أصبحت الجوائز الأدبية و الثقافية في الغرب خاضعة جملة و تفصيلا للأبعاد الإيديولويجية للكتلة الغربية القائمة على أساس إستعداء الحضارة العربية و الإسلامية و التي يرى فيها المنظرّون الغربيون أهمّ منافس شرس للحضارة الغربية و أبعادها، و من هذا المنطلق يثمنّ الغرب كل الغرب أي رواية أو مسرحية أو قصة أو قصيدة شعرية أو لوحة تشكيلية سوريالية كانت أم طبيعية على أساس قربها من منطلقات الأنماط الفكرية الغربية.
و منذ بداية المحافل الثقافية الغربية بتوزيع جوائزها الدسمة أحيانا لم ينل هذه الجائزة كتّاب عرب ومسلمون يحملون عنوان المواطنة الغربية ولديهم موقف مسبق من الحضارة الغربية أو الحركة الإستعمارية الغربية الراهنة والماضية، رغم أنّ هناك جيلا من الكتاب الغربيين من أصول مسلمة يعيشون في الغرب ويكتبون الروائع لكن لم يحظوا بأي جائزة بسبب إبرازهم لهموم عربية أو إسلامية في منتوجهم الفكري، و على عكس هؤلاء فإنّ الذين كتبوا في الغرب منتقصين من شأن الحضارة الإسلامية و تناولوا الرموز الإسلامية بكثير من التطاول باتوا بين عشية وضحاها من حملة الأوسمة و النياشين والشهادات التقديرية و الدكتوراه الفخرية..بل إنّ الغرب لم يحرم الحريصين على إبراز هويتهم و إنتمائهم الحضاري في أدبهم المكتوب باللغة الغربية و بإبداع شديد، بل لاحق حتى الغربيين الذين إختلفوا مع المسلكية الحضارية لهذا الغرب، فبريطانيا التي أعطت وسام الفارس للكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي صاحب رواية آيات شيطانية لاحقت المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينج الذي حكمت عليه محكمة نمساوية بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب موقفه من المحرقة اليهودية الهولوكست و قد تعاونت بريطانيا والنمسا في إصدار هذا الحكم على قاعدة القانون الأوروبي الموحّد القاضي بتعقّب كل مفكر وكاتب يشكك في المحرقة و يدعو إلى مراجعة التاريخ بهذا الخصوص.
والعجيب أن ديفيد أرفينغ وعندما أحضر إلى المحكمة النمساوية بالقوة جيئ به وهو مقيّد اليدين على غير عادة المحاكم الأوروبية وللإشارة فإنّ أحكاما قد صدرت في حقّ إيرفينج سابقا في بريطانيا وألمانيا و مُنِع من الإقامة في نيوزيلندا.
وكان إيرفينج قد ألف عدة كتب مثيرة للجدل أهمها ما تعلق بموضوع الهولوكوست الذي صدر في عام 1977 بعنوان quot;حرب هتلرquot;.، وبالتأكيد فإنّ أرفينغ لو تهجمّ على حركة حماس و على رسول الإسلام و الحضارة الإسلامية في المطلق لكان مجاورا للمكلة إليزابيت التي منحت وسام فارس لسلمان رشدي والذي وبإعتراف النقّاد البرطانيين لا يرقى أدبه إلى مستوى كبار الأدباء البريطانيين بل إنّ الرفعة التي حصل عليها في الغرب تعود لموقفه من الإسلام و من رسول الإسلام على وجه التحديد، لأنّه و بعد روايته آيات شيطانية باتت المؤسسات الثقافية والإعلامية في الغرب تتهكم من الإسلام و تدعّي أنّ رجلا من أصول مسلمة وهو سلمان رشدي هو الذي دلّ الغربيين على المثالب في الرسالة الإسلامية و صاحبها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وهو الذي أتخذ في وقت لاحق غطاءا لكل المؤسسات التي إنبرت للإنقاص من شأن الحضارة الإسلامية وتسفيهها، و كثيرا ما يختفي الغربيون خلف المكتاب من أصول مسلمة ويدفعونهم للإدلاء بمواقف وتصريحات ضدّ الإسلام وقد لجأوا إلى هذه الإستراتيجية في معظم العواصم الأوروبية و قامت وسائل الإعلام بتسليط الضوء عليهم لإظهار مسألة تبرؤ المسلمين من إسلامهم في الغرب و بالتالي يحققون هدفين أولهما حمل المسلمين على ترك إسلامهم مصدر قوتهم في العالم الإسلامي و دفع الغربيين لعدم الإهتمام بدين يهدد حريتهم وديموقراطيتهم كما يقول أبناء الملة الإسلامية أنفسهم، و الغرض من ذلك وقف ظاهرة الأسلمة وسط الإنتليجانسيا الغربية و هي الظاهرة التي باتت تؤرّق حتى الأجهزة الأمنية في الغرب...
وفي الوقت الذي كرمّت فيه السويد الكاتبة البنغالية مؤلفّة كتاب العار تسليمة نسرين والتي جاءت إلى السويد وحملت على كل ما يمت بصلة إلى الإسلام والمسلمين بدءا بالشريعة الإسلامية ووضع المرأة المسلمة وخرافية العقل الإسلامي فإنّها سجنت مدير إذاعة الإسلام المغربي أحمد رامي بسبب إذاعته لما قيل أنّه معادي للسامية في السويد والغرب..
أما في سويسرا فقد أصدرت محكمة سويسرية أحكاما بالسجن على الكاتب السويسري اللاجئ في موسكو يورغان غراف الذي أثارت مؤلفاته جدلا كبيرا في الغرب، و أتهمّ غير مرة من قبل حكومات غربية بمعاداة السامية، و حدث له أسوأ مما حدث للكاتب الفرنسي روجي غارودي، وبعد أن وضع سلسلة كتب عن الهولوكست حكمت عليه محكمة سويسرية بالسجن لمدة سنتين فرّ على إثرها إلى روسيا و طلب هناك اللجوء السياسي.
و في الوقت ذاته إحتضنت سويسرا طارق رمضان الذي يطالب بإلغاء الشريعة الإسلام و علمنة الإسلام بطريقة ترضي المزاج الغربي...
وفي فرنسا ما زال القضاء الفرنسي يلاحق روجي غارودي رغم مرضه العضال و روبرت فوريسون بسبب دعوتهما للمراجعة التاريخية و وضع حدّ لتحكّم اللوبي الصهويني في مسار التاريخ الأوروبي المعاصر، و في الوقت ذاته تكرّم الكاتبة آسيا جبار التي تبرأت التي تكتب وفق النكهة الفرنسية الفرانكفونية و تكرم محمد أركون الذي يقوم في موقعه في السوربون بإجراء عملية خلق إسلام أوروبي جديد ترضى عنه العقلية الغربية ذات الأساس الإستعماري.....