الإثنين 7& آب (اغسطس) 1995
لا شيء هنا يمكن أن يكون كرونولوجياً. لست مرتاحاً في الكرونولوجيا بصفة جيدة، غير أنه ستكون، ثمّة، في الغالب إشارات تسمح بموقعة الحدث.
إنّها المرة الثانية التي أُقيمُ فيها في هذه المؤسسة الطبية في الرباط. المرة الأولى تعود إلى سنة 1993. وكنتُ أُعاني من سرطان غُذّيّ في الفم. وقد تطلّبتْ عمليةُ تذويبه عدةَ جَلَسَات مُعالجة كيميائيّة متلازمة والتناول المستمرّ لبعض الأدوية. لم أُعَانِ
محمد خير الدين
كثيراً في هذه المرحلة؛ لقد قاومتُ المَرَضَ، وكنتُ أمتلك معنويات منيعة. لكن في هذه المرة قاسيتُ مثل كلبٍ يعيشُ دون سيدّه، مثل كلب من هذه الكلاب المريضة يئنُّ منزوياً في رُكنٍ مَا. لقد ابتدأ كلُّ شيء باقتلاع ضِرْسٍ سيء التكوين. الطبيب الجرّاح مشهورٌ بعدم كفاءته، وبدلاً من اقتلاع الضرس المريضة، تصدّى لِعَظم الفكّ الأسفل الذي صَدَعَهُ. ورغم التخدير الموضعيّ، كادَ أن يُغمْى عَلَيَّ. وبسرعة تمّ إنعاشي بأنبوبِ سيروم(مِصَلّ)، وهكذا التحقْتُ بفندقي(لو باليما)، دون عوائق. غير أنه، وانطلاقا من هذه اللحظة، وبسبب هذا الخطأ المهني الذي يمكن غفرانُهُ أو الصفح عنه، بدأتْ متاعبي الصحيّة. ورغم كل الإحتياطات التي اتّخذتُهَا(مثلاً عدم إهمال مُضَاعَفة غسل الفم)، فإنّ جراثيم المرض وجدتْ وسيلةَ الاستقرار في شقّ الفكّ الأسفل. كنتُ أتناول مُضاد الحيويّات ومضاد الإلتهابات، ولكن الميكروبات لم تكن لتعبأَ بِهَا؛ فعلى العكس كانت تزدهر في هذا المكان القذر والخسيس الذي هُوَ الفمُ. ولم أَعُدْ أستطيعُ أَكْلَ شيءٍ سوى السوائل وبعض الحساءات الخفيفة. بدأتُ أفقدُ الوزن وبدأ الوهَن يُصيبُ العين. وكنتُ ممدّداً على السرير، باستمرار، وعلى جنبي الأيسر(المريض)، لأني لم أكن أستطيع، بأية حال من الأحوال، اتّخاذ وضعية أخرى. لم أعد أخرج قطّ، وكنتُ أغضبُ وأغتاظُ، بسهولة، من كل الناس وضد اللاشيء. كنتُ قد فقدتُ صوتي(وما زال لم يعد إليّ بعدُ).
بصيغةٍ مَا كنتُ طريحَ فراشٍ، مُجرجَراً بيْن عالَمَيْن غير واضحَيْن، نحيفاً، لا يترجّى إلاّ شيئاً واحداً، وهو استعادةُ الراحة والهدوء، وعدم معاناةِ شيءٍ، إلخ، الخروج من هذا الجسد المؤلم للتنفس لحظةً مَا. لقد استطعتُ الخروج ثلاث مرّات فقط، وبشكل متتابع، خلالها، تَهاويتُ وفقدتُ وعيي. لقد كنتُ في حالةٍ من الوَهَن إلى حدّ أنني لم أعد أحسَّ في جسدي سوى بأَلَمٍ واخِز، وحينما كنتُ أُحاولُ أن أنهض للذهاب إلى المغسلة، كان ثمّة فراغٌ محظورٌ عليّ أن أتعلّقَ به، لأنه كانت تصيبني دَوْخات ودوّارات وكنتُ أخاف من السقوط، الرأس مستندة إلى حَسَكَة حائط أو أثاث. لكّنني سقطتُ، هنا، في غرفة الفندق هذه. لقد كنتُ وحيداً. باب داخلية مفتوحة، الطاولة، مقعد خشبي ثقيل...لقد تداركْتُهُ ونجيتُ بنفسي؛ ففي لحظة السقوط، أحسستُ بنفسي أنزلقُ، وحين نهضتُ(بعد بضع دقائق دون شكّ)، أحسستُ كما لو أنّ يدين ناعِمَتَيْن جدا؟ رَفَعَتَانِي بِلُطْفٍ، ولكن لم يكن ثمة أحد. قلتُ في نفسي بأن الأمر يتعلّق بِحُضورٍ لا مرئيٍّ ومجهولٍ، حضور ملاكٍ، في هذه الحالة..وكنتُ مؤمنا بهذا. وهذا الحضور، بدون شكّ، هو الذي أنقذني، مرة أخرى، من كسر محتمل في عظام الرأس. يا لَها من لحظات أليمة عانيتُ منها! لم أعد أستطيع حتى قراءة جريدة. أمّا قراءة كتاب؟ لا مجال لهذا قط. لقد كان عقلي مكبوساً، والآلام في الفكّ الأسفل، في الصُّدْغ الأيسر وفي مفصل الكتف، كانت من الحيوية والنشاط بحيث أنني كنتُ أتجنّبُ حتى التحرّك كي لا أُهيِّجَ باقي الجسد.
ظللتُ ثلاثةَ أشهر في هذه الحالة. وذات يوم مرّ بي صديقي "بول غوسلون" Paul Rousselon. امتلأ رُعباً وهو يراني، بحيثُ أخْطَرَ، حَالاً، الدكتور "متقال" الطبيب الشخصي للملك. وقام "متقال" من جانبه بإخطار البروفيسور "كدّاري"، مدير معهد الأورام السرطانية. فذهبتُ إليه. لقد كان التشخيص واضِحا ودقيقاً: كسر في عظام الفكّ الأسفل(التهاب عظميّ)، التهاب مؤلم جدا للأذن، نتانة والتهاب. فتَمَّ حينئذٍ الإلتجاء إلى كشط وتجريف العظم(كان ثمة عظْمَان). واقتُلِعَ منّي جزء عظْمٍ فاسد كان يُسبّبُ لي ألماً رهيباً. وقد تمّ وضعي تحت حقنٍ متواصل خلال مرّات عديدة. وأنا لا أتحدث عن عدد كبير جداً من حقْن في العَضَل وتناول كثير من الأقراص... وفقط ابتداءً من التجريف الثاني بدأتُ أُحِسُّ بتحسن. وفي الواقع، وبفضل الله، بدأتُ أشعرُ بأنّ الأشياءَ بدأتْ تعود إلى نِصَابِهَا. ولكن يجب توفّر الوقت وكثير من الصّبر. وكنتُ أدعو اللهَ الأحد، ليلا ونهاراً وفي كلّ ساعة أن يُخلِّصَني من هذه الآلام.
وكنتُ أُعاكِسُ الألَم وأنا أُحاوِل التخلّص من أفخاخهِ ومغادرة هذا الجسد الذي يأسرني... كنتُ أتخيّلُ شخصيات أسطورية. كنتُ أريد كتابة قصّة إحداها. كانت جُمَلٌ كاملة تتوالى وتَتَتَابَعُ في رأسي، في هذه الإغفاءة القريبة من الحلم(النوم الذي لا يمكن تصوّره). لقد كان هنا كِتابٌ، غير مشكوك فيه، غير منتَظَر. محكيٌّ ذو جمال مدهش، محكيّ عن زوجيّ عجوز دون عَقِبٍ في قريتهما في وادي "أملوس" يتطور على مرّ السنين... وفي شهرٍ وبضعة أيام، استطعتُ الإنتهاء من هذا العمل الجديد.. ولكنّي ما كنتُ أستطيع فعلَ شيء بدون عون الله، ما كانت حتّى لتأتيني الفكرة.. ولكنّ الله قَدِمَ لمساعدتي، وهذا ما يُشجِّعُ الأدب. وسوف تظهرُ كمْ هي رائعةٌ هذه التحفة الأدبيّة. وبادئ ذي بدء، أشكر الله الذي أتاحَ لي أن أعيشها(أي هذه التحفة الأدبية) بحدّة قبل أن أكتُبَهَا. لأنني عشتُ كلَّ مشهد، كلّ تفصيل. وكنتُ سعيداً جداً أن أجد نفسي، ذات مساء صيفيّ، على شرفة منزل بصحبة العجوز (بوشايب) وزوجته العجوز والقطّ(الأول والثاني). الزوجة تهيّء طاجيناً رائعا. بوشايب يُدخِّنُ ويشرب الشاي. القطّ مُمَدَّدٌ بالقرب من سيّده. السماءُ نهرٌ مَاسِيٌّ متوهِّجٌ جداً(درب التّبّانة)، الليل مليء بالروائح والصَّخب. الطبيعةُ تمارس حيَاتَهَا. يوجد، هنا، إيقاعٌ هادئ، سَلاَمٌ إِلهيٌّ. ستتمّ قراءةُ هذا الكتاب في الزمن المطلوب. وسيتمّ تثمينُهُ. وأتمنّى فقط لِقُرّائي أن يتقاسموا لحظات السعادة لهذا الزوجي العجوز.
أحيانا يتساءل النّاس كيف جاءت القدماءَ فكرةُ تأسيس عاصمة (الرباط) على مَصبِّ نهرٍ رطبٍ بِشكل كبير (وادي أبي رقراق)، يُسبِّبُ ويساعد، في هذه الحالة، النموّ والتكاثر السريع لأجيال من حشرات ضارّة (البعوض والصراصير) ومن ميكروبات. كثير من الرجال والنساء، هنا، يُعانون. البعضُ من روماتيزمات مفصليّة، والبعض الآخَر من الرَّبْو، إلخ. أعرف بعضا منهم ينامون على لوحات خشبية، وهذا يفسّر كلَّ شيء.. المناخ يتغيّر باستمرار. هذا الصيف مرّ يومان دون رُطوبة. ريحٌ ساخنةٌ، مُحَمَّلة بالأشعّة تحت الحمراء، عالجتْ كتفي المُوجِع، هذا ما كان سيقوم به الدلاَّك الطبيّ في جَلَسات علاجية عديدة. ولكنّ هذا يمضي ويعود... وفي مستوى الوِجْنَة اليسرى، أحياناً، ألمٌ شديد جداً يليه تقلّص مفاجئٌ للفكّ الأسفل لا يدوم سوى بضع ثوانٍ. ثوان جحيم! اكتشفْتُ أن القهوة تساعد على هذا. الشاي لا يساعد. فبدأت أشرب الشاي بالنعناع الذي يهيّئُهُ لي عمّالُ المَقْسَم الهاتفي بالمستشفى. كنتُ أشرب الشاي حتى في الساعة الثالثة صباحاً، لأنني، ومنذ بعض الوقت، أستيقظ في مثل هذه الساعة، أُدخِّنُ، أتأمّل وأفكّرُ وأشرب كأسا أو كأسَيْن من الشاي. وحين أكون في وضعية سيّئة، أَبْلعُ مضادّ الإلتهابات، وأنتظرُ أن يَمُرَّ الأَلَم. حين كنتُ أكتبُ هذا المحكيّ:(زوجيّ عجوزٌ في القرية)، كنتُ أعيشُ هذا المحكيّ، وكنتُ أسكنُهُ...والآن، وقد تمَّ هذا النصّ، فإنّي أسبحُ بين كُتْلَتَيْن كثيفَتَيْن، أُصلّي وأنتظر شيئاً آخَر. فمثلاً في: "في طوبيا" A Tobia، هذه الرواية التي بدأتُ كتابتها في باريس منذ سنتَيْن ونصف...والتي لم تَتَجَاوَز خمْسِين صفحة أُولَى. سأُعاوِدُ كتابتها قريباً إن شاء الله.
إنّ ما آكُلُهُ طيّب، ولكنَّهُ غيرُ كافٍ. أبلعُ "ميريتيم"Méritème (ثلاثة أو أربعة أنابيب من 250 ميليمتر يوميا)، وكذلك الحليب، عصير البرتقال، الشاي، القهوة... وبعض الأقراص. وهي كميّةٌ غيرُ كافية للحفاظ على صحّة رياضيٍّ مَا، ولكنها كافية لِخَلاَيَايَ. لقد تلقّت عضلاتي ضربةً من هذا. فسروالي القصير يسقط من تلقاء نفسه، ونفس الشيء ينطبق على سروالي الخارجي. وحين أجلس إلى طاولة لأرقنَ نصوصي، فإنّي لا أملك إلاّ عظاما نحيلة، هزيلة، وقطعة من الجِلْد لوضعها على الكرسيّ-إنّ الأمر غيرُ مُريح. لا أعتقد أنني أَزِنُ أكثر من أربعين كيلوغراما. ولا أعرفُ متى سيكون ممكنا لي أنْ آكُلَ من جديد كَكُلّ الناس. وفي كل الأحوال ليس غداً إنّ فَكِّي الأيسر من السَّقَم والعلّة بحيث أنني لا أتجرّأُ حتى على التفكير في هذا. ولكني لستُ حزيناً. ولْيَكُنْ ما يكون! وفيما يخصّ الباقي، فيوجد مشكل آخر. يجب معالجة عظْم الفكّ السُّفْلي. فهو قد انزاحَ قليلاً. وهذا عائد إلى ماذا؟ لا أعرف. والقيام بِتثبيت طاقَم كامل من الأسنان الإصطناعية. فالأسنان الباقية إمّا منهوكة وإلآّ فإنها ميّتة. نتيجة لا يمكن تجنّبها للكيمياء الإشعاعيّة. ولكنّنا نستطيع دائما أن نعيش(أو نتعيَّشَ) حسب إمكانات ومتطلّبات المرحلة. وخسارة الوزن هاته. وأخيراً، ها أنذا أكثر خفّة من ريشة. أنا هوائيّ! هبّة ريح قوية يمكن أن ترفعني مثل قشّة وتُلْقِي بها بعيداً من هنا.&&&&&&&&&&&&&
لقد أُصِبْتُ بالتهاب الأذن في الفندق. وكان من الممكن علاج التهاب الأذن دون مساسٍ بالأسنان. لكنّ هذا لم يحصل. والنتيجة ماثلةٌ الآن. في فندق "باليما"، نعيش بشكل سيء، سيّء جدا. كثير من الضجيج، ليلاً ونهاراً. مومساتٌ يكتسِحْنَ المقْصَف منذ الشفق. وينتظرن افتتاح "نايت كلوب"... ثم تبدأ الضوضاء الصاخبة تهزّ المنطقة حتى الساعة الثالثة صباحا. موسيقى رديئة وأغاني دامعة تمنع من النوم. والمصعد الكهربائي الصاخب، هو الآخر، يشتغل طول الليل. إذا أضفنا الطعام إلى كلّ هذا! إنه فاسد وكريه! إنّ كُلَّ آلامي هكذا ابتدأتْ. إهمال، ومصاريف مجنونة. في المشروبات، على المومسات. آخر مومس. تشتغل في قنصلية إسبانيا. مُطلَّقَةٌ، لها ولد-كان مريضاً حينما ضاجعتُهَا لأوّل مرة (المرة الأولى والأخيرة). ربما هذه المرأة الشابة هي التي ألصقت بي جرثومة التهاب الأذن. طفل مريض..إلتهاب الأذن. هذا ممكن. لقد عادت مرة أُخرى- وأيضا كثيرا من المرّات. أعطيتُها 200 درهم وقلتُ لها: "تعرَّيْ، تمدَّدي على السرير... لن أفعل بكِ شيئاً، سوف أنظر إليكِ، فقط، بعض اللحظات." فأطاعتْ. وبعد انصرافها، لاَحَظْتُ بقعة رطبة على شرشف السرير الأبيض. بقعة دائريّة وشيء أزرق في وسطها. ماذا حدث؟ لم ألْمسْ إمرأة منذ هذه الفترة. وعلى كلّ حال، هل كنتُ أملكُ القوة؟ إنّ هذا الجانب من أشياء الحياة لم يعد يهمّني قطّ. لقد عانيتُ كثيراً من بعض النساء. إننا لا نربحُ أبداً معهنّ شيئاً. لقد أَضَرْنَ بي كثيراً. وأضرْنَ بالكتابة. ولقد كانت من بينهن إثنتان، كان حضورهما& فقط في حدّ ذاته ضمانة للعقم. سنوات مرّت هكذا دون أدنى كتابة، بلا شيء. العَدَم. لقد أنقذني الله منهنّ. ولا شيء للكاتب سوى عزلة مريحة قادرة على إلهامه. واليومَ لم أعد أستطيعُ أن أتحمل هذا النوع من النساء اللواتي يُشْبِهْنَ، في آنٍ واحد، مصّاصات الدم والجنّيات. من أجل الحبّ الجسدي؟ لا أستطيع حتى التفكير في هذا. إنّ كلَّ مُتَعي توجد في مكان آخر. إنها الكتابة والقراءة. وعلى كلّ حال، ماذا ربحتُ مع هذا النوع من النساء؟ لا شيء! لقد خسرتُ الكثير من الوقت والكثير من المال. من أجل لا شيء. لن أستعرضَ هنا أسماءهنَّ. لقد كُنَّ جميعاً مضخّات نقود. إنّ هذه "السيّدات" يحتجن، دائماً، إلى شيء إضافي، كي يكنّ سعيدات. وأنا أكدحُ مثل غبيّ. كنتُ أُعطيهنَّ كُلَّ ما أملكُ، وأبقى بدون شيء. لم أكن أشتري لنفسي حتّى قميصاً أو بِدْلَة. أحياناً أذهب إلى مكان آخَر. هذا يدومُ شهراً أو شهرين. كنتُ أعيشُ بطريقة أفضل. كنتُ أُسافر. ثمّ أعودُ. ويتكرَّرُ الأمرُ. وفي النهاية قرّرتُ بأن العزلة وحدها تستطيع أن تكون مُفيدةً لي. وأنا على حقّ. ولن أُقيمَ أبداً مع امرأةٍ في منزل واحد. الحبّ الجسدي؟ ربّما لم ينته الأمر. ولكنّ الأمر ثانوي. لستُ مُتهيِّجاً نحو هذا الشيء مثل بعض الفنانين من أصدقائي الذين يسعون وراء النساء، كما لو كُنَّ خشبة الخلاص. إنّني أُسَمِّيهم بغرقى الجنس. إنهم مرضى. ويوجد من بينهم واحد (فُكاهيّ معروف جدا) يحتاج إلى ثلاثة نساء مختلفات كلّ يوم. ويصرف هكذا كُلَّ ما ربحه في الجِمَاع...دون الإحساس بأدنى لذّة. إنّ الأمر لديه هو محضُ ميكانيكي. إنه يحتاج إلى عوازل طبيّة وإلى نساء طول الوقت، حيثما وُجِدَ. وحين يفتقر إلى هذا، ينتابه المرضُ إلى حدّ أن غياب الجنس يجعله يتذمَّرُ. أعتقد أنه مكبوت. ولقد قلتُ له هذا...ونصحتُهُ باتباع العلاج النفسي؟. لكنه لم يقم بهذا. إنه مريضُ جنسٍ. إنّ الأمرَ مثير للتقزّز! غير أنّه عيبهُ الوحيد. ولكن يا له من عيب! فمنزلُهُ، في معظم الأحيان، استعراضُ كُلِّ قَوّادات ومومساتِ الدار البيضاء. إنّ الرغبة الشديدة في الجنس جعلتْهُ يفقد البوصلة نهائيا. يستطيع أن يضحّي بكل شيء من أجل أن يُضاجعَ. دفتر العناوين؟ نجد فيه أسماء كلّ الشخصيات المرموقة و...قائمة مدهشة لعناوين مومسات. وحينما لا يكون هو الذي يُهاتِفُ، فإنهنّ اللواتي يَعُدْنَ. وهذا الشيء يتكرر كلّ يوم. إنّ ما يجبُ أن يُقال لهُ: "يا سيّدي إِدْفَعْ آلَتَكَ إلى التقاعد! إنها تحتاجُ إلى الخلود للراحة." أمّا أنا، فبعيدٌ من كلِّ هذا. يحيا الأَدَبُ.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& ترجمة محمد المزديوي&&
من اليمين: عبد القادر الجنابي، محمد شكري، محمد خير الدين وصموئيل شمعون في باريس 1992