اعداء يتبادلون المصالح عن غير قصد

في مرحلة ما بعد 9/4/2003 ارتفعت بقوة ارصدت الاحزاب والتيارات الاسلامية في العراق، وهي حركات لا احد ينكر تأريخا طويلا تمتلكه بعضها في النضال ضد الدكتاتورية سواء اكانت اليات ذلك النضال صحيحة او خاطئة.. لكن ما لا يستطيع احد ان يتجاوزه في نفس الوقت ان تلك الاحزاب دخلت العملية السياسية بمفاهيم وآليات واساليب ضبابية غير واضحة وبعيدة جدا عن الحراك السياسي المنضّج، بحيث لم تقدم الانجاز السياسي للمساحات الجماهيرية الواسعة التي تقف ورائها.

تلك الاحزاب بعضها عمل لمصالح ضيقة وبعضها تنكّر لعامة المواطنين لا بل تنكر حتى للمناضلين والسجناء الذين قدموا التضحيات تحت لافتات رفعتها نفس تلك الحركات طيلة الفترات السابقة، حتى وصل الحال بالبعض كما ذكر احد الاعلاميين على شاشات الفضائيات بان احد السجناء السياسيين الذي كان عضوا في احد الاحزاب بعد ان اغلقت امامه جميع الابواب حينما حاول الحصول على فرصة عمل، قام بتزوير وثيقة إدّعى فيها بانه بعثيّ مقصى عن الوظيفة بسبب انتمائه لحزب البعث وبذلك حصل هذا السجين المغلوب على امره على فرصة مناسبة في دوائر الدولة بطريقة تثير علامات التعجب وتثير الاشفاق وكما قيل قديما فشر البلية مايضحك!

احزاب اسلامية لا يغيب عن بالها مشهد البؤس في مناطق نفوذها الجماهيري ورغم انها تعرف ذلك جيدا لكنها وبعد اكثر من ثلاثة سنوات لم تقدم مشروعا خدميا حقيقيا واحدا يلامس الحياة اليومية للمواطن، كما لا يوجد مبرر منطقي على الاطلاق يستطيع ان يقنع اي احد بما هو عليه حال الطاقة الكهربائية بعد سنوات من سقوط صدام حسين خصوصا ونحن في مرحلة زمنية يُعد التقدم التكنلوجي هو اكثر ملامح الحضارة المعاصرة!

واذا كان غياب الارشيف الديمقراطي وغياب الحياة المؤسساتية في العراق قد يبرر بعض تلك الارباكات فان البعض الاخر من اخطاء وتخبطات الاحزاب الاسلامية لا يشفع له ابدا تبرير من هذا النوع.

لقد استنفذت تلك الاحزاب فرصتها واصبحت ورقتها الوحيدة هي حركات التطرف والتخريب بعثية وتكفيرية، فانها وبشكل غير مباشر لازالت تحافظ على الرصيد الجماهيري لعدوتها من الاحزاب الاسلامية الشيعية، بحيث كلما ازدادت وتيرة التخريب يزداد تمسك الجماهير في تلك المناطق بالاحزاب والحركات الاسلامية، خصوصا في ظل غياب البديل الناجح ( من وجهة نظر المواطن على الاقل ) وبمجرد ان يشعر المواطن بتوفر البدائل والخيارات الاخرى سوف يعلن الاسلاميون افلاسهم من الاصوات بعد مرحلة عكست ضحالة وسذاجة قياداتها في ادارة الحكم، وبذلك تكون حركات التخريب قد قدمت خدمة كبيرة للاحزاب الاسلامية عن غير قصد، وفي المقابل من جانبها ايضا وفرت الاحزاب الاسلامية بما خلفته من تراكمات الاخطاء وفرت مبررات ولو غير منطقية لجماعات التخريب تستقطب الجماهير التي تتعاطف معها.

حقا انها هي قصة عداء من نوع غريب

جمال الخرسان

كاتب عراقي

mosawi_gamal2hotmail.com