدت قوى المعارضة خلف مرشح مجهول: فوسلاف كوستونيكا. التحرك الشعبي في ظل شعور بامكانية التغيير، ثم نجاح حركة العصيان المدني لطبقة العمال، وقرار الكنيسة الارثوذكسية بدعم المعارضة. وكل ذلك نقل حالة الخوف من الشعب الى السلطة وساد شعور ان التغيير حاصل لا محال، فجرى اقتحام مبنى البرلمان والتلفزيون الرسمي. وفي ضوء حركة الشارع المتسارعة اعلن الجيش انه سيلتزم ثكناته، فقرر الرئيس الفرار.
في هذه الليلة اعتقد الصرب ان الثورة الشعبية انتصرت على الرئيس، ولم يعلقوا كثير اهتمام الى المعلومات التي ذكرت ان ما حدث،& جرى التخطيط له بعناية من قبل زوران جانجيك وعناصر الشرطة والجيش بالتعاون مع قوى خارجية في مقدمها الولايات المتحدة. ولعب دور البطولة في هذه الاحداث فوسلاف كوستونيكا فجرى انتخابه رئيسا منقذا.
ولم تتوقف الفاجآت. ومهدت احداث ثلاثة لسقوط ميلوسيفيتش:
&في 23 كانون الاول (ديسمبر) ربحت المعارضة الديمقراطية في صربيا الانتخابات التشريعية مما فسح بالمجال لتشكيل حكومة جمهورية برئاسة جانجيك امسكت بمقدرات الحكم في البلاد.
وفي الاول من نيسان اعتقلت الشرطة الحكومية ميلوسيفيتش رغم معارضة الرئيس كوستونيكا والجيش. والنتيجة المعنوية لهذا الاعتقال ان أي مسؤول لم يعد بمنأى عن العقاب. واعقب اعتقال ميلوسيفيتش فرار عدد من المطلوبين للعدالة بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
والتاريخ الاهم كان في 28 حزيران (يونيو) 2001 مع تسليم ميلوسيفيتش، ودائما رغم معارضة كوستونيكا، الى محكمة الجزاء في لاهاي. ومن دون استباق قرار المحكمة بتبرئة او ادانة ميلوسيفيتش، الا ان ملف الرئيس اليوغوسلافي ، موثق جيدا الى درجة يصعب معها على الديكتاتور السابق ان يحلم بالخروج يوما ما من وراء قضبان السجن. انه يواجه عقوبة الاشغال الشاقة مدى الحياة.
وفي كل ما جرى له، فان ميلوسيفيتش لا يمكنه ان يلوم احد سوى نفسه. سقوطه الفعلي بدأ عندما قرر مواجهة حلف الاطلسي. عندما رفض اتفاق "رومبوييه" للتسوية في كوسوفو، قطع ميلوسيفيتش خطوط الاتصال مع المئات من ضباط الشرطة والجيش. وهؤلاء الضباط انفسهم كانوا وراء قرار الجيش بعدم الدفاع عن النظام خلال حركة 5 تشرين الاول(اكتوبر). اضافة الى ذلك ادرك الشعب اليوغوسلافي الذي لم يذق طعم الحرب منذ عشرات السنوات ان سياسة ميلوسيفيتش ستجلب له الدمار. اما القرار القاتل فكان تعديل الدستور وتقديم موعد الانتخابات الرئاسية. والحقيقة ان لا المعارضة ولا الغرب من نصب فخا لميلوسيفيتش. احد لم يجبره على خوض حرب في كوسوفو ولا على اجراء استفتاء رئاسي. الاستراتيجي الشهير هو من دفع بنفسه الى الهاوية.
وبالنسبة الى محكمة الجزاء الخاصة بيوغوسلافيا، فان قرار تشكيلها جاء نتيجة رفض الحكم الصربي لخطة السلام الخاصة بالبوسنة والهرسك. ففي دايتون بالولايات المتحدة اعلن ميلوسيفيتش رفض خطة سلام شاملة تنص على انشاء هذه المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في البلقان. وفي ذلك اليوم بالذات، وبعد عجزه عن فرض العفو العام عن الجرائم المرتكبة في البوسنة، كان خيار ميلوسيفيتش بالقيام برحلة في اتجاه واحد: بلغراد-لاهاي(مقر محكمة الجزاء).
وبالنظر الى تاريخه فان ميلوسيفيتش هو رجل كل الهزائم. عندما حارب من اجل "صربيا الكبرى" قلص حدود الدولة الصربية الى ادنى حد خلال تاريخها. وعندما تلاعب بالدستور والقوانين للبقاء في السلطة الى الابد، وقع بيده على قرار استقالته من رئاسة البلاد. وعندما اراد ان يجعل من "الشعب الالهي" نواة المقاومة الاولى للنظام الدولي الجديد، افسح بالمجال لمحاكمة اول رئيس دولة في التاريخ امام محكمة دولية.
والمفارقة ان الرجل الذي الهب الملايين حماسة ووطنية عندما تسلم الحكم قبل 12 عاما، لم يتمكن من جمع اكثر من بضعة الاف قصدوا ساحة بلغراد احتجاجا. لكنهم في النهاية اناس من دون هدف واضح وهم غير مستعدين لاعلان الحرب على العالم اجمع.
(عن جريدة "لوموند" الفرنسية)