حطا الفنانان رحالهما في عاصمة النور..باريس.. المكان الذي يحمل معظم فنانو العالم بزيارته أو الدراسة أو العيش فيه .. وقد أصيبا الفنانان بصدمة حضارية.. فقد كانا يسكنان في مدينة سورية عرفت بمحافظتها الشديدة على العادات والتقاليد .. حتى ليخال للمرء بأن حال هذه المدينة لم يتغير منذ نشأتها .. وهبطا في مدينة تعج بالحياة ، مليئة بالمتناقضات، والجمال، وكل أنواع الفنون موسيقى وغناء وفن تشكيلي الخ..

وقد أراد الفنانان التعرف على الأوبرا.. وقررا حضور أحد العروض.. ونظرا لغلاء ثمن البطاقة فقد أضطرا للعمل شهرا كاملا لدفع ثمنها، وقاما بتوفير المبلغ بقطع كل المصاريف الزائدة بما فيها التوفير في وجبات الطعام، وكانا يتناولان الموز طوال اليوم لأنه من أرخص ما يمكن تناوله من المواد الغذائية..

وجاء اليوم الموعود، وأمضيا ساعات في محاولة ارتداء اللباس الرسمي لحضور العرض .. ودخلا صالة دار الأوبرا مبهوران بفن العمارة وبأناقة الحضور، وصادف أن حصلا على مكانين رائعين في وسط الصالة ، مواجه تماما لمنصة المسرح، وفرحا بالمكانين، وكان صف مقعدهما يضم ما يقارل المائة كرسي، وهما في الوسط..

ابتدأ العرض .. والناس جمودا .. ولا حركة .. حتى ولا نفس .. وبعد حوالي نصف ساعة أحس أحدهما بأن معدته تؤلمه وبأنه يريد الذهاب إلى المرحاض .. حاول الضغط على نفسه فهو لا يريد أن يزعج ما يقارب الأربعون شخصا لكي يذهب إلى المرحاض .. ومع مرور الدقائق زاد الأمر صعوبة ، وبدأ يتملل .. ويتحرك في مقعده .. ويتلفت يمنة ويسرة .. مما أثار حفيظة من حوله من الحضور .. لكنه لم يعد يستطع الانتظار ، وقال لرفيقه بأنه مضطر لإزعاج الناس لإنه لم يعد بإستطاعته التحمل أكثر من ذلك..

وفعلا اضطر الناس للوقوف متأففين لكي يعبر صديقنا .. وركض خارج الصالة إلى الممر الخارجي .. محاولا بيأس إيجاد مكان المراحيض .. وأعاق حركته السريعة البساط الأحمر بين الممرات والذي غرقت قدميه فيه .. وبدأ بفتح الأبواب التي صادفها لعله يجد المكان الذي يريده ، فتح الباب الأول فوجد أناس جالسون في الصالة، وفتح آخر ووجد ملابس معلقة، وفتح آخر فوجد ممثلون.. وكاد ينفجر .. وحتى لم يشم أي رائحة للنشادر لتدله على المراحيض .. ولم يعد بإمكانه تمالك نفسه .. ووجد ركن معتم في طرف الممر ينيره ضوء خافت جدا لا يمكن لأحد أن يرى شئ من خلاله .. فقرر صديقنا أن يدخل إلى هذا الركن المعزول ويقوم بقضاء حاجته، وأحس بعدها براحة كبيرة.

عاد الفنان من جديد إلى صالة الأوبرا، ووقف الأربعون شخصا من جديد ليسمحوا له بالمرور، وجلس في مقعده، وسأل صديقه ماذا حصل في غيابه، قال له صديقه لم يحصل أي شئ مهم، فالبطل مازال يغني حاملا غيتاره، والبطلة مازالت تركب الأرجوحة وترد عليه غنائياً في عشية رومانسية في طرف المسرح .. وتابع كلامه قائلا: لكن يا أخي هؤلاء الفرنسيون عندهم سوريالية عجيبة غريبة .. ونحنا العرب ما بنفهمها .. تصور حصل شي ما فهمته، خلال المشهد، ظهر شخص في الركن المعتم الآخر من المسرح وقام بقضاء حاجته ، ولم أتمكن من فهم علاقة هذا الشخص بمشهد الأوبرا الرومانسي.

ماري تيريز كرياكي