إن قرار غلق مكتب العربية في بغداد، ليس حادثا شاذا أو سلوكا غريبا على حكومات المنطقة تجاه بعض القنوات الفضائية العربية. وقد تكرر مثل هذا الأمر مع قناة خليجية ثانية في بلدان مثل الأردن وتونس والعراق وغيرها من دول المنطقة، والحال مثله مع قنوات أخرى. وصحف الكترونية ومواقع انترنت.
ولكن الغرابة أن تثار ضجة حوله من قبل من لا يعجبهم أي تصرف يصدر من الجهات العراقية الرسمية أو الشعبية.
يتعجبون من quot;ديموقراطية العراقيين الجديدةquot; ويغمضون أعينهم ويصمون آذانهم عن quot;ديموقراطياتquot; بلدانهم أو الديموقراطيات الغربية، التي طالما اتخذت قرارات اشد من هذا القرار وليس مثله.
لقد تم حجب قناة المنار اللبنانية مثلا، وليس غلق مكتب لها. وقبلها تم غلق قناة كردية كانت تبث من فرنسا. فالمنع وحجب البث الفضائي، هو غير غلق المكتب واشد منه، والذي لا يؤثر على بث القناة على تلك الأراضي.
ولكن المنصف يجب أن يقول أن قناة العربية هي اقرب القنوات الفضائية العربية quot;غير الحكوميةquot; أو شبه الحكومية تعاطفا وتفهما للوضع العراقي الجديد. وطالما لامست الجرح العراقي، وشاركته. كما أنها فقدت عددا من كوادرها المتميزة ثمنا لموقفها هذا.

ولكن المراقب لمسيرة القناة في الأيام الأخيرة، يشخص التحول في اغلب تقاريرها من العراق. وبسهولة يعزوها إلى تقارير الصحفي quot;الصغير السن أو البنية الجسميةquot; ماجد حميد، والذي وسبق وأوقفته قوات الاحتلال الأميركية لعدة أيام. وهو من الرمادي حيث أظهرت القناة في تقرير وقتها أفراد أسرته وهي تناشد إطلاق سراحه.
والذي شاهد ذلك التقرير فانه لاشك قد لاحظ التشدد الديني في عائلته والمتمثل بالملبس الديني quot;المتزمتquot; غير المعروف بالعراق ألا حديثا لدى البعض، وهو quot;نقاب النساءquot;. وهو ربما يعكس تطابقا في توجه الصحفي نفسه. حيث أن تقاريره الأخيرة حيث اعتمدت عليه القناة، ولمن راقبها تحاول تلك التقارير تجيير الحقيقة إلى أن كل الأعمال الإرهابية موجهة ضد قوات الأمن العراقية، وينفي أن تكون موجهة ضد المدنيين أو بعضها على الأقل.
كما انه نسب حادث الحلة الشهير الذي نفذه إرهابي أردني، وراح ضحيته أكثر من 100 مواطن عراقي مدني، إلى انه كان موجها ضد الشرطة، وهو بهذا يريد quot;إعادة كتابة التاريخquot;.

الأرجح إن هذا هو سبب إغلاق مكتب العربية، ولو أن البعض كان قد بالغ في الأمر كثيرا، فهناك من اتهم العربية نفسها بأنها دبرت هذه الخطة بالاتفاق مع الجانب العراقيquot;لتلميع صورتهاquot; على حد قولهم، والبعض الآخر اتهمها بالطائفية، وو... الخ. ولكن رؤيتنا للأمر هي هذه.
إن من حق الصحفي وأهله حرية المعتقد والملبس طالما إنهما لا يتجاوزان على القانون ولا يسيئان إلى مقدسات متفق عليها. إلا انه ليس له أو للقناة الحق في لي الحقائق وقلب الصور وهو ما يضر بالمصلحة الوطنية العراقية التي تقع على عاتق الحكومة العراقية حمايتها.
ولمن يلوم على مثل هذه الإجراءات بحجة حرية الصحافة والرأي والرأي الآخر...الخ، عليه أن يلتفت إلى دماء العراقيين الأبرياء التي تسفك يوميا بلا ذنب، مثلما عليه أن يتلفت إلى جنباته ويراقب واقع بلده الذي هو من الناحية الإعلامية اشد بؤسا من الواقع العراقي إن كان بائسا إلى هذه الدرجة.
في بعض بلدان المنطقة المستقرة والتي وقعت اتفاقات سلام وبعضها من لم يخض أي حرب منذ عشرات السنين وغير معني بأي صراع لا دولي ولا داخلي، لكنه يطبق الأحكام العرفية، ويحضر على الإعلام والمواطنين ما لا يسع المجال هنا لذكره.
ختاما نريد قناة العربية، عربية كما عهدناها، وتستشعر الألم العراقي كما أبناءه المخلصين. فتحية لها وبانتظار عودة مكتبها إلى العمل على أن تستفيد من التجربة هي وأخواتها.

د. حميد الهاشمي