الجغرافيا التاريخية لمملكة بيت عديني الآرامية
Beth-Eden)، Bit-Adini )
بيت عدن أو عديني من أهم الممالك الآرامية التي تجمعت في المنطقة الغربية من بلاد ما بين النهرين خلال القرن العاشر ق.م، على جانبي الفرات الأوسط فوق فم الخابور إلى الشمال من كركميش Carchemish (جرابلس حاليا) نحو دجلة، في منطقة شكلت حصنا دفاعيا لمنطقة سوريا أمام الآشوريين لسيطرتها على أهم نقطة عبور طبيعية من نهر الفرات في بقعة إستراتيجية على طول الطرق التجارية و العسكرية من المشرق إلى ما بين النهرين.
و هي مرتفعة إلى جانب كونها خصبة، بين ساجور Sajur و أربان سو Araban Su، عاصمتها تل بارسيب Til Barsip (قرب تل احمر الحالي)على الضفة اليسرى للفرات، عرفت سجلات تل العمارنة باسم اشتاتا ( Ashtata )، و باستقلال ظاهري بقيت بيت عديني آخر الممالك التي انهارت أمام الآشوريين، أخوني Akhuni ملك بيت عديني كان قادرا على تأليب الممالك الآرامية ضد الآشوريين، حيث شكل تحالفات مع ملوك الآراميين ضد آشور، ليوجه له شلمناصر الثالث العديد من حملات التأديب التي ألحقت بها الهزائم لكنها لم تثن عزيمته عن الاستقلال و التوسع، قبل أن تنهار مملكته على يد شلمناصر في أيار سنة 856 ق.م. بعد قتال دام ثلاثة أيام، لتصبح بيت عدني تابعة كليا لآشور و ليطلق عليها اسم كارشلمناصر ( أي قلعة شلمناصر).
في التل الرئيس لنمرود تم اكتشاف مسلة شلمناصر الثالث التي كانت من الرخام الأسود، و محفوظة في المتحف البريطاني، و التي توثق بالمسمارية فتوحاته، حيث يسمى أخوني بابن عدن و يقول في المسلة بأنه عبر إلى بيت عدن في السنة الثانية لحكمه، ليدخل المدينة بعد فرار أخوني منها معينا وجود بيت عدني على الجانب الآخر الأعلى للفرات، على ضفافه المرتفعة.
لتؤكد التوراة؛ في الملوك الثاني و إشعيا، و حزقيال، و عاموس؛ على ذكر بعض الأحداث التي مرت ببيت عديني علاوة على ما تميزت به هذه المملكة من منتجات و خيرات، و قوة حاكمها، و تحصين المملكة، علاوة على خرابها.
التوراة: جنة آدم، أم بيت عديني!
سنرى الآن نوعا من الخلط بين جنة عدن الخاصة بآدم، و جنائن مملكة بيت عديني التي تلى وجودها ككيان سياسي فترة التوراة، و لتصير نموذجا للفكر التوراتي عن جنة آدم بسبب التشابه في التسمية أو بسبب خيرات المنطقة التي كان يسكنها بيت عديني، أو قد يكون منشأ الخلط في مقارنة الصورة الذهنية المتكونة لدى نساخ التوراة و مترجموها (في بلاد الرافدين) بين بيت عديني و جنة عدن ( آدم)، هذا الخلط لم أجد من وقف عنده من التوراتيين ( علماء الآثار الذين يقرءون الآثار بحسب التوراة، أي يطابقون الأثر المادي على النص الديني مغلبين صحة الأخير بعلاته على الأول)، بل تاه الكل فيه و انساق من خلف سرابه.
سفر التكوين الثاني يذكر جنة آدم: 8 وغرَسَ الرّبُّ الإلهُ جنَّةً في عَدْنٍ شَرقًا، وأسكنَ هُناكَ آدمَ الذي جبَلَهُ. 9وأنبتَ الرّبُّ الإلهُ مِنَ الأرضِ كُلَ شجرَةٍ حسَنَةِ المَنظَرِ، طيِّبةِ المأكَلِ، وكانَت شجرةُ الحياةِ وشجرةُ معرِفَةِ الخيرِ والشَّرِّ في وسَطِ الجنَّةِ. 10وكانَ يخرُج مِنْ عَدْنٍ نهرٌ فيَسقي الجنَّةَ، ويتَشَعَّبُ مِنْ هُناكَ فيصيرُ أربعةَ أنهارٍ، 11أحَدُها اَسْمُه فيشُونُ، ويُحيطُ بِجميعِ أرضِ الحَوِيلَةِ حَيثُ الذَّهَبُ، 12وذهَبُ تِلكَ الأرضِ جيِّدٌ. وهُناكَ اللؤلؤُ وحجرُ العقيقِ. 13واَسمُ النَّهرِ الثَّاني جيحُونُ، ويُحيطُ بِجميعِ أرضِ كوشٍ 14واَسمُ النَّهرِ الثَّالثِ دِجلَةُ، ويجري في شَرقي أشُّورَ. والنَّهرُ الرَّابعُ هوَ الفُراتُ.
في البداية نجد أن الجنة موجودة في الشرق، دون تحديد شرق أي مكان، و نهر الماء الموجود هو واحد يتفرع لأربعة تنحدر من حولها، دجلة و الفرات، سيحون/ فيشون يحيط بجميع ارض الحويلة؟!، جيحون يحيط بأرض كوش ( كوش العراق و ليس السودان) دجلة يمر شرق أشور، و من تحديد دجلة بات المكان أقرب للتصور في ما بين النهرين ( أرض السواد، العراق كما بينت معاني الكلمة في العربية).
إلا أن تكرار ذكر عدن منسوبة لمملكة بيت عديني، يقيد الجنة بمكان هذا الإقليم السياسي و الثقافي من فترة لاحقة لجنة عدن و للطوفان الذي أغرق الأرض، لتأتي مقرونة بالإقليم الجغرافي لممالك جوزان Gozan و حران و راصف، و حماة و أرفاد الآرامية، حاليا في شمال غرب العراق، شمال شرق سوريا، جنوب شرق تركيا.
وصف جنة آدم التوراتية
مكان بهيج مغروس فيه الشجر و يخرج منها نهر جاري غير مسمى يخرج منها ليتفرع إلى أربعة أنهر مسمية، تجري من حولها، سكانها أدم و حواء، طردا منها إلى الشرق، فيها شجرة الحياة و المعرفة، واقعة بين أنهر (بلاد الرافدين)، فيما قايين يطرد إلى أرض نود، و شرقا أيضا؛ فهل شرقا هي شرق الجنة، أم شرق آشور؟.
لا ندري كيف اتفق أن يكون الثمر متوافرا في النص ( من جميع شجر الجنة تاكل) فيما الهدف من إسكان آدم في الجنة ( ليفلحها و يحرسها)؟ ليفلحها لمن مادام الثمر موجودا و هو وحيد، و يحرسها ممن؟ الأمر الثاني فيما لو سلمنا بحاجة آدم للزراعة، نكون قد تجاوزنا مرحلة الصيد، حيث آدم هنا نباتي، ثم بعد الطرد يعرف آدم كيف يوقد النار حيث هو يخبز(بِعَرَقِ جبينِكَ تأكلُ خبزَكَ )!.
بيت عديني في التوراة هي الجنة أيضا!
ففي الملوك الثاني و إشعيا و حزقيال وعاموس ورد اسم مملكة بيت عدني الآرامية على انها صارت أثرا بعد عين، و انها منطقة رخاء، و من بعد صار يتيمن بالتسمية باسمها:
في سفر الملوك الثاني و إشعيا يرد اسم بيت عدني على انه من الأمم المهلكة ( سفر الملوك الثاني 12:19، مكرر في إشعيا 12:37): (12والأمَمُ التي أهلكَها آبائي هل أنقَذَتْها آلِهَتُها، كجوزانَ وحارانَ و راصَفَ وأبناءِ عَدنَ الذينَ في تَلسارَ؟ 13أينَ مُلوكُ حماةَ و أرفادَ ومدينةِ سَفروايِمَ و هَينَعَ و عُوَّةَ؟ ).
و في سفر حزقيال نرى أن بيت عدني ترد باسم عدن، و توصف بأنها تاجرت إقليميا بالمنسوجات و السجاد الفاخر. (حزقيال 23:27): ( 23حرّانُ و كِنَّةُ وعدنُ وشَبا وأشُّورُ و كلمدُ تاجروا معَكِ. 24هُم تاجروا معَكِ بالأنسجةِ الفاخرةِ، بالثِّيابِ الزَّرقاءِ المُطرَّزةِ، وبالنَّفائسِ مِنَ السَّجادِ المُزركَشِ المَفتولةِ خيوطُهُ ) )
في سفر عاموس نجد أن حاكم بيت عدن ملك متمكن (عاموس 1: 5):(وأكسِرُ مِزلاج دِمشقَ وأقطَعُ السَّاكنينَ مِنْ بِقاعِ آونَ والقابِضَ على الصَّولجانِ مِنْ بَيتِ عَدْنٍ. ويُسبَى شعبُ أرامَ إلى قيرَ. هكذا قالَ الرّبُّ.) )
كما ورد اسم عدن في مراثي التوراة رمزا لكثرة الخصوبة مع تمييزها عن جنة الرب، كما في( إشعيا 51: 3): (الرّبُّ يُعزِّي صِهيَونَ.يُعَزِّيها على كُلِّ خرَابِها، و يَجعَلُ قِفارَها كعَدنٍ، وصحراءَها كجنَّةِ الرّبِّ. فيَعودُ إليها الفرَحُ والسُّرورُ، وتَنطَلِقُ بالحَمدِ وصوتِ النَّشيد ).
معطيا صفة مميزة لجنة عدن بكونها عامرة خضراء محصنة!، (حزقيال 35:36): (يومَ أُطهِّركُم مِنْ جميعِ آثامِكُم وأُسكِنُكُم في المُدُنِ الخرِبةِ فتبنونَها. 34و تفلَحونَ الأرضَ المُقفِرة، بَعدَ أنْ رآها النَّاسُ خرابًا، 35يُقالُ: صارَت هذِهِ الأرضُ المُقفِرةُ كجنَّةِ عَدْنٍ، وصارَتِ المدُنُ الخرِبةُ المُقفِرةُ المُتهدِّمةُ حصينةً مَسكونةً، 36وتعلَمُ الأمَمُ التي أُبقيت مِنْ حَولِكُم أنِّي أنا هوَ الرّبُّ بَنيتُ ما كانَ مُتهدِّمًا وغرستُ ما كانَ مُقفِرًا. أنا الرّبُّ تكلَّمتُ وفعَلتُ).
فيما عدن يصير اسم علم مذكر:
الأخبار الثاني (12:29، 15:31) يرد اسم عدن مرتين كاسم علم مذكر(عَيدنُ بنُ يوآخ مِنْ بَني جرشونَ؛ يُعاوِنُهُ عَدَنُ وبنيامينُ و يَشوعُ وشَمَعْيا و أمَرْيا و شَكَنْيا في تَوزيعِ الحِصَصِ بأمانَةٍ على أنسِبائِهِمِ الكهَنةِ اللاَويِّينَ في مُدُنِهِم).
لهذا السبب وجدنا العالم الألماني كلاوس شميت قد خلط بين عدن آدم، و بيت عديني، حيث أنه تجاوز المنطق بتعيينه موقع بيكلي تبه التركي بحسب وقائع سياسية و ثقافيه حدثت بعد 9 ألاف سنة، و هذا أشبه بتجنيسنا آدم بحسب التسميات السياسية الحديثة، أو أن نقول عنه انه كان يهوديا أو نصرانيا!.
تنويه: حصل خطا ونشرنا القسم الرابع قبل القسم الثالث الذي ننشره الان. فعذرا من الكاتب والقراء.
التعليقات