أهم الأسباب الحقيقة التي تقف وراء الإرهاب النابع من العالم الإسلامي، وهي تتسم بالواقعية والرؤية الصائبة لبيان جانب من أهم الجوانب المتعلقة بظاهرة الإرهاب التي اتخذت لنفسها أشكالا قاسية للتعبير عن حالة الرفض المطلق التي تستند إليها في قواعدها الفكرية ومفاهيمها الدينية والسياسية، والبعيدة كل البعد عن العقلانية والتفكير المنطقي والمنهج الصائب للإنسان السوي، |
انطلاقا من هذا المدخل، عندما نتجه لدراسة ظاهرة الإرهاب والعنف الديني والقتال الطائفي الذي أخذ بوادره إلى البروز في واقعنا الراهن، نجد أن هذه الظواهر سيطرت على المنطقة منذ أكثر من عقد وبرزت كعامل اضطراب وعدم استقرار ومصدر قلق متسم بالخطورة في حياة مجتمعات وشعوب المنطقة، خاصة منها التي ظهرت في الشرق الأوسط، في أفغانستان والعراق و فلسطين وبعض الدول العربية والإسلامية.
وعندما نتعمق في دراسة ظاهرة الإرهاب للحركات الإسلامية المتطرفة المتسمة بالفكر التكفيري، نجد أن ظهورها تعود إلى أسباب عديدة ندرجها لاحقا، ولكن المؤسف فيها أن رجال الساسة والدين في المنطقة لا زالوا غير قادرين على تحديدها وتعيينها بشفافية وعقلانية وحكمة للسيطرة عليها، لإعادة المسار العام للحياة إلى طبيعتها السوية التي انقلبت إلى جحيم بفعل الإرهاب، مسار يكون أساسا لبناء وتقدم الإنسان لتحقيق النماء والتنمية لتغيير وتحسين الحياة نحو الأفضل للعيش بكرامة والشعور بالانتماء الصادق للمجتمع الإنساني الذي بدأ تترسخ مفاهيمه في حياتنا المعاصرة الجديدة.
ولكي نكون على دراية تامة لهذا الأمر فان الولوج في معرفة الأسباب الحقيقية لظاهرة الإرهاب والعنف الديني للحركات الإسلامية التكفيرية وكشفها بلسان مبين وبرؤية بعيدة عن التعصب وقريبة عن الانفتاح الفكري من منطلق الإيمان بقدرة الإنسان على التجديد ومسايرة الحياة المعاصرة التي أخذت تتحقق فيها قفزات هائلة من التقدم والتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي لخدمة المجتمع الإنساني، فان الدخول في بيان الأسباب الحقيقية لظاهرة العنف الديني في الإسلام والكشف عنها ستكون من العوامل المساعدة لتحديد المشاكل والبدء في البحث عن الحلول والبدائل السليمة لها التي تساعد جميع الأطراف للخروج منها، من هذه الأزمة الخانقة التي تعيشها المنطقة، لإرساء حياة جديدة متسمة بكل معاني الإنسانية.
وجملة الأسباب التي نذكرها لا تعني أنها مبنية على أساسيات ثابتة، وهي تمثل وجهة نظر لا أكثر، أخرجت بعناية أساسها العقل وركنها المنطق، ليكون رأيا صادقا لكل من يهمه الأمر في مجتمعاتنا الشرق الأوسطية التي أخذت تعاني من مرارة هذه الظاهرة التي انقلبت عليها لتعكر حياة أفرادها وجماعاتها بدموية عنيفة، لا يقبل بها رب العرش العظيم الذي جعل من الإنسان خليفة له على الأرض، ولكن بالرغم من هذا التقدير العالي يبدو أن بعض هذا الإنسان قد تاه عليه الدرب فاصبح تائها وضائعا حاملا سيفا دمويا لنشر الرعب والقتل لحياة يفنيها لنفسه قبل أن يفنيها من الآخرين ليتعلق باطلا بأمل لا وجود له لا على الأرض ولا في السماء حسب الإسلام وحسب شرائع الأديان السماوية، أمل ناتج من يأس الحياة التي يعيشها، يأس لازم الأفراد من أهل الإرهاب لا يبارحهم، يأس دخل في عقولهم قبل أن يدخل في نفوسهم، يأس يعاني منها الجميع كبارا وصغارا، يأس لا يلعب به غير كائن وحيد هو الشيطان بعينه الذي نذر نفسه لكل ما هو غير إنساني وكل ما هو شر على الأرض وفي السماء.
لبيان هذه الظاهرة، ولبيان الأسباب الحقيقة للإرهاب في العالم الإسلامي، نطرح ونكشف الأسباب التي تقف وراء بروز هذه الظاهرة ووراء هذا الأسلوب غير المنطقي للتعبير عن رفض الحياة بهذا الشكل الفوضوي المتسم بالدمار والخراب للحياة، و الأسباب التي نبينها نأمل أنها تفتح بعض الطريق أمام الساسة والمعنيين وأهل الدين والعلم لمعينتهم على إيجاد معالجة فاعلة لهذه الظاهرة الفتاكة في حياة المسلمين، علما أن بعض هذه الأسباب قد يكون معلوما للجميع ولكن البعض منها قد تكون جديدة وغريبة على الاستيعاب، والأسباب هي :
أولا: استغلال الإسلام كوسيلة سياسية لتحقيق أهداف مرتبطة بمصالح دول كبرى لا علاقة لها بشعوب ودول المنطقة، كما حصل في أفغانستان أبان الاحتلال الروسي حيث بنيت المقاومة على أرضية انتحارية إسلامية مخابراتية مخططة لها من دوائر استخباراتية دولية، وبمشاركة الدول الخليجية خاصة إحدى الدول منها التي قام بدور أساسي ورئيسي في رفد المقاومة في أفغانستان بالمال والرجال وبالأسباب الدينية الشرعية من قبل رجال دين تفرغوا لهذه المهمة، وهذا ما ولد رؤية فقهية سلفية مميتة منغلقة، خارجة من دهاليز مظلمة في متاهات الشريعة والفقه، كانت مودعة جنبا على مر قرون طويلة، لم تكن ملزمة حسب اعتقاد أغلب رجال الفقه الإسلامي.
ثانيا: المساهمة الفعالة لبعض الدول العربية على المستوى الحكومي وغير الحكومي برفد الساحة في أفغانستان بالمال والرجال في السابق، وفي العراق حاليا، على أساس محاربة المحتل لديار الإسلام، ورضوخا منهم إلى سياسة مرسومة لهم ومخططة من قبل دوائر معينة، فتولد من هذا الرفد مجاميع دينية متشددة متسمة بالعنف نزعت من قلوبها الرحمة وفرغت من نفوسها المحبة، نفوس لا تعرف للحياة غير العنف مسلكا، ولا للنفوس غير القتل طريقا، صدور لا تعرف للإنسان غير التقطيع والنثر مع شظايا السيارات المفخخة ومع شظايا لحوم النفوس الشيطانية التي تدفع بحياته في مهب الريح حالما انه يلج جنة أعدت لهم بأمر من شياطين الأمراء الذين تربوا في دهاليز ظلام دامس لا حياة فيها ولا إنسانية.
ثالثا: ولوج أفراد وجماعات معزولة ومحاربة من قبل حكوماتهم بسبب القمع السياسي والفكري والديني في بقاع مختلفة من العالم الإسلامي، في منظمات ومجموعات حركات إسلامية متشددة لمحاربة أعداء من دول ومن ساسة ومن قيادات متهمة باطلا، حسب معايير الإرهابيين، بالليبرالية والكفر والإلحاد، مما ساعدهم على خلق شبكة متعددة الأطراف ممتدة في اغلب أرجاء العالم، قوية مدعومة بضخ المال لها على الدوام من مصادر عديدة، مسنودة بكافة الإمكانيات والتقنيات الحديثة، خاصة الاتصالية ووسائل التفجير ومواد التدمير منها.
رابعا: انغلاق حكومات الدول في المنطقة على نفسها وإيمانها المطلق بملكية سدة الحكم لها ابد الدهر، واللعب المهرج بمصير شعوبها وغلق أبواب الانفتاح والتطور أمامها، مما خلق حالة من النفور التام بين الشعب والسلطة، لاسيما وأن هذه الحكومات المتحكمة بشعوبها في بقاع العالم الإسلامي، لا تعرف عنها نوعية منهج الحكم فيها، لا تطوير فيها ولا تجديد في مفاهيم الحرية وحقوق المواطنة، شعوبها فاقدة لحريتها، غير حاسة بإنسانيتها، ولا شك أن بيئة بهذه السمات يتولد فيها إنسان محروق لا يتولد لديه إحساس ولا شعور بالأمان ولا إحساس بالانتماء للإنسانية، وبيئة العالم الإسلامي في الشرق الأوسط نموذج صارخ لهذا الوسط الدامس، فتولد فيها على الأغلب فيها أناس مصنوعين من العنف، متربين على الموت والقتل، مفرغين من الأحاسيس الإنسانية الجميلة، مغلفين باليأس والقهر والغدر، محكومين بالطاعة العمياء والانتماء للفكر الغيبي غير العقلاني.
خامسا: سيطرة رجال الدين في المجتمعات الإسلامية على إشاعة الأفكار الغيبية المتعلقة بالجنة والنار بطريقة سلفية بعيدة كل البعد عن حقائق العلم والحياة المعاصرة التي خلقت واقعا حياتيا تختلف كل الاختلاف عن عصور مضى عليها الدهر، باتت من أساطير الماضي، وعدم تجديد وإصلاح الفكر الديني السائد في المنطقة، وعدم جرأة رجال الدين المنورين على العمل للتغيير والتجديد في التشريع الديني وإشاعة فكر جديد متسم بالعقلانية والعلم والفكر الإنساني لإنارة أفراد المجتمعات الإسلامية والشرقية بمفاهيم جديدة مفتوحة تساعد على استيعاب مفردات الحياة المعاصرة بعقلية حكيمة.
سادسا: عدم توفر مقومات الحياة في لأغلب المجتمعات الإسلامية والشرقية المتسمة بالفقر الشديد، مما تتولد منها بيئة غير سوية لنمو وترعرع الإنسان فيها، واتسام أنظمة الحكم فيها بالفساد الرهيب الذي يضع السلطة في برج عالي ويضع الشعب في ربع خاوي، وفقدان العدالة فيها، وغياب الشفافية ومفاهيم التوزيع العادل للثروة الوطنية، وسيادة طبقة حاكمة تتسم بأقلية قليلة تتحكم بكل موارد الدولة والمجتمع أمام أغلبية فقيرة من الشعب تعيش في واقع فقير لا وجود لأبسط مقومات الحياة فيها.
سابعا: المحاولات المستمرة لرجال الدين في المذهب الوهابي في الخليج باستغلال موسم الحج لنشر فكرهم بين وسط الحجاج القادمين من بقاع العالم المختلفة من خلال الندوات والكراسات والكتيبات والمنشورات الدينية الخاصة بالوهابية التي تتسم بعقيدة سلفية لا يعترف بالمذاهب الإسلامية الأخرى خاصة الشيعة من المذهب الجعفري، وبذل جهود حثيثة للمراجع المالية والدينية لهذا المذهب بنشر دعوتهم بصورة غير مباشرة بواسطة المنظمات والرابطات الخيرية الإسلامية التي تعمل تحت واجهة البرامج الإنسانية، و تمويل المدارس الدينية التي تتبنى هذه الوجهة الدينية بالمال والإمكانيات كما هو حاصل للمدارس الدينية في باكستان، التي أصبحت آلة لتفريخ أجيال من الشباب المتشددين فكريا ودينيا.
ثامنا: الغرز المستمر للثقافة الدينية الإسلامية المتسمة بالغيبية من قبل رجال الدين وخطباء المنابر في عقول المسلمين، خاصة منهم الشباب وذلك بغرز أحلام الجواري والحوريات في الجنة كثواب للجهاد في عقولهم من خلال عملية غسل دماغ بارعة لإزالة كل ما هو عقلاني وإحلاله بكل ما هو غيبي لصنع إنسان لا إرادة ولا قوة له.
تاسعا: ترسخ ثقافة عقائدية سلبية بعيدة كل البعد عن المنظورين الإنساني والعلمي لبيان حقائق الأمور بحقيقتها المجردة في الحياة وفي هذا الكون العظيم الذي نحيا فيه في ومضة زمنية عابرة تتجلى فيها قدرة الرحمن الرحيم الذي quot;لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدquot;، وقصور كبير في الثقافة العلمية السائدة في المنطقة، واتسامها بعدم القدرة على التحليل والتفسير والبيان لحقائق أمور الحياة والواقع الذي نعيشه، بسبب عدم إرساء تقاليد الاحترام والتقدير لهذه الثقافة التي احتلت الركن الأساسي في تقدم وتطور المجتمعات من بدائية عميقة الجذور إلى تحضر متسم بالمدنية في السلوك والتفكير المستند إلى العقلانية والمنهج المعتمد على الحقيقة الساطعة والبرهان العملي التطبيقي، مدنية وفرت للإنسانية سبل حياتية معاصرة لينعم الإنسان فيها بالنماء والرخاء والسعادة.
عاشرا: غياب فكرة الإصلاح بمفهومها الشمولي والجزئي عن أنظمة الحكم العربية والإسلامية، وعن المراجع الدينية المذهبية الإسلامية، وعن النظم التربوية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة في المنطقة، ومراوحة هذه النظم في مكانها دون تطوير ودون وتجديد، مما تولد منها بيئة غير سليمة لإنتاج مخلوقات إنسانية غير مدركة وغير واعية للمفاهيم الجديدة السائدة في الحياة المعاصرة.
هذه باختصار، أهم الأسباب الحقيقة التي تقف وراء الإرهاب النابع من العالم الإسلامي، وهي تتسم بالواقعية والرؤية الصائبة لبيان جانب من أهم الجوانب المتعلقة بظاهرة الإرهاب التي اتخذت لنفسها أشكالا قاسية للتعبير عن حالة الرفض المطلق التي تستند إليها في قواعدها الفكرية ومفاهيمها الدينية والسياسية، والبعيدة كل البعد عن العقلانية والتفكير المنطقي والمنهج الصائب للإنسان السوي، ولا شك أن هذه الأسباب قد تختلف في أشكالها ومظاهرها من بقعة إلى أخرى، ولكنها تتلاقى في جوهرها وأساسياتها، لذا نأمل أن تكون هذه الرؤية مفيدة ونافعة لمن ينظر بمسؤولية وحيادية إلى هذه الظاهرة الخطيرة التي أربكت العالم الإسلامي إرباكا كبيرا، والذي دفع من جرائها ضحايا كبيرة في الأرواح والممتلكات، وتركت على المجتمع الدولي آثارا سلبية كبيرة لا زال يترنح من وطئتها دول وشعوب كثيرة، خاصة منها العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان وأمريكا وبريطانيا وأسبانيا.
في الختام نأمل أن يكون العقل سيد المواقف وأساس المراجع لاستخلاص العبر من مسألة الإرهاب للخروج بواقع جديد متسم بالتسامح والتعايش المشترك والإيمان بتنوع الأفكار والأديان والمذاهب والأجناس التي تتجمع كلها تحت خيمة واحدة وهي خيمة البشرية التي نشترك فيها جميعا بعقولنا وقلوبنا ومشاعرنا الإنسانية.
د.جرجيس كوليزادة
[email protected]
التعليقات