لقد قدم الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة سعودية مالبثت أن اصبحت مبادرة عربية وبإجماع عربي في قمة بيروت ومازالت الجهود العربية مستمرة لحلحلة القضية من أجل سلام شامل وعادل للمنطقة.
ومن المعروف أن الظروف السياسية في حالة تغير دائم لمعطياتها لذا نجد أن الجهود التي بذلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس محمود عباس بدأت تعطي ثمارها فعادت العلاقات السعودية والفلسطينية مع الولايات المتحدة الى التحسن بعد زيارة كل من جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس محمود عباس اليها وظهر ذلك جليا صيف هذا العام، ويرجع هذا الفضل الى تفهم وبعد نظر القيادتين.
ومن هنا نوجه الدعوة الى المليك المفدى عبدالله بن عبدالعزيز للقيام بمبادرة شخصية تجاه الفلسطينيين في المملكة العربية السعودية لتجنيسهم إستكمالاً لمبادرته الكريمة في قمة بيروت ولاسيما أن القيادة الفلسطينية الجديدة أكدت أكثر من مرة وعلى لسان رئيسها محمود عباس في خطابه يوم 09/08/2005م أمام المجلس التشريعي " أن تجنيس الفلسطينيين في الدول العربية لا يعني توطينهم وأكد أثناء خطابة بقوله : ليس عندنا في القانون ما يحرم ازدواجية الجنسية، فالفلسطينيون في الضفة الغربية لديهم جواز السفر الأردني وكذلك الفلسطينيون في الأردن والفلسطينيون في الولايات المتحدة لديهم أيضاً جواز سفر أمريكي ولا أعتقد أن أحدا ينسى وطنه بجواز السفر.
وشدد أبو مازن على أن مصير اللاجئين لا يتم بالتوطين، نافيا أن يكون هناك قرار في الجامعة العربية برفض تجنيس الفلسطينيين في الدول العربية مشددا على أن هناك توصية وليس قرار. "
ومن اللافت للنظر أن الحكومة الأمريكية تبذل جهوداً جبارة من أجل تحسين الأحوال المعيشية للفلسطينيين في الدول العربية إيماناً منها بالأوضاع الإنسانية المزرية التي يعيشونها في المخيمات وترسل الوفود ولكن دعواتها المستمرة تجابه بالرفض من معظم القوى السياسية التي لازالت تؤمن بنظرية المؤامرة التي ينبغي أن تتخلص من تبعاتها التي أفرزت الإرهاب في كل مكان وزادت من التخلف والتمسك بأهداب الماضي دون التطلع الى غدٍ واعد ومشرق ينتظر عالمنا العربي في ظل السلام العادل والشامل هذا إن تحقق.
وسبب الدعوة هو ما يحظى به هذا المليك المفدى من ثقل في العالمين الإسلامي والدولي ولعل ذلك يكون مقدمة لتحسين الأحوال المعيشية لإخواننا في العقيدة والدين والإنسانية في كل مكان من هذا العالم الفسيح ولو ألقينا نظرة على الأحوال المأساوية التي يعيشها هذا الشعب سواء تحت الإحتلال أو في مخيمات الشتات التي سوف نستعرض بعضاً منها للتذكرة لأن الذكرى تنفع المؤمنين.
ولا يخفى على الكثير أن الفلسطينيون يعيشون في مخيمات كالزرائب ويُفرض عليهم ما يُشبه الحجر الصحي ويُمنعون من ممارسة أبسط أنواع المهن فإلى متى سيستمر هذا الوضع ؟
إن الفلسطينيون يعانون من المرارة والقسوة على الحدود العربية ويُعامَلون بطريقة مأساوية فإلى متى سيستمر هذا الوضع ؟
وهنا نوجه السؤال الكبير الى زعماء العالم العربي لنقول لهم أليس التجنيس هو الحل الأمثل لتخفيف المعاناة عن هذا الشعب العربي المسلم ؟
إن الشعور العام لدى الفلسطيني في عدم إسقاط حق العودة ولكنه يتساءل متى سيعود ؟
موضوع اللاجئين موضوع شائك ومعقد ويشكل لب الصراع في المنطقة وهذا الصراع الذي مازال مستمراً منذ سبعة وخمسون عاماً ومن سيء الى أسوأ وبدت تتداعى الثوابت والحقوق والمحرمات في ظل متغيرات المعطيات السياسية.
وهناك من يؤمن بأن الشعب الفلسطيني هو وحدة جغرافية وديمواغرفية سكانية واحدة لا يمكن أن يتجزأ. ومن المعروف سياسياً أن أيّ دولة في العالم تتكون من ثلاثة مكونات رئيسية هي سيادة وأرض وشعب، ولكن أين هي السيادة والأرض والشعب في ظل الهيمنة الإسرائيلية وقضية القدس مازالت الظروف مبكرة جداً في الحديث عنها من خلال المفاوضات.
وهنا يتبادر الى الذهن السؤال التالي ما الفرق ما بين التجنيس والتوطين؟
يختلف الناس في التفريق بين التجنيس والتوطين فمنهم من يقول أن التوطين يمر بعدة مراحل وهي أن يكون الضيف أو اللاجئ ملتزم بقانون الدولة المضيفة ويلتزم بقوانين العمل والإقامة ويدفع الضرائب أو الرسوم المقررة عليه في الدولة المضيفة وبناء عليه يمنح الحقوق المدنية وبعدها ينسجم مع المجتمع، الانسجام الثقافي، الانسجام الأدبي، الانسجام الاجتماعي وبالتالي يصبح مواطنا صالحا من خلال هذا الانسجام ووفقاً لقوانين الجنسية في البلد المضيف.
ولكن لابد من الإشارة الى أن الكثيرين ممن يتمتعون بالجنسية للدولة المضيفة لم ينسوا حق العودة والمطالبة بحقوقهم التاريخية ومنها ممتلكاتهم التي تركوها حين الهجرة أو المغادرة، ولهذا إقترح الرئيس محمود عباس التجنيس ومنح الحقوق المدنية طبقاً لمعظم التشريعات الدولية ومباديء حقوق الإنسان.
أما المعارضين لهذا الرأي ينبع من خوفهم وإعتقادهم بأن مبدأ التجنيس هو التنازل عن حق العودة معللين ذلك بالتأكيد على أنه لا يمكن أن يقبل لا الطرف الإسرائيلي ولا الطرف الفلسطيني ولا أي طرف عالمي ودولي بأن هؤلاء لاجئون ولهم حق العودة.
والرد على هؤلاء نستنتجه من دعوة شارون يهود فرنسا بالهجرة الى إسرائيل التي أدت الى أزمة سياسية بين إسرائيل وفرنسا مالبثت أن إنتهت بعد الزيارة التي قام بها شارون الى فرنسا وكذلك من اليهود أصحاب الجنسيات الأوروبية اللذين أسسوا دولة إسرائيل.
والبعض قال الفرق بين التوطين والتجنيس، أن التوطين هو التسليم بالتنازل عن حق العودة من قِبَل اللاجئين الفلسطينيين، أما التجنيس فهو أن يَحمل الفلسطيني جنسية أي بلد يقيم فيه لينال حقوقه المدنية كما يُقدم واجباته الوطنية.
وعندما نستذكر تاريخ الشعب الفلسطيني الحديث نجد أنه شعب مجزأ نصفه يعيش في فلسطين والنصف الآخر في الشتات، وفي شتى أصقاع المعمورة رغماً عن إرادته ولكنه يناضل من أجل حق العودة. ومن أمثلة الفلسطينيين اللذين يحملون جنسيات مختلفة وطالبوا بحق العودة أمثال الدكتور إدوارد سعيد وهو يحمل الجنسية الأميركية، والأستاذ حسين الطبري فلسطيني من كندا أما الشيخ رائد صلاح،والدكتور عزمي بشارة، والأستاذ محمد بركة، والأستاذ أحمد الطيبي وكلهم من فلسطيني 1948 وجميعهم يحمل الجنسية الإسرائيلية وهناك أمثلة من الدول العربية أمثال الأستاذ والصحافي المعروف شفيق الحوت، والأستاذ والصحافي سمير قصير، والأستاذ محمود سويد رئيس مركز الدراسات الفلسطينية وجميعهم يحمل الجنسية اللبنانية.
ومنذ زمن الرئيس الفلسطيني أبو عمار ناشد الدول العربية بقوله أرجوكم امنحوا هؤلاء الناس حقوقهم، ولماذا لا تعامل الدول العربية اللاجئين الفلسطينيين كما عاملت أوروبا اليهود ؟
أوروبا وفرت لليهود كل المستلزمات إحتضنتهم، حتى الدول العربية احتضنت اليهود المقيمين فيها وعاملتهم معاملة حسنة أفضل من معاملة الفلسطينيين في المخيمات الآن، فلماذا لا تعامل الدول العربية الفلسطينيين كما فعل الأوروبيون مع اليهود ؟ أليس من حق الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يطالب بتجنيس هؤلاء كي يخلص ساكني المخيمات من هذا العذاب ؟
وهناك بعض أصحاب التفكير العقلاني يتساءلون إذا كان فلسطيني المخيمات لايستطيعون صيانة مخيماتهم بحجر البطون (الإسمنت) فكيف سيسمح لهم بحمل الجنسية ومنحهم الحقوق المدنية ؟
لكن كما أسلفنا فإن المبادرات العملية الصادقة التي كان آخرها مبادرة الملك عبدالله التي سميت بالمبادرة العربية والتي إنطلقت من قمة بيروت، ستأتي ثمارها ولن يتحول الصراع الى هدية مجانية أو تنازل مجاني إلى الكيان الإسرائيلي بل سيؤكد على الحقوق الثابتة وحق العودة لمن يرغب في العودة وحق المواطنة لمن يرغب في المواطنة وهي من أكثر الأمور التي تسبب الصداع للكيان الإسرائيلي.
وتأكيد الرئيس محمود عباس في دعوته الى عدم الممانعة في تجنيس الفلسطينيين في الدول العربية يؤكد عدم إلزامية التوصية الصادرة عن جامعة الدول العربية بالرقم 1547 لعام 1959م ويؤكد على سقوطها بالتقادم ولم يبق لها إلا الشطب بتأكيد توصية جديدة تلغي التوصية السابقة وبناء على المعطيات الدولية المستجدة.
صحيح أن قضية اللاجئين تعتبر عقدة حقيقية لإسرائيل ولكن فيها سلبيات تقع على اللاجيء نفسه ولا تقع على الذي يقوم بالتنظير السياسي أمثال المطالبين بحق العودة من خلال المؤتمرات في أوروبا وفي أميركا والفلسطيني لن يذوب لأن قضيته إسلامية فيما يتعلق بالقدس وعربية فيما يتعلق بالأراضي المحتلة ولذا يتساوى الفلسطيني والعربي من أي جنسية في مايتعلق بالمطالبة بالمقدسات الإسلامية. ومن هنا جاء التأكيد على أن حق العودة حق مقدس شرعي لا يمكن إسقاطه والشعب الفلسطيني والعربي أصبح شعب واع بالمخططات التي تدور في صالونات السياسة العالمية.
ولهذا أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحث المسؤولين العرب على منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين على اعتبار أن ذلك لا يلغي حق العودة.
وبرر الرئيس الفلسطيني مطالبه بأنها تهدف أساسا إلى تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وضمان حصولهم على فرص العمل المناسبة في البلدان التي يقيمون بها، مؤكدا تمسكه بالقرار 194 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وتؤكد أوساط مطلعة أن منح الجنسية سواء العربية أو الأجنبية للفلسطينيين لا يلغي حقوقهم في العودة إلى ديارهم إن أرادوا، فتلك الحقوق تظل محفوظة طالما أنهم مقيدون في سجلات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأنروا).
يذكر أن نحو أربعة ملايين لاجئ مقيدون في سجلات الأنروا موزعون على 59 مخيما، يعيش أكثر من 1.7 مليون منهم في الأردن ويحملون جنسيتها، بينما يعيش أكثر من 1.6 مليون في الأراضي الفلسطينية ويحملون الجوازات الفلسطينية، في حين يعيش أكثر من مليون في لبنان وسوريا ويحملون وثائق سفر البلدين وباقي الدول العربية الأخرى.
ويحيي الفلسطينيون هذه الأيام الذكرى السابعة والخمسين لنكبتهم بمسيرات حاشدة وتجمعات جماهيرية أكدت التمسك بالحقوق المشروعة وفي مقدمتها تحرير الأرض والعودة إليها فهل تبادرها القيادات العربية بنفس الشعور الوطني الإسلامي الصادق وتعمل على منحهم جنسيات بلدانها لتتجلى الرغبة الصادقة في السلام وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وإنهاء عذابات اللاجئين في المخيمات.

مصطفى الغريب – شيكاجو