حدثت أزمة فكرية واجتماعية و سياسية فى مصر فى الأسابيع الماضية، لصدور كتاب عن المجلس الأعلى للشئون الاسلامية، التابع لوزارة الأوقاف، يهدر دماء المسيحيين و اليهود..

لماذا ترك السادة المسئولون الاعلام و المطبوعات التى تمولها الدولة حتى وصلنا الى هذا المستوى الذى أستحى أن أصفه، الأمر الذى يجعلنا لا نتردد كثيرا لنكرر مقولة أن مصر على ما يبدو أصبحت ضيقة على غير المسلم؟

الكتاب للدكتور محمد عمارة، وهو بعنوان quot;فتنة التكفير بين rlm;الشيعةrlm; rlm;والوهابيةrlm; rlm;والصوفيةrlm; quot;..

و قد اعتذر الدكتور محمد عمارة (جريدة وطنى 14 يناير-2007)،عن العبارات المثيرة الواردة فى الكتاب، وأعلن ما معناه أنه نقل عن أبى حامد الغزالى (450-505 ه /1048- 1111م.)كلامه كما هو بدون فحص أو مراجعة..، كذلك انتهز سيادته الفرصة ليعلن تعجبه، كيف أن هذه العبارة وردت على لسان أبى حامد الغزالى، وهى كما يرى تتعارض مع روح الاسلام..

و بغض النظر عن أن الدكتور عمارة بدأ فى ملاحظة تناقض العبارات التى وردت فى كتابه مع روح الاسلام فقط بعد تطور الموقف و تصعيد بعض الأقباط أمر هذا الكتاب التكفيرى للقضاء.. و دخول وزارة الأوقاف طرفا فى النزاع..

و بغض النظر عن أن هذه ليست أول مرة يصدر فيها عن الدكتور محمد عمارة ما يمس مشاعر الأقباط..

و بغض النظر عن أن صدور مثل هذا الكتاب، مدعم من الدولة بأموال دافعى الضرائب وبسعر رمزى جنيه واحد لا غير، يمثل قضية منفصلة تعبر عن التمييز الصارخ الذى يتعرض له الأقباط، الذين لا تحصل كنائسهم على قرش واحد من الدولة..

و بغض النظر عن التضارب فى تصريحات الدكتور عمارة بعد حدوث الأزمة، فمرة يصلنا أنه أعلن أنه لن يعتذر ( العربية نت ndash; 9 يناير 2007)
و مرة يصلنا أنه وصف من أثار هذا الموضوع بأنه quot;يحاول أن يثير البلبلة عن طريق الأمريكان وأتباعهم في مصر والذين يحاولون الاستقواء بالأجنبي لكي تصبح الأقلية فيتو علي الأغلبيةrlm;..rlm; ويحاولون شغل الرأي العام بأمور تافهة وإثارة ضجة كبري فقطrlm;quot;(الأهرام العربى ndash; 13 يناير 2007)
و تارة يصلنا أنه قال فى تعليقه عن الذين استفزهم كتابه quot;الحقيقة اننا بصدد أمية دينية تستوجب ادخال اصحابها مدارس محو الامية الدينية ولست ادري هل هي امية دينية فقط أم المسألة مجرد شغب واحداث ضوضاء للحدوث علي ورنيش الاعلام، أم ان المسألة استقواء بالهيمنة الامريكية؟ وكل هذا خلق لدينا من الجهل المشاغب والجاهلين المشاغبين وكل هذا يستوجب التأديب والتقويم.quot; (موقع الأقباط متحدون 9 يناير- 2007ndash; نقلا عن جريدة الوفد).. وهو هنا لا يعتذر بل يسب هؤلاء الذين استفزهم كلامه..

و نظرا لوصول الأمر لهذه المرحلة، فليس أمامنا سوى طرح بعض الأسئلة.. التى ربما تفيدنا فى فهم لغز الدكتور محمد عمارة.. الذى حيرنا فى أمره، بداية من عدم استيعابه لما يصح أن ينشر أو لا ينشر و ليس نهاية باعتذاره من عدمه..

لماذا لم يسمعنا الدكتور عمارة من قبل ونحن نطلب منه مرات عديدة أن يبتعد عن الحديث فيما يسىء للأديان؟ و خصوصا مقدسات أهل الكتاب؟

و أتذكر أننى وحهت للدكتور محمد عمارة على صفحات جريدة وطنى الدولى و صفحات ايلاف ndash; ضمن مقال مطول أعلق فيه على كثير من كتاباته التى تهين المشاعر الدينية للأقباط - هذه الفقرة فى 13 من أبريل عام 2003:
quot;الكتب المقدسة و أياتها الكريمة ارسلت للبشرية نعمة لها، و ذلك بشرط أن ينفذ البشر هذه التعاليم، و خاصة فيما يتعلق بالسماحة، و بشرط أيضا أن ينفذ البشر هذه التعاليم بمحبة حقيقية، بدون استعلاء أو استعداء أو ترديد بلا فهم، من الجميل أن تحدثونا سيادتكم عن الآيات الكريمة التى تتحدث عن السماحة فى الاسلام، وهو كلام جميل، ولكن الأفضل ان تبدأوا بأنفسكم و تطبقوا هذا الكلام الكريم بدلا من الاكتفاء بالتباهى به و الاختباء خلفه.


دكتور عمارة: نعلم مشاعركم تجاه الديانات الأخرى، و نعلم كيف تنظرون لكلمة مواطنة، و نعلم كيف تفسرون كلمة سماحة، و نعلم كيف تترجمون كلمة رزانة و تعقل، ونعلم كم تعانون عندما تتحدثون عن حسنات الأديان الأخرى، ليس فقط من المحاولة، بل من جراء الفشل الناتج عن ذلك، لذلك لن نكلمكم من هذه الزاوية، و انما سنسألكم أن تراعوا المبادىء الإنسانية الحقيقية فى التعامل مع أبناء الديانات الأخرى، و أن تراعوا أن كلام سيادتكم هذا ليس حديثا فى غرفة مغلقة بها بعض الأصدقاء، بل هو كلام تقرؤه الملايين، و هو كما ترون سيادتكم لا نستطيع أن نحسبه محبة و سلام و رحمة.. أو quot;عطاء و جود بلا حدودquot;.. quot;
المقال كاملا
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Archive/1050219084760265600.htm

لماذا لم يستمع لنا وقتها ndash; و هو قارىء جيد لجريدة وطنى - وينتبه لأن ما يكتبه يهين مشاعر غير المسلمين؟ و تستوى فى ذلك مادة التحقير مع مادة التكفير؟

لماذا ترك مخزون الغضب يتراكم حتى انتهى الأمر الى منصة القضاء؟

لماذا لم يستوعب فظاعة جرم اهانة المشاعر الدينية لآخرين؟

لماذا لم يعتذر الدكتور عمارة عما كتب على صفحات جريدة الأخبار من أبحاث مطولة عن تحريف التوراة و تلفيقها، و أهان بذلك مشاعر كل قبطى؟ ( راجع على سبيل المثال البسيط جريدة الأخبار - الجمعة 18 أكتوبر / 2002 ndash; الجمعة 26 مارس 2004)

لماذا لم يعتذر الدكتور عمارة عن وصفه لبعض كلام الكتاب المقدس بأنه أساطير؟ ( راجع على سبيل المثال البسيط جريدة الأخبار - الجمعة 25 أكتوبر 2002)

لماذا لم يعتذر الدكتور عمارة عن عباراته الاستعلائية العدوانية التى لم يجد أى حرج فى ايرادها و التى تخلق حالة عداء بين اليهودية و المسيحية و الاسلام (راجع على سبيل المثال البسيط جريدة الأخبار- الجمعة 1 نوفمبر 2002)

لماذا لم يعتذر الدكتور عمارة عما قاله من أن الاسلام quot;خلا من كهانة الأحبار والرهبان، الذين استغلوا أهل دياناتهم مقابل إرشادهم إلي التدين بتلك الدياناتquot;.. و هو قول لا يخلو من الاستعلاء يستفز أى شخص يؤمن بديانة بها كهنة ورهبان (راجع جريدة الأخبار- الجمعة 6 ديسمبر 2002)

لماذا لم يعتذر الدكتور عمارة عما كتبه فى جريدة قومية يمولها دافع الضرائب القبطى:
إن الإسلام لم يضع عالم الكفر في سلة واحدة، وإنما ميز بين المشركين وبين الكتابيين الذين كفروا برسول الإسلام، صلي الله عليه وسلم، وشريعته، مع إيمانهم بشرائع وكتب سبقت ظهور الإسلام. (راجع جريدة الأخبار- الجمعة 13 سبتمبر 2002)..؟

لماذا لم يعتذر الدكتور عمارة عما ذكره ndash; متباهيا - والذى لايقل استفزازا عن كل ما كتب من قبل و جرح مشاعر غير المسلمين:
وكذلك صنع المنهاج الإسلامي في وصف الكتابيين، فميز بين اليهود وبين النصاري.. فالأولون هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، بينما النصاري هم الأقرب مودة للمسلمين.. ثم هو لم يضع جميع النصاري في سلة واحدة، وإنما ميز بين الموحدين منهم أتباع 'آريوس' '256 336م' من مثل نجاشي الحبشة، وأهل شبه الجزيرة الأيبيرية الذين يتعبدون علي شريعة عيسي، عليه السلام، وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول في القرآن عن عيسي ومريم تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق.. يميز الإسلام بين هؤلاء النصاري، وبين النصاري الذين عبدوا المسيح وأمه والأحبار والرهبان من دون الله، فوصفوا في القرآن بصفات الكفر، بل وبالشرك أيضا.. (راجع جريدة الأخبار- الجمعة 13 سبتمبر 2002)؟
و هى عبارة كما يلاحظ تتأرج بين التحقير والتكفير وتصيب أقباط مصر بالاسم دونا عن كل مسيحييى العالم، لأن أريوس الذى يحتفى به الدكتور عمارة و يلمح أنه مذكور فى القرآن كان ينادى بتعاليم ضد تعاليم الكنيسة القبطية، و تصدى له أحد أعظم قديسى المسيحية عبر كل العصور القديس أثناسيوس القبطى المصرى(293 -373م )، أى أنه وضع أتباع آريوس كموحدين فى كفة وسائر الطوائف المسيحية و منهم أقباط مصر فى كفة أخرى، ناهيك عن أنه يغمز الأقباط بأن القرآن وصفهم ليس فقط بالكفر.. بل و بالشرك أيضا...

لماذا لم يعتذر الدكتور عمارة عن كل هذا؟
لماذا استهان بمشاعر ملايين الأقباط لسنوات؟
لماذا عامل الأقباط كمواطنين من الدرجة العاشرة، بل كحيوانات، ليس لها مشاعر و ليس لها حق الاعتراض على ما تسمع، و أخذ راحته و أخذ يجرح فى معتقداتهم بهذا الأسلوب؟
لماذا أخذه الغرور وظن أن كل من يعترض على ما يكتب (ينقل) هو جاهل ولا يفهم شيئا و أخذ يتحدث عن استقواء بأمريكا وتقويم وتأديب..، و جعلنا نكتشف بعد ذلك أننا لم نكن بهذا الجهل الذى ظنه بنا ووضع نفسه فى موقف لا يحسد عليه عندما ظهر التناقض و التضارب اللذان وقع هو فيهما؟

و السؤال الذى لا مفر منه أيضا: أين الحكومة و هيئاتها التى تركته هو وآخرين مثل زغلول النجار (جريدة الأهرام) بلا رادع ولا أدنى درجة من درجات الاحترام لضيوف - و ليس حتى لمواطنين - لهذا الوطن حتى انتهى الأمر للاحتكام للقانون الذى يجرم ازدراء الأديان و تكفير المواطنين؟

لماذا ترك السادة المسئولون الاعلام و المطبوعات التى تمولها الدولة حتى وصلنا الى هذا المستوى الذى أستحى أن أصفه، الأمر الذى يجعلنا لا نتردد كثيرا لنكرر مقولة أن مصر على ما يبدو أصبحت ضيقة على غير المسلم؟

أسئلة كثيرة تعبر عن مقدار ضئيل من المرارة و الحيرة والعجب اللذين يشعر بهم الأقباط والكثير من اخوانهم المسلمين..

و قد يتساءل البعض ndash; فى الأغلب من تيار الاسلام السياسى و ذيوله - لماذا انتهاز فرصة المأزق الذى يمر به الدكتور عمارة، و اثارة هذه المواضيع الآن؟ لقد اعتذر سيادته وعفا الله عما سلف..
و الاجابة أن الأقباط عبروا عن غضبهم بطريقة قانونية ووجدوا من يلتفت اليهم، وهو الأمر الذى لا يحدث كثيرا، لذلك وجب التأكد من أن هذا الملف لم يتم سلقه وتصويره على أنه هفوة غير مقصودة و غلقه، وهو الأمر الذى يحاول تيار الاسلام السياسى وذيوله باستماتة القيام به.
هذا الكاتب مشهور بمواقفه السابقة التى أهانت الأقباط اهانة لا مثيل لها، ومن حق الأقباط بعد هذه الاهانات، و بعد أن استعمل سيادته ضمنيا سياسة quot;طظ فى الأقباطquot; و بعد أن ضرب عرض الحائط بمشاعرهم لسنوات، أقول من حقهم أن يكون قرار اغلاق هذا الملف قرارا خاصا بهم وليس خاصا بأى طرف آخر، اذا أراد أن يعتذر فهذا حسن، و لكن لا بد أن يكون الاعتذار بشروط الضحايا الأقباط، و ليس بشروطه هو أو شروط الاسلام السياسى أو شروط طارق البشرى أو جمال أسعد عبد الملاك أو أيا من كان، اذا كان سيادته حقا جادا فى اعتذاره، عليه أن يراجع و يعتذر عن كل ndash; و أشدد على كلمة كل ndash; المواد العنصرية المستفزة ضد الأقباط التى نشرها أو أعلنها فى وسائل الاعلام المختلفة ndash; خصوصا جريدة الأخبار ndash; فى الأعوام الماضية و بعضها تم نشره فى كتب تباع حاليا، و اذا كان جادا فى الاعتذار عليه أيضا أن يعلن هذا فى جريدة يومية هامة يقرأها كل المصريين، و ليس فقط جريدة وطنى التى لا يقرأها فى الأغلب سوى الأقباط..


لقد ذاق الأقباط الكثير من الاضطهاد النفسى و المعنوى على يد الدكتور عمارة وزميله الدكتور زغلول النجار و آخرين مثلهما فى اعلام و مطبوعات الدولة المختلفة، ورد الاعتبار المتأخر للأقباط، أفضل كثيرا من اعطائهم الانطباع أن مصر، وطنهم،أصبحت ضيقة عليهم..

عماد سمير عوض