أتابعك وأنت في شرم الشيخ. أسمع كلامك وكلام أولمرت، وأغصّ في الأسى. فما قدمه لك هذا [ المُرابي ] سيزيد من غضب شعبك عليك. وأقلّه، سيزيد من الهوّة بينك وبين التيار العريض من شعبك. فما قدمه المُرابي مُذل، ولا يليق بنا وبتضحياتنا وبما نحن فيه من انشقاق واحتراق. ماذا قدّم لك أولمرت؟ عملياً لم يُقدّم سوى الفتات، وليس هذا فقط، بل قدمه بشروط مجحفة: سأعطيكم القليل من مالكم تدريجياً مقابل حسن سيركم وسلوككم، وكأنما نحن تلاميذ مذنبون في مدرسته الابتدائية!
لا يا أبو مازن. لا كبيرة نقولها لك الآن، في لحظة الحقيقة القاسية هذه. نقولها ونحن كلنا على مفترق خطير. حذار من أولمرت، وحذار من عقلية المرابي التي تسيّره. إننا أحوج ما نكون الآن، للتبصر وحساب عواقب الأمور. الأوضاع لا تحتمل، ومشاعر شعبك مجروحة. فلا تذهب كثيراً مع أولمرت، ولا تعوّل على وعوده الخلبية. لقد ذقنا من هذا الطبق المسموم كثيراً، فما كان إلا أن مرضنا وأصابنا المغص. فلا تجرّبِ المُجرّب. ولا تبدُ وكأنك تمثّل شريحة أو جزءاً من فصيل، على حساب الكل الفلسطيني.
نقول لك حذار، ونحن معك ومع شرعيتك. نقول لك انتبه، فأولمرت وغيره لا ينوون تقديم شيء لنا، بل على العكس : سيأخذون ويأخذون! وسيحاولون بنهم الخنازير، استغلال الوضع الحاصل، والاستفادة منه، بما يعني تكريس الفرقة والانقسام والشروخ بين أبناء الوطن الواحد. أولمرت لم يعط شيئاً من قبل، أيام وحدتنا واتفاقنا، فهل سيعطي الآن، ونحن في أسوأ مأساة وقعنا فيها كفلسطينيين وكمشروع وطني تحرري؟
أرجو ألا تنساق تحت الضغوط الهائلة التي يمارسها عليك قريبون وبعيدون، في الداخل والخارج، لكي تسوّق لشعبك الوهم. وأرجو، بعد أن تهدأ النفوس، أن نعود جميعاً إلى طاولة الحوار، فلا مفر منه لكل سياسي عاقل. ما حصل هو جريمة بكل المقاييس، السياسية والأخلاقية، وليس من المنطق أن نواجه الجريمة بجريمة. لا بد من الحوار، ولا بد من فتح القنوات، مهما ادلهمت الظروف، فهذا هو قدرك وقدرنا وقدر هذه القضية التي صارت في مهب الجنون. الحوار مع الكل الفلسطيني بما فيه حماس، والذهاب متوحدين لأولمرت وسواه. هذا هو الطريق ولا طريق ثمة.
لقد تعبَ شعبك. والأحداث الأخيرة كسرت روحه. فداوهِ بوصفك رئيساً لكل الفلسطينيين. داوه، فهو أحوج ما يكون إلى الدواء. أما التعويل على صناعة الوهم، فستزيد من المرض ومضاعفاته الوخيمة ليس إلا. حماس ارتكبت خطيئة في حق شعبها. فلا ترتكب أنت خطيئة مماثلة. قضيتنا عادلة، وتضحياتنا فاقت المعقول. وقد آن الأوان، أن يفهم العالم كله، أنه شريك مع إسرائيل في تعذيبنا والتنكيل بنا. وأن يفهم أنه أخطأ الحساب عدة مرات. ولولا هذا الخطأ، ما وصلنا إلى ما نحن فيه. فعلى هذا العالم الذي يدعم إسرائيل ويبارك لها كل ما تطلب، أن يقف مع نفسه قليلاً. وأن يراجع حساباته، علّه يقف أخيراً وقليلاً مع الضحية لا الجلاد.
نعرف أن وضعنا معقد بل شديد التعقيد. ونعرف أننا الآن في منحنى اللحظة الحرجة. ونعرف أيضاً أنك في موقف لا تُحسد عليه. لكننا نطالبك، ولهذه الظروف بالذات، أن تغلّب صوت العقل على سواه، وأن تنظر إلى البعيد، لا إلى ما تحت قدميك، كما فعلت حماس. لذا نطالبك بألا تقبل ما عرضه عليك أولمرت من فتات. ترى ماذا يجدي إطلاق سراح 250 معتقلاً من أحد عشر ألفاً ؟ سيختار أولمرت وجهازه الأمني، كما فعل قادة إسرائيل غير مرة، المعتقلين الذين لم يتبق لمدة محكوميتهم سوى أيام أو شهور، ثم يطلق سراحهم!
إنها إذاً مسرحية هزلية لا يتقبلها شعبنا الخبير والعارف. أما قصة الأموال، فهي حق خالص لنا، حق سُرق منا جهاراً نهاراً. وليس منّة من حكومة أولمرت أن ترجعه لأصحابه. لذا لا منطق ولا داعي لقبول تجزئة هذه الأموال وعلى دفعات. فلترجعها إسرائيل كلها لنا، فإن لم تقبل، فعليك بوصفك رئيساً انتخبناه، أن تطالب دول العالم ذات الشأن، بالضغط على أولمرت لإرجاع حقنا كاملاً غير منقوص. ودون خصم أي مليم منه. فإسرائيل تنوي سرقة 200 مليون دولار من مجمل المبلغ، وهذه سرقة أخلاقية يجب أن يعرفها ويقف ضدها العالم. نحن في ضائقة مالية ونفسية، وبحاجة لكل مليم من أموالنا. فلا تقبل بشروط أولمرت. ولا تقبل بالمساومات التي ضيعتنا من قبل. من يرد السلام فنحن جاهزون، ولكن على أسس عادلة ومقبولة. أما التلاعب بنا وممارسة الألاعيب علينا، فقد مضى وقتها. لم نعد نتحمّل. الطنجرة امتلأت عن آخرها. وكفى ما مضى من مسلسل الألاعيب. نحن شعب ذو قضية عادلة ونبيلة. ولا يجرؤ أحد على التشكيك في هذه الحقيقة. من هنا نبدأ وتبدأ. ودون ذلك، فلا حاجة بنا وبك لتجريبه. شبعنا من الأكاذيب. وشبعنا من الفساد. وشبعنا من الأصولية الحمقاء. ويكفي ما مرّ بنا. ولنبدأ صفحة جديدة في تاريخنا : صفحة الشفافية التي غابت طويلاً، طويلاً منذ أوسلو وما قبلها. نبدأ على [ نظافة ] ونمد أيدينا لبعضنا البعض. فهذا هو الدواء المرّ، ولكنه الدواء ولا دواء غيره. أما التعويل على حكومة المرابي، فطريقه قصير، كما طريق الكذب. نحن معك، وبك، فلتكن معنا وبنا ولنا أيها الرئيس.