الحيادية و الإستقلالية أهم أركان بنيان المؤسسة الإعلامية النزيهة
إيلاف نموذجاً

يعاني القاريء بقدر ما يعاني الكاتب و الإعلامي من الإنقسام و التحزب و حالة الإنحياز لهذه الجهة أو لذلك الحزب في الكتابات و في سياسات الجرائد و المجلات و المطبوعات سواء التي تطبع داخل العراق أو خارجه، و نفس الشيء بالنسبة للمواقع و الجرائد الألكترونية التي تتدعي غالبيتها الإستقلالية و الحيادية لكنها من غير الممكن أن تنجح في تجاهل الجهة التي تمولها أو التي تقف وراءها، أو حتى الجهات التي تخضع لها سياسياً، لعدة اسباب منها أن اصحاب تلك المنشورات و الجرائد أو المواقع الألكترونية هم في الأساس حزبيون قبل كونهم إعلاميون، و هذه هي بداية العقدة، إذ أن بإمكان الإعلامي المستقل أن يكون محللاً سياسياً منصفاً، في حين أن من غير الممكن أن ينجح السياسي الحزبي أن يكون إعلامياً ناجحاً، لسبب بسيط، و هو أنه لن يستطيع تجاهل مصلحة حزبه عند تناوله أي حدث أو قضية..
هذا الشيء يترك أثره على نوعية الخبر والمواد التي تنشر و إتجاهها و كيف و كمها، في حين أن الصحفي و الإعلامي الناجح هو الذي يتخطى كل الحساسيات الحزبية و يقف فوق كل الإتجاهات و الميول السياسية و الفكرية و الدينية.. مع أنني أشك على الدوام أن تكون هناك صحيفة أو منشور أو موقع ألكتروني مستقل تماماً، و إدعاء الإستقلالية هذا يشبه إدعاءاً آخر وهو أن البعض يقول هذه الأيام أنه يصدر جريدة أو مجلة quot;من أموال جيبهquot;، فهذان الإداعاءان أبعد ما يكونان من الصحة، إلا أنني أقول أو أميل إلى الحل الوسط و هو أن نحافظ على التوجه الحر و التوجه المستقل و فتح الآفاق أمام الأقلام الحرة و النزيهة لتعبر عن آراءها بدون خوف أو خجل، لكن في إطار أعراف و قوانين صحافية و إعلامية حضارية و وفق مقاييس صحفية متحضرة، لأن هدفنا نحن ككتاب في النهاية هو حرية التعبير، فما من ضرر أن نكتب حتى في المنشورات الحزبية شرط أن يحترم هذا الحزب صاحب الجريدة الفلانية حرية التعبير و يحترم كرامة القلم و الكلمة..
موقع إيلاف من المواقع التي تحاول منذ إنطلاقه إحترام الكلمة الحرة و الكتابة النزيهة و التي تقف دائماً بعيدة عن الصراعات السياسية، و هو نجح بشكل ملحوظ في أن يتفادى حالة معروفة لدى أصحاب بعض المواقع و هي أن يتحول الموقع إلى خندق مضاد لقومية معينة أو حزب معين.. ينتهج موقع إيلاف نهجاً حضارياً متقدماً اسوة بالكثير من القنوات الإعلامية الدولية المتقدمة التي تنشر الخبر خارج الأطر الحزبية و الحسايسيات و الصراعات القاتلة لحرية التعبير، و يصيغ الخبر وفق معايير إعلامية حديثة تتماشى مع العقلية التي ترفض قراءة الخبر التي تصاغ لأجل غاية حزبية أو مصلحة دولة بعينها..
قد يكون موقع إيلاف مدعوم من دولة أو جهة ما، هذا الشيء لا يهم القاريء إن لم يحس به أو إن لم يؤثر هذا الشيء على نوعية الخبر الذي ينشره الموقع، مادامت هناك جدية و حرية و نزاهة و إحترام الرأي و الرأي الآخر.. فمن غير الممكن إدارة مؤسسة إعلامية بدون دعم مادي، فالقاريء سيحاسب مثلما سيحاسب الكاتب المؤسسة الصحفية الفلانية إذا ما أخضعت كل ما تنشره لتوجهات الجهة الممولة، و هذا الشيء يرتبط إرتباط وثيق بعقلية الجهة التي تمول و تدعم، فهناك جهات أو دول تمول و تحتكر الخبر لصالحها، و هناك جهات أو دول تمول و تدعم من أجل دعم و ترسيخ الصحافة الحرة النزيهة و مساعدة و مساندة الأقلام الحرة و هذا الشيء إيجابي و هو مفرح..
عليه لا يهم من الذي يقف وراء دعم و مساندة إيلاف ليستمر، المهم أن هناك وجه حضاري لموقع ألكتروني متزن و نزيه يعكس صورة راقية لصحافة راقية يقف وراءها إعلاميون يعملون بإستقلالية، فكون الصحفي حزبي لا يمنع أن يصيغ الخبر بإستقلالية إذا كان يكتب بنزاهة و ينظر إلى الخبر من كل الزوايا، و ليس بالمنظار الحزبي، مع أنني أؤمن في النهاية أن الصحافة الحرة الناجحة تتطور و تستمر على أيدي صحفيين مستقلين و بعيدين عن الأجواء الحزبية أكثر مما لوكانوا حزبيين لأنني أعود و أكرر أن الحزبي قد يكون بإمكانه أن يكون محللاً سياسياً جيداً لكن لصالح حزبه، و ليس محللاً سياسياً يتناول الحدث بإستقلالية، عليه قد لا ينجح السياسي أن يكون صحفياً حراً مئة بالمئة..
من هنا عن نفسي أجد موقع إيلاف من المواقع الألكترونية الممتازة و التي تجتهد من أجل المحافظة على العلاقة الحضارية التي تربط بينه و بين الكتاب من جهة و بينه و بين قراءه من جهة أخرى، على أساس معايير إعلامية حديثة و نزيهة، و بالتالي تجد أن قراء إيلاف هم من كافة الإتجاهات و التوجهات الحزبية و الفكرية و الدينية و من كل الإنتماءات القومية المختلفة التي بإمكانها القراءة و الكتابة باللغة العربية و التواصل مع العالم من خلال الأخبار و الكتابات المنشورة على موقع إيلاف، و هذا إن دل على شيء، إنما يدل على التوجه المستقل و الحيادي الذي ينتهجه القائمون و العاملون فيه، و هذا يساعد بالدرجة الأساس على كسب المزيد من ثقة الكتاب و القراء على حد سواء و هذا الشيء نجح فيه موقع إيلاف، و هو سر نجاحه و إستمراره بكل هذا التألق، فمبروك ذكرى إنطلاق الموقع و الى المزيد من النجاحات و الإزدهار..

فينوس فائق
صحفية كوردية مستقلة
21 مايس 2006