&
القاهرة : د. نبيل شرف الدين: أعاد إلقاء القبض على عدد من قادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ أيام أجواء الاحتقان مجدداً لتخيم على العلاقة بين السلطات المصرية، والجماعة الأصولية الأكبر والأقدم في العالم العربي، ليشكل فصلاً جديداً من الصدام التاريخي بين السلطة والجماعة المحظورة قانوناً منذ عام 1954، ليتضح أنها تتراوح بين ثلاثة أساليب هي: الاحتواء أو الاستبعاد وأخيراً التحالف غير المعلن في ظروف تاريخية معينة، وذلك كما يذهب معظم المراقبين للشأن الداخلي مصر مؤكدين أن الحكومة المصرية تتبع خطين متوازيين إزاء التعامل مع هذه القضية، فهي تطبق سياسة تجفيف المنابع التي يمكن أن تغذي كوادر الجماعة من الجيلين الثاني والثالث، ومن جهة أخرى كانت تترك القيادات التاريخية تعمل بحرية سواء تحت مظلة حزب العمل المصري ذي الاتجاه الإسلامي قبل تجميد أنشطته وإيقاف صحيفته، أو الكتابة في صحف أحزاب المعارضة والتنسيق معها، لكنها من جهة أخرى تتخذ إجراءات إجهاضية مكثفة ضد أي تحرك من الأجيال الجديدة، الأمر الذي يدفع في اتجاه خلق "فجوة جيلية" في صفوف القيادات التاريخية فوق سن الستين لتضع بذلك نهاية عملية للوجود الاخواني على الساحة السياسية دون التورط في معارك سياسية أو مواجهات أمنية، غالباً ما تكون لها نتائجها غير الإيجابية بالنسبة للسلطة، فضلاً عما يترتب على هذه المعركة من فواتير باهظة الكلفة .
ويثير إلقاء القبض على هذه المجموعة الإخوانية في القضية الأخيرة مخاوف إحالتهم إلى القضاء العسكري، وتواصل نيابة أمن الدولة اليوم التحقيقات، حيث تستمع إلي أقوال محمد خيرت الشاطر ومتهمين آخرين، بعد نفيهم في جلسة تحقيق سابقة ارتكابهم ما يخالف القانون، وذكروا أنهم كانوا في منزل المتهم محمد الشاذلي للاحتفال بنجاح أبنائه في الامتحانات وبرروا لقاءهم في الصباح المبكر بأنهم كانوا قد اتفقوا علي أداء صلاة الفجر معاً ، ثم الاحتفال بالمناسبة قبل أن يتوجه كل منهم إلي عمله بعد ذلك .
ونفي المتهمون بشدة أن تكون النيابة قد أشرفت على اعتقالهم وذكروا أن قوات الأمن اقتحمت المكان قبل نحو ساعة من وصول وكلاء النيابة، واثبت الدفاع في محاضر التحقيق اعتراضه علي الإجراءات التي تم علي أساسها توقيف المتهمين واعتبرها غير قانونية، كما أشار أن الشرطة انتهكت حرمة منزل مواطن من دون إذن من النيابة.
واعتبر الدفاع عن المتهمين أن القبض عليهم غير قانوني، وفسروا الأمر إلى أنه يبدو من ملابسات القضية أن السلطات تسعي إلي ضمها مع قضية أخرى متهم فيها 36 شخصاً آخرون من الإخوان ثم إحالة كل المتهمين على محكمة عسكرية جديدة للإخوان.
ولاحظت مصادر في الجماعة أن الاتهامات التي وجهتها النيابة إلي 25 شخصاً كانت أجهزة الأمن اعتقلتهم أثناء وجودهم في منزل أحدهم في منطقة امبابة بالجيزة، وبينهم عضو مكتب الإرشاد المهندس محمد خيرت الشاطر، هي نفسها التي كانت وجهتها إلي 36 آخرين بينهم النائب السابق الدكتور محمد حبيب عضو مكتب الإرشاد، وكان هؤلاء المتهمون، قد ألقي القبض عليهم أثناء اجتماع عقدوه في منزل أحدهم في محافظة أسيوط جنوب مصر، قبل نحو ثلاثة شهور ولم تحل قضيتهم إلى المحاكمة حتى الآن.
ومعروف أن كافة القضايا التي اتهم فيها عناصر من الإخوان وأحيلت للمحكمة منذ العام 1995 قضت فيها محاكم عسكرية، إذ مثل أكثر من 80 من عناصر جماعة الإخوان في ذلك العام أمام ثلاث محاكم عسكرية أصدرت أحكاماً بالسجن لفترات تراوح بين سنة وخمس سنوات في حق 54 منهم كان أبرزهم د. حبيب وخيرت الشاطر اللذان أمضيا العقوبة كاملة حتى أطلق سراحهما العام الماضي فقط .
ونظرت محكمة عسكرية في العام التالي قضية أخرى اتهم فيها 13 شخصاً كان بينهم النائب السابق محمد مهدي عاكف ووكيل مؤسسي حزب الوسط المهندس أبو العلا ماضي، ثم توقفت المحاكمات العسكرية بعدها لفترة ثم عادت العام 1999 حين أحيل 20 من أبرز عناصر الإخوان في النقابات المهنية علي رأسهم النائب السابق المحامي مختار نوح علي دائرة قضائية عسكرية قضت بالسجن لفترات تراوح بين سنة وخمس سنوات في حق عدد منهم .
الإخوان والجماعات
ربما يظن المتابع عن بعد لصدام جماعة الإخوان المسلمين المستمر مع السلطة المصرية أن إعلان الحرب عليها له علاقة بإعلان الحرب على الجماعات الأصولية الراديكالية الأخرى، وان المواجهة الأمنية المسلحة مع الأخيرة اقتضت مواجهة قانونية مع الأولى باعتبار ان السلطة انتبهت إلى أن الطرفين مشتركان في الخطاب السياسي. المعارض للحكومة المفارق للمجتمع، فبداية ودون الدخول في تفاصيل كثيرة يصف كل منهما نفسه بصفة الإسلام، فضلاً عن اتفاق كل منهما على مفهوم الحاكمية الذي يندرج تحت بند الديماجوجية السياسية، وكلا الجماعتين ترفضان اي نظام للحكم وتنكران شرعيته تماماً، حسبما جاء على لسان المستشار مأمون الهضيبي نائب المرشد العام للاخوان، في حوار حديث معه ، في معرض الكلام عن (حسنات) ثورة يوليو 1952. ناهيك ايضا عن النظرة الضيقة للآخرين معتنقي الديانات الأخرى ، وتحديدا أقباط مصر كما جاءت على لسان المرشد العام مصطفى مشهور في صحيفة (الاهرام ويكلي) منذ أعوام ، واثارت زوبعة اضطرته للتكذيب أولاً ، ثم الاعتذار بعدم القصد ثانياً ، بعد ان اشهر الصحفي الذي اجرى الحوار معه شريط التسجيل ، أما مواقف (الجماعات الأصولية الراديكالية) فلا تحتاج الى دليل ، فهم يكفرون السلطة والمجتمع صراحة ، ويستبيحون أموال المخالفين ، بل ويبررون قتل المدنيين في أثناء صدامهم مع أجهزة الأمن المختلفة .
وقد يغري منطق التشابه في خطاب الإخوان والجامعات بتصديق انها هي السبب في التضييق على الإخوان ، بنصب سيرك المحاكم العسكرية، ولكن الامر الذي لا يخلوا من دعابات السياسة يحتاج الى تمحيص ومراجعة. اولا ان التشابه في الخطاب معروف ومرصود منذ البداية، بل هو قرين الجماعتين منذ نشأتهما، والاسماء قبل الافعال. خير دليل، ثانيا ان جماعة الإخوان كلما ورد ذكرها في صحيفة رسمية ذيلت بتعبير المحظورة قانونا او المنحلة. وقد سبق ان ورد على لسان مسؤول مصري كبير تعبير: (لا أعرف شيئاً اسمه الإخوان المسلمون) فكيف هي اذن موجودة وغير محظورة وغير منحلة! اي كيف ان لها مكتباً عاما اسمه (مكتب الارشاد) ولها قيادة معروفة وعنوان معروف.
وبدأ التضييق على الإخوان والتيار الإسلامي في النقابات المهنية المحامين ثم المهندسين فالاطباء في عام 1993 عندما ثبت للحكومة بما لا يدع مجالا للشك انهم قوة لا يستهان بها في منفذ عمل عام له بالتأكيد طابعه السياسي، بعد ان كانت الحكومة قد اغلقت من قبل منافذ العمل السياسي المباشر (الاحزاب) (بالضبة والمفتاح) وبمساعدة اعوانهامن بقايا الخطاب السياسي للاربعينات والخمسينات في كل من (الوفد الجديد) الامتداد الشائخ للوفد القديم ، و(العمل) الامتداد المرتبك لمصر الفتاة ، (التجمع) الامتداد المشوه للحركة الشيوعية المصرية ، وأخيراً الحزب (الناصري) الامتداد غير الشرعي للحركة الناصرية المولودة بعد وفاة عبد الناصر، وهكذا لم يرد (الإخوان) استعراض قوتهم في النقابات، إنما قادتهم حماقة العاب الانتخابات وأمور أخرى الى ان يبدو بهذا الشكل في نقابة المحامين مثلا استهدفوا اربعة مواقع فرشحوا لها تسعة اسماء، ولضرب التيارات الاخرى وتكسير الاصوات رشحوا ثمانية آخرين، وكانت المفاجأة نجاح الـ 17 من المنتمين للاخوان (او التيار الاسلامي بشكل عام، فانتفضت الحكومة وطورت اساليب التضييق حتى اغلقت نقابة المحامين وفرضت عليها الحراسة، أما خطيئة الإخوان الكبرى، في حق نفسها، فكانت قرار الترشيح في 150 دائرة لانتخابات ،1995 وكان يعني تجاوز الخط شديد الاحمرار بالنسبة للسلطة. قبيل رحلة الإغلاق على التيار الإسلامي والإخواني في النقابات والمجلس، كانت رحلة أخرى قد بدأت واستمرت بالتوازي معها، هي رحلة تفتيت الأموال التي جمعت وغلفت تحت مسمى (توظيف الأموال) وبشعارات إسلامية تبدأ باللحية ولا تنتهي بالمسبحة، كالريان والسعد والشريف إلى آخر القائمة، فالسلطة كانت تخشى إلتقاء (زيت) المال مع (نار) حركة سياسية إسلامية، نضجت في ساحة خالية من منافسين أقوياء، وفي مناخ عام من الفساد وسيادة نزعات الأنانية والفردية المفرطة والصعود الاجتماعي عبر طرق غير مشروعة، وانهزام شرائح اجتماعية من الطبقة الوسطى أمام سلطات المتغيرات الاقتصادية السريعة، مما أعطى مشروعية ومنطقاً في البحث عن خطاب (قيمي أخلاقي) يغلب الجماعي على الفردي، ويستند الى (مزاج تديني) ساد في السبعينات ثم الثمانينات لأسباب عدة، وإلى (ميل تديني) أعمق لدى المصريين عبر سنوات طويلة. أثناء الرحلتين المتوازيتين حدث ما اعتبره البعض قشة قصمت ظهر العلاقة المسكوت عنها بين الحكومة والإخوان، ودفعت بالأمور إلى حافة الهاوية، اتصالات بين الأمريكان والإخوان، وهي مسألة لو صح حدوثها لكان غضب السلطة منطقياً له ما يبرره .
حزب الوسط
في ظل هذه الأوضاع الحياتية، وتحت تأثير هذه التفاعلات الفكرية نشأ -سياسيًا- جيل "مشروع حزب الوسط"، وتكوَّن فكره الخاص، الذي خالف فكر التنظيمات الإسلامية، التي اتخذت العنف طريقاً للتغيير السياسي، ثم فكر الإخوان المسلمين الذي انتقلت غالبية هؤلاء الشباب إلى صفوفهم بعد إخفاق تجربتهم مع الجماعات الأخرى.
وقد تبلور فكر هذا الحزب في مرجعتيه للمسلمين والمسيحيين معا، فهي بالنسبة للمسلمين "مرجعية دينهم الذي به يحيون وعليه يموتون ويبعثون"، وهي بالنسبة لغير المسلمين "مرجعية الحضارة التي تميَّزت بها بلادهم، وفي ظلالها أبدع مفكروهم وعلماؤهم وفنانوهم، وبلغتهم نطق وعاظهم وقديسوهم.. وهم فيها صناع أصلاء، وفي ظلال غيرها من الحضارات أتباع أو دخلاء". ولذلك لم يرد في برنامج الحزب ذكر لأهل الكتاب باعتبارهم جماعة يجب الحفاظ على حقوقها، بل هم شركاء متساوون ينتمون إلى المرجعية نفسها، والحضارة ذاتها .
ومشروع الحزب يعالج "حقوق الناس" في مقابلة "حقوق الإنسان"، لأن "حقوق الناس" يراد بها "تأسيس الحقوق الكلية لمجموع المواطنين يتمتَّع بها الجَمْعُ والأفراد منهم، ويدافع عنها الكل للكل في تأسيسها وإقرارها"
وقد أحدثت محاولة تأسيس حزب الوسط شرخاً في العلاقة بين مؤسسيه وبين الجماعة الأم "الإخوان المسلمين"، ليس هنا مكان تفصيل أسبابه ونتائجه، ولكنها في الوقت نفسه استدعت تأييد عدد من رموز الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية، فكتب الدكتور يوسف القرضاوي يقول: "إنه رحَّب بفكرة حزب الوسط، ويعتبرها حركة طيبة، ولعلها تكون فرصة للخروج من العزلة المفروضة على الحركة الإسلامية". وقال أيضًا: "أخشى على الحركة الإسلامية أن تضيق بالمفكرين الأحرار من أبنائها، وأن تغلق النوافذ في وجه التجديد والاجتهاد، وتقف عند لون واحد من التفكير لا تقبل وجهة نظر أخرى، تحمل رأيًا مخالفًا في ترتيب الأهداف أو في تحديد الوسائل" وقال عنهم د. توفيق الشاوي: "إن ما ذكره الدكتور القرضاوي من أسباب تبرِّر تأييده للمؤسسين يشاركه فيها كثيرون من ذوي الفكر والرأي الذي عرفتهم"
ولم يكن رد فعل الحكومة بأقل حدة من رد فعل الإخوان المسلمين، فقد قبض على ثلاثة عشر رجلاً، من بينهم وكيل المؤسسين نفسه، واتهموا بأنهم حاولوا "التحايل على الشرعية بتأسيس حزب سياسي"!! واستفزت هذه التهمة -التي ليس لها سابقة في التاريخ- بعض الكتاب، فقال: "إنها تهمة لا توجد في القانون المصري، ولا في أي قانون لبلد شمَّ رائحة الحضارة"، وقد أمسى الوسط "الحزب" "سجينًا في أشخاص هؤلاء الأبرياء من المواطنين الشرفاء الذين صدَّقوا أن من حقهم طلب تشكيل حزب سياسي، فاتبعوا القانون القائم رقم 40 لسنة 1977 بشأن الأحزاب السياسية، وتقدَّموا بطلب لتأسيس حزب الوسط، فانتهوا سجناء بتهمة جوهرها تصديق دعوى الديمقراطية. أما "الوسط" التيار الفكري، والاعتدال السياسي، والاعتراف بحق الآخر في الوجود، وبعطائه للشعب في الحاضر والماضي، والتعاون معه من أجل عطاء متجدِّد في المستقبل. الوسط الذي يمثل جمهرة المصريين من الرجال والنساء البسطاء. وهم في الغالب فقراء، لكنهم دائمًا صادقون ومخلصون ومتدينون وشرفاء. ضد التبعية والتغريب، ومع الشعب العربي في كل أرض ضد عدوه من كل لون، ومع المقهورين المسلمين والمسيحيين ضد الطغاة الظالمين.. بقلبه وعقله وشعوره، إن لم يستطع أن يفعل ذلك بيده أو بقلمه أو بلسانه.. هذا الوسط باقٍ.. ومن العلم أن لجنة شؤون الأحزاب لم توافق على تأسيس حزب الوسط، ولم يكن حظ الحزب أحسن حالاً أمام المحكمة المسمّاة "محكمة الأحزاب السياسية" في مجلس الدولة. وحاول المؤسسون مرة ثانية عادوا منها كما عادوا من المحاولة الأولى بغير طائل، وهم لا يزالون حتى اليوم يبحثون عن طريق يحصلون به على الشرعية القانونية بعد أن أعلنوا مراراً أن خيارهم هو: العمل العلني في ظل القانون مهما كان جائرًا، أو ضيَّق الصدر بالعمل الإسلامي، أو مقيِّداً للنشاط السياسي. وهو اختيار صحيح مهما خالفه بعض أهل الرأي فقد وافقه آخرون، ولو لم يكن له من أثر إلا تحريك المياه الآسنة في الحياة السياسية المصرية، وتشجيع تيارات العنف السياسي على الإعلان عن نبذها إياه، ومحاولتها تشكيل أحزاب سياسية، لكفى بذلك نجاحاً
الإخوان والنقابات
من المعروف أن في مصر 24 نقابة مهنية تضم نحو 5 ملايين عضو ، بها ممثلون للإخوان في مجالس أربعة فقط منها هي الأطباء ، المهندسين ، الصيادلة والمحامين ، ويبلغ اجمالي عدد أعضاء هذه النقابات 477 الف عضو ولكنها مؤثرة ، لاعتبارات ثلاثة هي :
1- ارتباط فوز الإخوان داخل النقابات بحجم النقابة من جهة ، وطبيعة المهنة ومدى ارتباطها بمؤسسات الدولة من جهة اخرى ، فنقابة الاطباء مثلاً يفوق عدد اعضائها المائة الف والمهندسين نحو 192 الفاً والمحامين قرابة 150 الفاً ، بينما لم يتمكن الإخوان من& اختراق النقابات العمالية& ، أو نقابات الزراعيين او المعلمين، فكلما قل عدد الاعضاء أمكن التحرك في سهولة وتجنيد الانصار ومباشرة أنشطة خدمية وسياسية ذات نتائج مؤثرة، اضافة الى كون النقابات الاخرى يخضع اعضاء مهنتها لقوانين العاملين في الدولة، من الناحية الادارية كالمدرسين او غير متحمسين للاهتمام بالقضايا العامة كالزراعيين ، بينما تتسم النقابات التي يسيطر عليها الاخوان بمزاولة النشاط في القطاع الخاص والاعمال الحرة في مجالات العمل المختلفة التي تمكنهم من القيام بعمل ايجابي بعيداً عن سيطرة الدولة
2- تعويل قيادات جماعة الإخوان المسلمين على البني التحتية للنقابات المهنية من خلال التحرك على محورين هما ، عدم التنافس على منصب النقيب ليكون من نصيب شخصية تحظى بقبول الدولة وكقناة وسيطة بين المطالب النقابية والبيروقراطية الحكومية ، والمحور الثاني هو تنشيط العمل في المجالات المفيدة لصغار المعنيين ، فمثلاً يتبنى نشطاء جماعة الإخوان المسلمين مشروع التأمين الصحي في نقابة الاطباء لنحو 90 الف طبيب والمهندسين لنحو 160 الف مهندس اضافة الى نجاح مشروعات التكافل الاجتماعي وتوفير القروض بشروط ميسرة ، وزيادة بدلات طبيعة العمل وتمويل الصناعات الصغيرة مما جعل النقابة سلطة موازية للدولة خاصة في قطاع الخدمات العامة الذي يعاني قصوراً كبيراً وإهمالاً فادحاً .
3- تحاشي الصدامات التي قد تتسبب في تفتيت النقابات من الداخل ، وظهر ذلك في تفادي المواجهة مع المهنيين من الأقباط عن تغيير القسم في نقابة الاطباء "ان تكون حياتي مصداق إيماني في سري وعلانيتي نقية مما يشينها تجاه الله ورسوله والمؤمنين" ووافق الاخوان على ان يقرأ الطبيب المسيحي عبارة "رسله" بدلاً من رسوله ، إضافة إلى تعديل لائحة النقابة للابتعاد عن أيام الأعياد القبطية ، كما انضم الاخوان الى تنسيق العمل النقابي التي تبنته الأحزاب كصيغة موازية ، أو مكملة للعمل السياسي .
وفي هذا السياق تذكر الدكتورة هالة مصطفى الباحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، في رسالتها للدكتوراه "الدولة والحركات الاسلامية المعارضة" ان إصدار القانون رقم 100 عام 1993 الخاص بتنظيم الانتخابات المهنية والذي اشترط لأول مرة رفع نسبة الحضور إلى 50 في المائة وإخضاعها للإشراف القضائي ، لم ينجح في الحد من التواجد الإخواني داخل نقابة المحامين التي تم استخدام صيغة فرض الحراسة عليها عام 1996 ، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات مماثلة مع نقابة المهندسين
ويبقى التأكيد على أن الخطورة الحقيقية في اللجوء إلى خيار الاستبعاد والإقصاء تقف أمام اختبار قاس يتمثل في قدرة الحكومة أو التيارات السياسية الأخرى على ملء تلك الفراغات التي تنتج عن استبعاد تيار نشط على الساحة النقابية خصوصاً مع عدم وجود بديل سياسي له فعالية تنافس هذا التيار المستبعد ، فاستبعاد الكوادر الاخوانية التي تم تأطير عملها ضمن الحدود الديموقراطية الملتزمة بالأهداف النقابية يمثل غياباً للمعارضة المدنية بما يستتبع من إضعاف للخدمات التي ينتظرها المهنيون من نقاباتهم ، وتحويلها إلى مجرد "منتديات اجتماعية" تتحول لاحقاً إلى كيانات هزيلة ، وقد تصبح عبئاً على بنية المجتمع المدني ، الأمر الذي يمهد الأجواء أمام قوى العنف والتطرف ، ويسد الطرق أمام أية وسائل سلمية للإصلاح السياسي وفقاً لتقديرات الباحثين والمراقبين في مصر& .