إرتعدت فرائصي اليوم وأنا أقرأ خبرا نشرته جريدة ( الرأي العام ) ولا أدري أهي الكويتية أو العراقية، نقلا عن مصادر دبلوماسية غربية في بغداد، حول تخطيط إدارة الرئيس بوش لإحتمالات سقوط حكومة نوري المالكي، وأن مسؤولين في هذه الإدارة بدأوا بالبحث في بدائل عن الحكومة العراقية في غير الإطار الديمقراطي؟!.
طبعا المصادر التي سربت الخبر ووصفت بدبلوماسية غربية تعني في أقرب الإحتمالات، إما أن تكون أمريكية أو هي بريطانية، لأنه ليس في العراق اليوم غير هذين المصدرين على إطلاع كامل بما يجري وراء الكواليس سواء في البيت الأبيض أو 10 داوننغ ستريت من طبخات جاهزة كلما تأزمت أحوال العراق.
أما قول تلك المصادر بأن المسؤولين في تلك الإدارة يبحثون عن بدائل غير ديمقراطية، فهذا يعني ببسيط العبارة أنها ستكون دكتاتورية قد تكون رحيمة تتناسب مع تطورات الألفية الثالثة، فأنا لا أتوقع أن يعاد صدام حسين أو من يماثله الى الحكم ليكلف بتأديب الطائفيين في الدولة العراقية الجديدة،ثم يسعى لإعادة الأمور الى ما قبل التاسع من نيسان 2003 حيث كان السنة والشيعة متحابون متآخون نزع الله ما في صدورهم من غل فأصبحوا إخواناً على سرر متقابلين.
وفي الحقيقة أقولها بكل صراحة و بدون خوف أو وجل بأنني لست آسفا على سقوط حكومة المالكي، كما لم أبك من قبل على أطلال بغداد عندما سقط الجعفري في جولة الترشيح لولاية ثانية، لأن كليهما بنظري كانا وجهين لعملة واحدة، فما بدأه الجعفري من ترسيخ جذور الطائفية في الدولة، أكمله المالكي من حيث عجزه عن معالجة تراكمات الصبغة الطائفية التي طغت على ملامح الدولة العراقية الجديدة بأبهى صورها بعد وصول الحكومتين الشيعيتين الى السلطة عن طريق الإنتخابات، ولا أدري إن كان ذلك العجز عن سابق تصميم وترصد، أم بسبب الصعوبة في مواجهة الطائفية السياسية في الدولة الناشئة طالما أن مصير أي حكومة عراقية وإن كانت منتخبة أصبحت بيد الطائفيين أو دعاتها الذين يحكمون العراق اليوم.
فالكل يعلم أن الحكومتين اللتين تغلبت عليهما الأكثرية الشيعية بشرعية إنتخابية لم تكونا جادتين في إيجاد حل لمشكلة الميليشيات الحزبية في العراق، فكما يؤخذ على الحاكم المدني للعراق تحت الإحتلال بول بريمر خطأه الفادح في حل الجيش العراقي، يؤخذ على الحكومتين الشيعيتين بالقدر ذاته سماحهما بتغلغل الميليشات الشيعية الى مؤسسات وزارتي الدفاع والداخلية وهما الوزارتان اللتان تتوليان حماية العراق داخليا وخارجيا. ولعل لهذا السبب لم تتمكن الحكومتان المتعاقبتان،لا توفير الحماية لحدود البلاد الخارجية التي تسرب منها الآلاف من الإرهابيين من شتى بقاع الأرض ليصفوا حساباتهم مع الآخرين على الساحة العراقية،ولا تمكنتا من توفير الأمن والإستقرار في الداخل لأنهما أصبحتا طرفا في الصراع الطائفي الجاري داخل العراق وليس طرفا مسؤولا عن ضبط الأمور في البلد وتخفيف الصراعات، فأصبح العراق فعلا منزلقا نحو الحرب الأهلية إن لم تكن اليوم فغدا، وإن غدا لناظره قريب.
وإذا التفتنا جانبا نرى حتى حال لبنان مع ميليشيات حزب الله هو أفضل من حال الدولة العراقية مع ميليشاتها الحزبية، فعلى الأقل لم تكن تلك الميليشيات جزءا من الدولة اللبنانية، وإن نابت عنها مؤخرا في خوض حرب أقليمية كبدت البلاد مليارات الدولارات ومئات الضحايا من القتلى والجرحى،ولكن في العراق تحولت تلك الميليشيات ليس الى دولة داخل دولة بل أصبحت هي الدولة بذاتها، فهي تتحكم بالعصب العراقي من خلال السيطرة على وزارتي الدفاع والداخلية. وبناء على ذلك فقد يكون معتادا أن يتحول مصير كل بلد توجد فيه الميليشيات المسلحة المتناحرة الى ما هو عليه حال العراق اليوم. ولعل تجربة الصومال ليست بعيدة عن المشهد، وقبلها كانت الميليشيات المتحاربة في أفغانستان، فلماذا يكون العراق هو الإستثناء؟!.
لنا أن نتساءل ولو بمرارة، لماذا لا يحق لهيئة علماء المسلمين أن تكون لها كتائبها المسلحة ما دامت الميليشيات الشيعية تسعى لتغيير الواقع الديموغرافي للمناطق السنية وتقتل الآلاف من أفراد هذه الطائفة؟!..
ومما يزيد في الطنبور نغمة على حد قول الدكتور علي الوردي في كتاباته،هو ضعف الدولة التي تعجز عن السيطرة على تلك الميليشات، فكيف بها ورئيس الوزراء ومعه أعضاء مجلسه الوزاري لا يجرؤن على الخروج من المنطقة الخضراء في بغداد؟؟!!.
فما دام الحال هكذا، لماذا ندفن رؤوسنا في الرمال ونتعامى عن الحقائق الواضحة التي تبرهن لنا بالدليل الملموس أن العراق سائر فعلا نحو الحرب الأهلية؟!
فالحرب الأهلية لا تقع بين الدولة ومواطنيها، بل بين الميليشيات المتحاربة التي تستخدم الدين أو المذهب أو التمايز القومي أداة لصراع يفترض أن تكون سياسية ما دامت هناك نظام ديمقراطي!..
عليه، فأنا أعتقد إن الحل الأمريكي قد يكون الأصوب لمنع حدوث تلك الحرب في العراق، لأن الدكتاتورية هي وحدها القادرة والمؤهلة للسيطرة على الميليشيات المتحاربة،ولنا في تجارب التاريخ أمثلة كثيرة تؤكد ذلك،فالديمقراطية ونظام الميليشيات لا يتعايشان أبدا لأنهما ضدان متعارضان دائما وأبدا.
لعقود طويلة كنا نبشر العراقيين بالغد الديمقراطي، وتحقق لنا ذلك، ولكن ما أن أمسكنا بتلابيبها، حتى أعادنا الحكام الجدد الى نقطة الصفر من جديد بتناحرهم وصراعاتهم الطائفية البغيضة، ولا ندري بأي وجه نبشر العراقيين اليوم بقدوم الدكتاتورية ثانية الى بلدنا، فهل أن أصل هذا البلد معوج الى حد يصعب على ظله أن يستقيم ؟؟! لا أدري، والله لا أدري لماذا لا يستقيم هذا الظل رغم كل أنهار الدماء التي سالت من جسد العراقيين!!.
لك الله يا عراق، لك الله.

شيرزاد شيخاني

[email protected]