قبل فترة ليست بالوجيزة كنت استمع الى تقرير عن احوال الاقباط في مصر، وضمن التقرير كانت هناك فقرة هي عبارة عن مقابلة مع رئيس تحرير احدى الصحف المصرية الذي اورد ما يلي ( لقد نقلت وكالة الانباء الفرنسية عن احد رجال الدين المسيحيين المصريين قوله انهم يمتلكون في منطقته فقط عدد كبير من الكنائس اعتقد ان عددها كان سبعة عشر) ومن هنا قال رئيس التحرير هذا (هل يمكن ان تقولوا لي عن منطقة او ولاية امريكية تحتوي على هذا العدد الكبير من المساجد او الجوامع؟)، طبعا قال ليدلل على ان المسيحيين الاقباط غير مضطهدين بل انهم يتمتعون بكامل حقوقهم ان لم يكن اكثر.
بعد كل حدث يكون فيه المسيحيين ضحايا لاعتدات عنصرية ولاسباب دينية، ينبري لنا البعض لتذكيرنا بما عاناه ويعانيه المسلمين في الغرب او ابان الحرب الصليبية او في الاندلس.
والسؤال الذي يؤرقني فعلا لماذا يتم دائما مقارنة مسيحيي الشرق بمسلمي الغرب، وياترى هل تصح مثل هذه المقارنة؟
المسيحيون في الشرق هم سكان اصليون لبلدانهم، وبالاخص في العراق وسوريا ولبنان والاردن ومصر، لا بل كان يوجد مسيحيين في منطقة الخليج والجزيرة العربية (السعودية) واليمن، في هذه المناطق وفي ليبيا والجوائر والمغرب تم التخلص من المسيحيين حيث لم يبق من سكانها الاصليين باقين على ديانتهم المسيحيية الا ما ندر، اما من العراق الى مصر فلا يزال هناك تواجد مسيحي من السكان الاصليين، وهذا لا يعني تجريد المسلمين من اصالة وجودهم في هذه البقعة، الا انهم بلا شك اعتنقوا الاسلام بعد الاستعمار العربي الاسلامي لبلدانهم، وبعد ان ارهقوا بالجزية والقوانيين المهينة.
ان المسيحيين ليسوا طارئين على هذه الديار، فان رجعنا الى التاريخ لوجدنا ليس هذا العدد القليل من الكنائس والاديرة، بل لاكتشفنا الالاف منها وقد اندثرت او تم تدميرها او تحولت الى جوامع ومساجد.
اذا ان عدد كنائس المسيحيين هو في حالة الانحسار لا بل حتى اعدادهم في حالة انحسار، وهذا الانحسار ليس لعدم الايمان بل بسبب قيود وقوانيين تمييزية ضدهم.
نحن مسيحيي هذه البلدان لم ندخلها لا جئين او مهاجرين او مستعمرين، بل نمتلك فيها اراضي وتراث وتاريخ مجيد، ولن نتجاوز الحق لو قلنا ان ما عرف بالحضارة الاسلامية ابان الفترة الاموية والعباسية، تم على يد المسيحيين من سكان البلاد الاصليين، فهم من وضع قوانيين الادارة التي لم يكن للمسلمين دراية بها، فدراية المسلمين البدو كانت في الغزو فقط، فهذا هو منصور بن سركون (يوحنا الدمشقي) اول وزير لبيت المال في خلافة معاوية، ولن يكون لنا مجالا لنذكر كل من ساهم في الطب والترجمة والرياضيات والفلسفةمن المسيحيين.ولقد عاش المسلمين والمسيحيين كل هذا التاريخ سوية بكل مأسيه وويلاته، وتعرض المسيحيين في هذه الفترة لابشع اذلال واقترفت بحقهم المجازر المتعددة.
اما مسلموا الغرب فهم في اكثرهم مهاجرون حديثوا العهد في هذه البلدان، وبالتالي لا يمتلكون ارثا تاريخيا فيه، كما ان اعدادهم قليلة نسبة الى السكان، الا انهم يتمتعون بكامل حقوقهم الدينية والممنوع عليهم ممنوع على الاخرين دون محاباة، فالقانون حيادي من هذه الناحية، فاذا اراد شخص او مجموع بناء مسجد او كنيسة او معبد فما عليهم الا الالتزام بالقوانيين المعمول بها، كما ان حق التبشير بديانتهم مضمونة وليس هناك اي تضييق من هذه الناحية، بل ان الكثيرين من المشاهير قد اعتنقوا الدين الاسلامي، وهم يعيشون في بلدانهم ولم ينتقص هذا الاعتناق من حقوقهم شيئا، في حين ان اعتناق المسيحية من قبل اي مسلم في شرقنا السعيد، قد يعرضه للقتل تطبيقا لقول النبي العربي (من بدل دينه فاقتلوه) ولا تطبق الاية (لا اكراه في الدين) او (ان ربكم خلقكم شعوبا وقبائل لتتعارفواالى اخر الاية) علمان ان الايات كلام الله حسب الاعتقاد الاسلامي.
في اي محاولة لتصحيح واقع المسيحيين وبقية الاقليات الدينية، نتهم فورا باننا ناكري الجميل لاننا لا نرى كيف ان الاسبان قد قضوا على المسلمين واليهود، فيما المسلمين قد ابقوا عليهم والدليل تواجد المسيحيين في هذه البلدان لحد الان.
بالطبع انه لا يمكن تبرئة المسيحيين في اسبانيا من طرد المسلمين يعد ان استعمروها لاكثر من اربعمائة سنة، وليس بمقدورنا ان نمنح للمسيحيين جميعا صك البرائة لانه غير ممكن، ولكن اليس من حقنا ان نشير الى اخلاء الجزيرة العربية من المسيحيين واليهود،اخلاء منطقة الخليج واليمن وليبيا والجزائر والمغرب، علما ان كل هذه الدول كانت عامرة بالمسيحيين.
اذا المسألة ليست كذلك فنحن لسنا مسؤلين عن ما اقترفه المسيحيون في اسبانيا او حتى في الحروب الصليبية، فقاعدة ان المسلمين كلهم اخوة، والتي يحاول المسلمين تطبيقهات عكسيا اي ان المسيحيين اخوة ولذا يمكن اخذ مسيحي المشرق بجريرة مسيحيي الغرب، هذا اذا كانت هناك جريرة اصلا، لا تصح ابدا.
نحن مواطنو هذه البلدان، ونتفق مع مواطنينا المسلمين بالكثير من الخصال الطيبة والسيئة، ولكننا نختلف في انتماءنا الديني، من حقنا ان نفتخر بهذا الانتماء، من حقنا ان نرسخ هذا الانتماء وان نطوره، من حقنا ان نطالب بحصتنا من الموارد ومن حق ديننا ان يتمتع بالمساواة مع اي دين في اوطاننا، ومن حقنا ان نعامل كمواطنين لا تنقص من مواطنيتهم شيئا لانهم من دين مغاير.
المطلوب اليوم هو تطوير النظرة الى الانسان وحقوقه، ويجب على المسلمين الكف عن النظر الى مواطنيهم كاهل ذمة، والكف عن النظر اليهم وكأنهم امتداد للاجنبي المتفق معهم دينيا والمغاير قوميا ووطنيا وحضاريا، ان بقاؤنا واستمرارنا في الحياة ليس منة بل هو بجهد ونضال وتضحيات كبيرة، فكفى المقارنة الظالمة والتي قد يخدع بها السذج ولكنها لن تنطلي على من يريد ان يبنى اوطانا رحبة واسعة مفتوحة الذراعين لكل المواطنين.


تيري بطرس