أفرحني، وأغضب آخرين، مرسوم رئاسي أقره الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، يقضي بحل الميليشيات العسكرية بكافة أشكالها وألوانها واعتبارها خارجة عن القانون، ولا مانع إن سجلت موقفا بأن هذا المرسوم جاء متأخرا بضع سنين، لكن لا ضير إن قلنا quot;التمس لأخيك أو رئيسك عذراquot; فربما منعته من ذلك سابقا تعقيدات الساحة الفلسطينية، التي ما إن تنتهي من مصيبة حتى تدخل في كارثة.
المرسوم الجديد لم يكن مقتصرا على أحد الفصائل العسكرية دون الأخرى، وإنما بدأ بكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح والتي يقودها أبو مازن نفسه، ليطال أي سلاح غير قانوني.
ربما مع هذا المرسوم بدأ المواطن الفلسطيني يحلم بعودة هدوء مسلوب، وانتهاء فوضى باتت صفة يومية لشارع فلسطيني منهك بالهموم والألم.
ليس ضعفا أو انهزاما إن قلنا إن كافة الميليشيات العسكرية لم تكن قادرة على مواجهة إسرائيل، وليس خطأ برأي إذا حاولنا أكثر من مرة تجربة خيار السلام والتفاوض على الرغم من المرحلة القاسية التي مررنا بها من قبل مع إسرائيل.
لكن لسنا وحدنا كشعب فلسطيني متواجدين في هذا الكون، فللأسف تحول الفلسطيني أمام العالم كله إلى quot;إرهابيquot; بسبب العمليات العسكرية ضد الإسرائيليين، بينما لم يجرؤ أحد على وصف إسرائيل بـquot;الإرهابيةquot;، ربما لأن العالم هذه الأيام يكيل بمكيال quot;الكفة الراجحةquot; والمصالح الخاصة، إذا أمام هذا التعقيد لم لا يمنح أبو مازن فرصة أمام العالم ليعمل على إظهار الشعب الفلسطيني بصورة الشعب الساعي نحو السلام ووأد كل الصور التي ارتسمت في العالم على أنه شعب quot;إرهابيquot;.
ولا أعتقد أن هناك حرجًا من المصارحة، فكلما تم تنفيذ عملية ضد إسرائيل تكالبت المصائب على شعبنا، فتبدأ إسرائيل بحشد قواتها حول المدن، وتقتل من تقتل وتصيب من تصيب وتعتقل من تعتقل، وتدمر ما شاءت تدميره، وفي الخارج يفرض على الشعب الفلسطيني مزيد من الحصار. وللأسف فإن إسرائيل تتقن فن الدعاية الإعلامية مع تكرار الأسف بأنها نجحت في جعل نفسها quot;ضحيةquot; أمام العالم وأظهرت الفلسطيني على أنه quot;الجلادquot; رغم أن الحقيقة هي العكس تماما. لكن ضعف إعلامنا أوصلنا إلى هذه المرحلة. وبالتالي يمكن القول إن الخيار العسكري مع إسرائيل قد فشل، والفرصة القائمة أمامنا هي التمسك بخيار السلام، كخيار استراتيجي، والمطلوب من الشعب الفلسطيني أن يساند أبا مازن في هذه الخطوة. وإن لم يفعل سيكون الشعب هو الخاسر، ولا داعي لسياسة التناقضات، فالشعب اختار أبا مازن رئيسا له بناء على برنامجه السياسي المتمسك بخيار السلام وبالتالي مطلوب من هذا الشعب مساندة رئيسه على أساس البرنامج الذي اختاره عليه.
وإذا كان البند الأول هو عدم قدرة الأجنحة العسكرية على هزيمة إسرائيل، فلا يغيب عن بال الفلسطينيين أن بعض الأجنحة أو عناصر منها مارسوا سياسة الرعب في الشارع الفلسطيني. وباتوا مصدر قلق لمواطن بسيط بعد أن تحول بعض هذه العناصر المسلحة إلى جزء كبير من مظاهر الفلتان والفوضى الأمنية.
وباتت عمليات قتل المواطنين في الشارع تحصل بشكل شبه يومي، والمنازل تقتحم، وحرمة البيوت تداس ولا أحد يحاسب أحدا. وكل ما كان يحصل قراءة الفاتحة على روح الضحية، أما القاتل فلن يجرؤ أحد على المساس به لا أجهزة أمنية ولا غيرها لأنه محسوب على هذا الفصيل العسكري أو ذاك.
أما الأمر الثالث فهو أن الأجنحة والميليشيات العسكرية حدّت من قدرة الأجهزة الأمنية على ممارسة دورها في الشارع، فهي بالنهاية لا تواجه فردا يرتكب جريمة بحق أبناء شعبه أو يمارس القتل وغيره، وإنما تواجه تنظيما عسكريًا كاملا، وكثيرا ما حدثت مواجهات مسلحة بين الأجهزة الأمنية وعناصر من تلك التنظيمات، كما أن الأمن الفلسطيني كان محدود الصلاحية حتى إن توفرت لديه القوة، فكان لا يستطيع أن يعتقل أي شخص من التنظيمات المسلحة ارتكب جريمة قتل أو غيرها، خشية أن يكون مطلوبا للقوات الإسرائيلية وبالتالي تقوم إسرائيل بدهم المكان المعتقل فيه لدى الأمن الفلسطيني واعتقاله من هناك ويوصف الجهاز الأمني على هذا الأساس بأنه عميل وساعد إسرائيل على اعتقال شخص مطلوب من خلال احتجازه في مقراتها. وهذا الأمر كثيرا ما حدث في مدن الضفة الغربية، وباتت الأجهزة الأمنية تخشى من اعتقال أي شخص محسوب على هذه الفصائل المسلحة وتطارده إسرائيل لكي لا توصف بالعمالة.
أمر آخر يستدعي حل هذه الأجنحة المسلحة هو رفع الغطاء القانوني والتنظيمي عن أي شخص مسلح يرتكب جريمة وينتمي إلى هذا الفصيل أو ذاك وبالتالي إعطاء الأمن فرصة لتطبيق القانون بعيدا عن الخوف من الاصطدام بالفصائل المسلحة. وبالتالي وضع حد لفوضى أمنية نهشت الشعب الفلسطيني.
لكن على الرئيس عباس أن يتذكر أن هذه الجماعات المسلحة التي قام بحلها هي بالنهاية جزء من الشعب الفلسطيني، وبالتالي لا يمكن تركها هكذا، وإنما العمل على دمج من يصلح في الأجهزة الأمنية ليصبح عنصرا بناء فعالا، وتأهيل من لا يصلح لهذه المرحلة، سعيا نحو مجتمع فلسطيني آمن على نفسه من نفسه قبل البحث عن الأمن من الآخرين.