في بداية عام 1990 اخذتني المقادير لكي اسافر الى مدينة بون الالمانية، وكانت حينذاك عاصمة المانيا الاتحادية، وفي تجوالي وقعت عياني على العلم العراقي مروفعا فوق بناية وعندما استعلمت عن البناية قيل لي انها السفارة العراقية، طبعا لا يمكن لاحد ان يتخيل انني قد هرولت بشوق ولهفة الى البناية لكي اروي ضمئ الى الوطن، لان دون ذلك مخاطر كثيرة، اقلها تحقيق وتهديد واكبرها وضع في صندوق باسم بريد السفارة والى بغداد التي ما كان ستسعها الفرحة باستقبال احد ناكري نعمة الثورة وقائدها. وقفت بعيدا انظر الى هذه السفارة التي كان من المفترض ان تعلى على الخلافات السياسية وان تكون بيت العراقيين وماوهم عند الشدائد، كنت انظر للعلم العرقي ليس كرمز للوطن بل كراية اعلام وتعريف، لم اشعر تجاه هذا العلم انه يمثل كرامة وطنية ولا رمزا في وجداننا يعبر عن الحرية والتقدم والتطور والانتصار في ميادين الحياة المختلفة.
علما بالوانه الاحمروالابيض والاسود والنجيمات الخضر، ماذا يعني لي واي رمز يحاول ان يتم التعبير عنها في هذه القطعة من القماش، هل كانت حياتي وتطلعاتي مصانة وقادرا عن التعبير عنها، هل ان هذا العلم مثل شيئا من التاريخ لي، انا برغم عراقيتي واعتزازي بها الا انني امتلك هوية اخرى وهي الهوية الاشورية المقعموعة والتي لا يمكنني التعبير عنها ولا يمكنني المشاركة في العراق بها، فعلي ان اتخفي خلف الف ستار وستار لكي اعبر عن اشوريتي.
هذا العلم مستمدة الوانه من علم الثورة العربية الكبرى، جيد ولكن انا ايضا ابن لهذا الوطن اين انا من هذا العلم اذا كان يعبر بالوانه لهذه الثورة المدعاة، اين التركمان منه واين الاكراد، انه علم ايديولوجي يعبر عن تطلعات فئة سياسية معينة وهم القومييون العرب، وهل يمكن اختصار الوطن بالقومييون العرب؟ والانكى ان هذا العلم في نجومه كان يعبر عن الوحدة المنشودة بين جمهورية العراق والجمهورية العربية السورية وجمهورية مصر العربية او (الجمهورية العربية المتحدة)، اي عن طموح فاشل وليس عن انجاز باهر، فماذا يهم الغير القوميون من العرب والكرد والاشوريين والتركمان والازيدية والمنائيون وحدة لن تحقق لهم الا المزيد من التهميش والانكى يقول البعض ان هذه النجيمات تمثل الوحدة والحرية والاشتراكية، فانظروا الثلاثي الرائع، فاي وحدة تحققت، الم يزد التباعد لا بين الانظمة العربية فقط بل بين الشعوب العربية اي عرب هذه الدول، وكان كل هذا الانجاز البطولي من اعمال القومييون العرب، اما النجيمة الثانية والتي تعبر عن الحرية، فقط وصل واقعنا في العراق الى حرية ليس السلطة بل احد اركانها في ان يعمل بك ما يشاء دون ان يتم مسألته لو من باب التجميل للواقع الكريه، فالحريات الجزئية التي كنا نتمتع بها وخصوصا ممن كا يسير الى جانب الحائط على الدوام اي حرية الحياة، حتى هذه الحرية ومن هذه الفئة قد تم قضمها شيئا فشيئا فبعد ان كانت بيد الدولة واجهزتها صارت بيد القائد ومن ثم تناسلت وصار مصير الحياة كل المساكين من امثالي بيد اي واشي او منافق يرغب الصعود في مراتب السلطة، فاسهل واضمن من يمكن ان يشي بهم على انهم اعداء قائد ضرورة والثورة هم المساكين ممن لا حول لهم ولا قوة. اما النجيمة الثالثة والتي تعبر عن الاشتراكية، فهذه الوحيدة التي تم تطبيقها جزئيا فقد تم تقسيم العراق اقطاعيات لازلام السلطة وقائدها.
فاي رمز للوحدة الوطنية وللكرامة يمثل هذا العلم الذي هو بالحقيقة تمثيل لنظرة ايدولوجية شمولية للوطن، اي علم هذا الذي يمكن ان يتغير لاربعة او خمسة مرات خلال اقل من مائة عام، الا يمثل العلم رمزا موحدا في وجدان المواطنيين فكيف تم التلاعب بهذا الرمز الوجداني كل هذه المرات، الا يدل هذا التغيير المتكرر ان الكل ما كان ينظر للعلم باحترام وتقدير ولا كان يراعي مشاعر الشعب في هذه التغييرات، فكيف يمكن تغيير شئ له هذه القيمة الوجدانية، او يمثل رمز للكرامة او الحرية؟ انه سؤال مشروع من حقنا ان نطرحه.
ماذا يمثل لي هذا العلم كاشوري عراقي، فلنتفق ان العلم يمثل رمز الكرامة والحرية والمساواة، او يمثل رمزا لانتصارات تاريخية لها وقع ومكانة ومهابة لدى الشعب، انا الاشوري العراقي، كان من الصعب او المستحيل ان اجادل حول حقوقي القومية، لا بل بقرارات شفهية تم مصادرة حقي في ان اسجل في الوثائق الرسمية قوميتي فقد فرضوا على الخيار بين اثنين لا ثالث لهم على ان لا اكون اشوريا. فكل ما يمكن ان يمثله العلم هز تدمير قرانا العديدة وليس هذا فقط بل انه تم تدمير العشرات من الاديرة والكنائش الموغلة في القدم والتي يرقى عمر الكثير منها الى العصور المسيحية الاولى اي قبل ظهور الاسلام، ان العلم يمثل قتل اطفال وشباب ونساء لانهم كانوا ساكنيين في قراهم عند وقوع جريمة الانفال، ان العلم بات رمزا لابشع ممارسة لطمس الحريات والهويات القومية لغير العرب والهوية الدينية لغير المسلمين، مثال فرض تعليم تفسير القران الكريم على الاطفال جميعا دون مراعاة لحقوقهم الدينية ولرغبة اولياء امورهم، اي غرس مفاهيم قد تخالف مفاهيم دينهم في رؤسهم وتشكيكهم بمعتداتهم الدينية.
انا كاشوري قد لا يصيبني من العلم الجديد المنوي عمله واقراره الا ما اصابني في ديباجة الدستور العراقي، اي التجاهل التام لكل تاريخ وجودي على هذه الارض والتي تبلغ عمر الانسانية حيث ان هذه السنة هي سنة 6756 اشورية فتصورا كم هوقديم وجودنا وكم شاركنا في رفد العراق الحالي بما يفتخر به من الانجازات الخضارية، ففي كل مرحلة كانت بلاد النهرين منبع للحضارة كانت مشاركة الاشوريين فيه واضحة والا اسألوا واستنطقوا التقدم الحضاري في فترة الدولة العباسية كان على يد من؟
ان الضجة المفتعلة حول العلم العراقي، وبكل هذا الصوت العالي، ليست من اجل العلم بل من اجل مصالح سياسية انية، او مصالح فئوية، انها فرصة لوضع العصى في دواليب عجلة مسيرة الاستقرار والتقدم لاجل الحصول على مصالح فئوية مثل الغاء او تخفيف قانون اجتثاث البعث او مصالح اخرى عديدة، فكل المدافعين عن هذا العلم الذي يدعون انه يمثل رمز السيادة والاستقلال لم ينطقوا ببنت شفة عندما وضع الرئيس السابق على العلم عبارة الله اكبر وبخط يده، وبدون اجماع وطني او حتى قومي؟

تيري بطرس
[email protected]