بعد نجاح العملية السياسية في العراق، ووضع دستور دائم بموافقة الأمة لإدارة البلاد، وإرساء المؤسسات الشرعية الممثلة بحكومة وطنية مخولة من جمعية نيابية منتخبة، بدأت اتجاه الأمور تسير نحو بناء الركائز المكملة لتعزيز العملية السياسية من خلال تدعيم العملية الأمنية لتعزيز الأمن والاستقرار، والبدء بعمليات إعادة الإعمار وإعادة تعمير البنية التحتية، وبناء المؤسسات الدستورية لبناء الدولة على أساس الفيدرالية ونظام حكم الأقاليم ومجالس المحافظات المنتخبة من قبل العراقيين اعتمادا الى الأسس العامة في الدستور العراقي الدائم.
استنادا الى هذا التوجه لدى الأطراف العراقية السياسية، من المؤمل تقديم مشروع لبناء هيكل دولة العراق الجديدة من قبل الائتلاف العراقي الموحد الى المجلس النيابي العراقي لدراسته للوصول الى الصيغة العامة لتأسيس فيدرالية الدولة للاعتماد عليها في تأسيس وإنشاء فيدراليات الأقاليم العراقية في الجنوب والوسط والمحافظات لصالح مصلحة الأمة العراقية بشعوبها وقومياتها المتعددة ومراعاة للخصوصية القومية والثقافية والمذهبية المتنوعة لدى مكونات الأمة.
وبهذه المناسبة نبين ان النظام الفيدرالي هو عبارة بالأساس عن نظام للإدارة اللامركزية وهو يشكل القاعدة الأساسية للأنظمة القائمة على الفيدرالية المبنية على الأقاليم أو إدارة المقاطعات أو الولايات أو المحافظات في المجتمعات الديمقراطية، لتميزه بمميزات ومبررات عديدة تساعد على إقامة وإرساء حكومة تتسم بالشفافية والإدارة الناجحة لتحقيق مطالب المجموعات السكانية الممثلة لها حسب مناطقها ووحداتها، لهذا ولأهمية هذا الأمر فإننا نسلط الضوء على أهم الميزات التي تتسم بها دولة الأقاليم العراقية استنادا للنظام الاتحادي الفيدرالي الوارد في الدستور الدائم في الهياكل التنظيمية والمؤسساتية الملائمة لإدارة الدولة وفق رغبة الشعب استنادا الى النهج الديمقراطي المثبت في حكم السلطة في العراق.
وهنا تبرز أهمية الفيدرالية للعراقيين بعد إرساء العملية السياسية والديمقراطية، وبعد أن عبر عنها الكوردستانيون بشفافية، خاصة بعد انتخاب مجالس المحافظات وإسناد إدارة مصالح سكان الوحدات الإدارية الممثلة بالمحافظات الى المجالس المنتخبة والممثلة لتلك الكيانات، ولهذا فإن أول ما اقترن به النظام الفيدرالي غي العراق هو النهج الديمقراطي الذي أصبح الضامن الرئيسي لتحقيق التنمية والتطور لمجتمعات الأمة العراقية التي أخذت تسلك مسلك الديمقراطية لإرساء مبدأ الشفافية وتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع مكونات المجتمع العراقي.
وضمن هذا المفهوم فإن الميزات التي تتميز بها دولة الأقاليم العراقية، هي ميزات مهمة وتحتل الأولوية ضمن اهتمامات الدولة الحديثة، ولأهميتها فإننا نبين أهم مرتكزاتها لأهميتها الإدارية والسياسية التي نتجت عن جملة من الإنجازات التي تحققت بفعل التطبيق الميداني والإداري والسياسي للأنظمة الفيدرالية في المجتمعات الديمقراطية على المستوى الدولي، والمزايا هي:
أولا: دعم الديمقراطية وضمان حقوق سكان الوحدات الإدارية من خلال مساهمة هذه الميزة في زيادة دورهم في المساهمة في ادارة مناطقهم وإيصال حاجاتهم الى المجالس المحلية المنتخبة التي تحولها بموجب النظام الديمقراطي المتبع الى سياسات وإجراءات عملية بموجب خطة مناسبة بغية تنفيذها.
ثانيا: التوازن والتوافق بين المصلحة العامة ومصلحة المجموعات السكانية من خلال التعبير عن رغباتها في اختيار الممثلين ضمن عملية انتخابات ديمقراطية، للعمل على تلبية الحاجات الأساسية للسكان وتقديم أفضل الخدمات لهم.
ثالثا: التوازن بين مصلحة دولة الأقاليم ومصلحة الوحدات الإدارية الصغيرة من خلال تنظيم العلاقات بين المستويات الإدارية المختلفة وتقسيم الحقوق والواجبات فيما بينها والصلاحيات ونمط العلاقة بين الأطراف المعنية، وضمن إطار من التنسيق والتكامل والتعاون بين المستويات المختلفة.
رابعا: الاستغلال الأمثل للموارد المحلية البشرية والطبيعية والمالية لصالح التنمية المتوازنة في المنطقة المعنية لكل المكونات والوحدات الإدارية للاقليم أو المحافظة.
خامسا: تلبية حاجات السكان المحليين في كل وحدة أدارية وخلق تنمية حقيقية تزيد من أهمية الاقليم او المحافظة والمساهمة في زيادة الدخل المحلي وتحقيق مستوى معاشي مناسب للسكان موازية للمستوى العام في البلد.
سادسا: زيادة القدرة والسرعة والمرونة في اتخاذ القرارات ومتابعة نتائجها لتنمية الوحدة الإدارية المعنية ومنح السلطة والصلاحيات لها لمساعدتها على زيادة قدرتها ومرونتها في اتخاذ القرارات المناسبة لتحقيق أهداف التنمية وتوفير الخدمات والحاجات الى سكان الوحدة او المنطقة.
سابعا: إزالة بؤر النزاعات والتوتر بين الوحدات والمجموعات السكانية لأسباب قد تتعلق في كثير من الأحيان بسوء الادارة نتيجة أسباب متعلقة بالملكية أو أسباب اجتماعية أو مذهبية.
ثامنا: حل المشاكل والمعضلات والأزمات الداخلية التي تواجه المنطقة أو الوحدة أو المجموعة السكانية نتيجة أسباب أثنية او عرقية او اجتماعية او اقتصادية أو مذهبية من خلال إشراك السكان واخذ آرائهم كحلول ضامنة لإزالة تلك المشاكل من خلال المعايشة الميدانية للواقع دون تعقيد ودون تأزيم المشكلة.
تاسعا: تلبية حاجات المجموعة السكانية أو الوحدة الإدارية وفق أفضليات تتطلب توفيرها وتقديمها لسكان تلك المناطق والإدارة المنتخبة والمتمتعة بالصلاحيات والسلطات اللازمة تكون على دراية بهذه الاحتياجات.
عاشرا: استمرارية وديمومة التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة المعنية ضمن موجبات استراتيجيات مدروسة قائمة على وضع أهداف وأولويات يحددها سكان المنطقة وفق قاعدة المتاح من الموارد والإمكانيات لتحقيق المهام ضمن سياق التنمية.
حادي عشر: تنشيط المجموعات السكانية والوحدات الإدارية المهمشة التي تعاني من نقص التطور والتنمية في إطار البلد الواحد وما تسببه ذلك من مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية، مما تتطلب الحاجة الفعلية في تنشيط اقتصاديات هذه المناطق.
ثاني عشر: زيادة مشاركة سكان الوحدات والمجموعات السكانية في وضع السياسات العامة واتخاذ القرارات وإتاحة الفرصة لهم للإطلاع وإبداء الرأي والمشاركة في الأنشطة الخاصة بتحديد الأهداف النابعة من ضرورات الحاجة للمنطقة المعنية، وتأمين التوافق والانسجام مع السياسات المحلية والاقليمية والدولية السائدة ضمن الانظمة الديمقراطية التي تخضع لحكم المؤسسات الدستورية والقانونية لزيادة دور السكان في الأقاليم ووحدات المجموعات السكانية في المساهمة في تحديد الاستراتيجيات والأهداف العامة.

بعد سرد هذا الموجز السريع للمزايا الهامة التي يتسم بها النظام الفيدرالي لدولة الأقاليم العراقية، فإن إرساء هذا النظام الإداري السياسي المرن لإدارة الدولة الجديدة قد عبر عن نفسه بصورة حكيمة وراسخة الدستور العراقي الدائم بوضوح تام في فصل الأقاليم، لذا يأتي هذا النظام ضمن الأسس الحديثة التي سترتكز عليها بناء الدولة العراقية الحديثة لضمان تلبية تطورات الحاجات الحاضرة والمستقبلية للأمة العراقية في المجالات السياسية والقومية والاقتصادية والاجتماعية.
انطلاقا من هذا المنظور فإن إرساء النهج الجديد والحديث لإدارة مكونات الدولة العراقية الاتحادية ومن ضمنها اقليم كوردستان على مستوى الأقاليم ووحدات المجموعات السكانية للمحافظات، ستشكل الفرصة الذهبية أمام العراقيين لتجاوز الآثار المتخلفة عن نظام الحكم السابق دون رجعة، وإرساء نموذج منشود وجديد لإدارة دولة حديثة قادرة على النهوض بالعراقيين من ضمنهم الكوردستانيين، لرسم عراق مشرق للحاضر وزاهر للمستقبل، ولا شك ان التجربة المريرة التي مرت بها مكونات الامة العراقية بجميع قومياتها وطوائفها على مر عقود طويلة ستجعل العراقيين على السواء على قناعة تامة بأن النظام الاتحادي الفيدرالي سيكون من الأركان الأساسية التي ستبنى عليها دولة الأقاليم العراقية الحديثة.

د. جرجيس كوليزادة
كاتب كوردي عراقي ndash; إقليم كوردستان
[email protected]