21 أيار (مايو) 2006 تاريخ لا ينبغي أن يمر مرور الكرام على الناطقين بالعربية حول العالم، ففي هذا اليوم تحتفل إيلاف بعيد ميلادها الخامس. شهد عام 2001 مولد صحيفة إيلاف كمنبر حر لكل الأصوات والتيارات والاتجاهات، جاء مولدها ليشكل نقطة فاصلة في تاريخ الإعلام العربي، حيث يمكننا اليوم تأريخ الصحافة العربية الإلكترونية بما قبل إيلاف وما بعدها، مما يجعلني أفخر بشدة بالانتماء لهذا الصرح الإعلامي أولاً كقارئ عشق إيلاف منذ مهدها وثانياً ككاتب سنحت له الفرصة للفضفضة ببعض آلام شعوبنا عبر صفحات إيلاف.

الصحافة الإلكترونية في مرحلة ما قبل إيلاف كانت مجرد محاولات فردية قام بها مستنيرون، ولكن لم يكتب لمعظمها النجاح لعوامل عدة لسنا بصدد مناقشتها في هذا المقال. أما الصحافة الإلكترونية في مرحلة ما بعد إيلاف فهي مختلفة تماماً نجحت في الانتقال بالقارئ العربي أولاً من مرحلة الصحافة المطبوعة اليومية او الدورية إلى مرحلة الصحافة الإلكترونية اللحظية، وثانياً من مرحلة صحافة الرقيب إلى مرحلة الصحافة الحرة. ليس أدل على هذه المرحلة من ظهور جيل جديد متميز من صحافة الرأي الإلكترونية المستقلة والمستنيرة والحرة كالشفاف والحوار المتمدن والناقد وأصداء وغيرها.

من أهم ما يميز مرحلة ما بعد إيلاف هو التوظيف المهني لتكنولوجيا الإنترنت. فعلى مستوى صحافة الخبر، الذي تبرع فيه إيلاف ربما دون غيرها، تنجح الصحف الإلكترونية الماضية في نقل ما يستجد من أخبار وكذا نشر التعليقات الصحفية على أهم الأخبار بعيد لحظات من حدوثها. أما على مستوى صحافة الرأي، الذي تتألق فيه إيلاف أيضاً، كما اتاحت الصحافة الإلكترونية الفرصة للكتاب للتواصل المباشر والسريع مع القراء بشكل لا يتوافر لكافة وسائل الإعلام الأخرى.

كذلك تتسم مرحلة ما بعد إيلاف بتقلص أو اختفاء دور الرقيب الحكومي الذي ظل يكتم على أنفاس الكتاب والصحفيين منذ عرفت المجتمعات العربية الصحافة المطبوعة في ما عدا بعض الحالات الاستنثنائية. لقد كان لإيلاف السبق في العمل الصحفي المستقل بعدما اتخذت موقفاً استراتيجياً محدداً من مراكز صنع القرار الحكومية في الدول العربية، وهو الأمرالذي منحها أبعاداً إضافياً من الحرية تبلورت في الاستقلالية والحيادية، وهو ما منح إيلاف ثقة القراء.

لعل الإقبال الجماهيري واسع النطاق على إيلاف والذي يجعل منها واحدة من المواقع الإعلامية الأكثر انتشاراً ليس في المحيط العربي فحسب، وإنما في العالم أجمع يكشف حجم الظمأ الشعبي للحرية والديمقراطية التي تغيب في معظم المجتمعات العربية. لقد فقدت الغالبية العظمى من الشعوب العربية ثقتها في الإعلام الحكومي والإعلام الحزبي وحتى الإعلام الذي يدعي الاستقلال بسبب وجود الرقابة الحكومية أو الرقابة الحزبية أو الرقابة الفردية على المواد التي يسمح لها بالظهور إلى القراء. لكن إيلاف جاءت لتعطي كل صاحب قلم الفرصة للتعبير عن رأيه بحرية وجرأة قل مثيلهما في العالم العربي.

لم تعتد الغالبية العظمى من الشعوب العربية هذا القدر الواسع من حرية التعبير، وإنما اعتمدت في استقاء المعرفة والمعلومات على مصادر أحادية الرؤية، وبالتالي فهي لم تتعرض للرأي الأخر، كما أن المجتمعات العربية لم تعرف بعد هذا القدر من الحرية الذي يسمح بنقد تابوهات مقدسة طالما عرفت بأنها فوق مستوى النقد الفكري الموضوعي. لعل حداثة العرب بحرية التعبير تفسر التفاوت الواضح في استقبال القراء لبعض ما تنشره إيلاف والذي يعد بشكل من الأشكال تمرداً على موروثات عتيقة اختزنتها العقليات العربية عبر قرون من الزمان غاب فيها التطوير واختفى عنها التنوير.

تفاوت درجات تسامح القراء مع الرأي الأخر الذي يطل به الكتاب عبر صفحات إيلاف لا يجب أن يدفع الصحيفة أو يدفعنا ككتاب للانزواء والانسحاب من الساحة، فالتغيير في البنيتين الفكرية والسيكولوجية للمجتمعات العربية يحدث بالتدريج وقد يستغرق فترات زمنية طويلة. من هنا فإنني أقدر دور إيلاف المحوري في تثقيف وإعادة تشكيل المجتمعات العربية التي تمر حالياً بمرحلة انتقالية بين القمع والحرية، والظلام والنور. أعلم أن المسئولية ضخمة، وأن الطريق مليء بالأشواك والمصاعب، ولكن الثقة تملأني في أن إيلاف والقائمين عليها قادرون على مواجهة التحديات التي ستقودنا إلى المزيد من الحريات، وستدفعنا للاستمرار في طريق النور والحرية، وستنقلنا من نجاح إلى نجاح.

تحية إلى إيلاف ووكل الإيلافيين من قراء وكتاب. وتحية خاصة لناشر إيلاف وطاقم تحريرها وإدارييها وتقنييها الذين يضربون مثلاً رائعاً في الاستمتاع بالعمل في الظل. كل عام وإيلاف وأنتم بخير.

جوزيف بشارة