على مدى ثمانين سنة من نضالهم القومي العسير ضد أعتى الدكتاتوريات والأنظمة الفاشية الحاكمة في دول المنطقة، لم يلجأ الشعب الكردي وأحزابه السياسية الثورية الى أي عملية إرهابية لتحقيق أهداف سياسية للثورة الكردية،رغم أن الغاية تبرر الوسيلة، خصوصا في العمل السياسي الذي يتصف عادة بالكذب والخداع والنفاق وهي أساسيات العمل السياسي المغلف بما يعرف بالدبلوماسية.


فأنا أعتقد أنه لا يمكن لأي شخص أن يمارس السياسة إذا لم يكن كاذبا مخادعا منافقا!. ولعل هذا التوصيف الدقيق ينطبق تماما وبكل حذافيره على القادة الأتراك الذين تعاقبوا على الحكم منذ أن أسس أبوهم ( رأس الكذب والخداع والنفاق) مصطفى كمال أتاتورك جمهوريتهم الفتية على أنقاض السلطنة العثمانية..


فذاك الرأس تنكر منذ أول يوم تسلم فيه الحكم لحقوق جميع القوميات الأخرى التي تعيش في تركيا،وأقر في دستور البلاد شعار( سعيد من يكون تركياً في هذا البلد)، وهو الذي إلتف على معاهدة ( سيفر) التي أقرت الحقوق القومية للشعب الكردي في المنطقة، ونسفها في مراوغة سياسية مليئة بالكذب وخداع الدول العظمى بمعاهدة ( لوزان) التي قبرت الأماني القومية لشعب تعداده اليوم أربعين مليون نسمة من ذلك الوقت الى يومنا هذا..


هذه التركة الثقيلة التي أورثها أتاتورك لمن يأتون من بعده بقيت سيفا مسلطا على رقاب جميع القوميات التي تعيش في البلاد، في مقدمتها القومية الكردية التي يستكثر عليها حكام تركيا مجرد التحدث بلغتها القومية، في حين أن في بعض البلدان أكثر من خمسين لغة ولهجة معتمدة دستوريا، وتركيا ليست أقل منها إدعاءا للديمقراطية وحرية الإنسان، حتى أردوغان ذات نفسه وهو يقود حزبا إسلاميا يدعي إحترامه للمباديء الديمقراطية في تركيا؟؟؟؟!!!!..


تصف تركيا هذه، حزب العمال الكردستاني بمنظمة إرهابية، وتسعى في جميع أرجاء العالم الى ترويج هذا المفهوم عن الحزب لكسب التأييد لهذا التوصيف المجحف بحق حزب كردي يناضل منذ أكثر من عقدين لمجرد الحصول على الحد الأدنى من حقوق شعبه الثقافية وفي إطار ( الديمقراطية) التي تؤكد الحكومات التركية الإلتزام بها أمام العالم، حتى هذا العالم من حولنا لا أحد يسألها quot; كيف تتماشى الديمقراطية مع التنكر لحقوق شعب في الحديث بلغته القوميةquot;؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!..


ولكي نعري الوجه الحقيقي الكالح للنظام التركي، دعونا نجري مقارنة بسيطة بين الحزب الكردي والدولة التركية، لنعرف على أيهما ينطبق ذلك التوصيف الذي أصبح موضة العصر..
العمال الكردستاني وعلى الرغم من نشوئه حزبا راديكاليا ماركسيا لينينيا منذ عام 1984 ولجوئه الى النضال المسلح ضد الدولة، لم يلجأ في يوم من الأيام الى تنفيذ عملية إرهابية واحدة لا داخل تركيا ولا خارجها، هذ إذا سرنا مع توصيف الإرهاب السائد في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وهي خطف الطائرات أو قتل السياسيين أو إحتجاز الرهائن، وطبعا التوصيف إتسع اليوم لتشمل حتى المنظمات والأحزاب التي تمارس حقها المشروع في الدفاع عن شعب أو أمة.. ولكن بالمقابل لجأت تركيا الدولة الى عملية قرصنة جوية بخطف زعيم الحزب عبدالله أوجلان في نهاية التسعينات وأودعته السجن منذ ذلك الحين، وهناك أنباء مؤكدة بتسميمه داخل سجنه من قبل الدولة التركية، فلن تمضي فترة طويلة في ظل الصمت المطبق من الدول الأوروبية الشديدة الحرص على حقوق الإنسان حتى تخرج علينا الصحف التركية بإعلان إصابة أوجلان بالسرطان ( لا سمح الله) أو بمرض طاريء أدى الى وفاته داخل السجن؟؟!!..


حتى العمليات العسكرية التي نفذها مقاتلو هذا الحزب كلها كانت محصورة بداخل تركيا، إشتباكات وعمليات عسكرية داخل حدود تركيا ومقتل بعض الأشخاص من الطرفين جراء تلك المعارك التي تدخل في إطار حرب العصابات، ولكن تركيا تحاول بقرار من البرلمان الدخول الى أراضي دولة أخرى لمقاتلة أفراد هذا الحزب..فحزب العمال الكردستاني قتل جميع الجنود والضباط الأتراك التي تدعي تركيا أن عددهم يزيد عن ثلاثين ألفا داخل الأراضي التركية في مواجهات مع الجيش التركي دفاعا عن النفس، ولم تقتل جنديا واحدا داخل أراضي كردستان العراق، ومن يتابع الأحداث والوقائع لا بد أن يستنتج مثلي هذه الحقيقة، فمقتل الجنود الـ13 الذي أحدث الأزمة الراهنة، إنما قتلوا قرب مدينة شرناخ التركية وليس قرب مدينة دهوك الكردية أو الرمادي العراقية حتى يجيز برلمانهم غزو كردستان العراق؟!.


على الرغم من شرعية إستهداف العدو أينما وجدته، وعلى الرغم من أن عناصر الإستخبارات التركية ( ميت ) يملئون مدن ومناطق إقليم كردستان تحت يافطات كثيرة، أغلبها العمل في الشركات التركية العاملة في إقليم كردستان والبالغ عددها اليوم أكثر من 400 شركة، ولو إفترضنا أن كل شركة تضم عنصرا واحدا من الإستخبارات التركية والعدد أكبر بكثير من ذلك، ولكن نكتفي بالأربعمائة العنصر الإستخباري، وعلى الرغم من إدعاء تركيا أن هناك المئات من المقرات والمراكز التابعة لحزب العمال الكردستاني في مدن الإقليم، لكننا لم نسمع يوما أن قام أحد عناصر هذا الحزب بإغتيال عنصر من الإستخبارالت التركية داخل مدن إقليم كردستان، وقد لا يكون الكثيرون من هذه العناصر الإستخبارية بعيدين عن متناول أيدي عناصر حزب العمال الكردستاني الذين يتواجدون حسب الإدعاءات التركية داخل مدن الإقليم، بل على العكس إغتالت الإستخبارات التركية الكثير من قيادات وكوادر حزب العمال الكردستاني في بعض مناطق الإقليم تسترت عليها السلطات المحلية لأسباب غير معروفة.


فأيهما إرهابي؟ الحزب الذي يمارس نشاطاته العسكرية ضد دولة تتنكر لحقوق 20 مليون شخص، وتحرمهم من كل حقوقهم الإنسانية والقومية، أم الدولة التي تختطف زعيم حزب معارض بعملية قرصنة جوية، وتفخخ وتفجر سيارات المعارضين لها داخل حدود دولة أخرى، وتهدد بإجتياح أراضي دولة أخرى لملاحقة عناصر معارضة لها؟؟!!..


حتى صدام حسين الدكتاتور الأوحد ومجرم الإبادات البشرية، لم يطالب في عهد نظامه من سوريا أو إيران أن تسلمه قيادات وكوادر الأحزاب المعارضة له، وهي أحزاب كانت تقتل من جيشه كل يوم العشرات والمئات وليس 13 جنديا في سنة واحدة؟!.. بل أنه لم يجرؤ حتى أن يطلب من تركيا ذاتها أن تسلمه طالباني أو بارزاني والمئات من قيادات حزبيهما وهم يستخدمون المطارات التركية كل يوم وفي وضح النهار لحضور المؤتمرات الدولية المنعقدة ضد نظامه ومعظمهم كما تدعي تركيا كانوا يحملون جوازات سفر دبلوماسية تركية؟؟!!


العنجهية التركية التي فاقت عنجهية نظام صدام ستورط هذه الدولة في مستنقع قد لا تخرج منها إلا بتمني النجاة برأس الحكومة المنتخبة الحالية للمرة الثانية، فالعسكر الذين يمسكون برقاب الحكومات التركية المتعاقبة والمباركين من أبو الأتراك المقبور سيورطون هذه الدولة في مستنقع قد يشبه مستنقع فيتنام بالنسبة لأمريكا إذا لم تتغلب الحكمة والعقل والمنطق محل العنجهية والتغطرس والعنصرية الحاقدة. ولا أدري كيف يمكن قبول الإدعاء التركي بالديمقراطية و20 مليون فرد منهم محرومون من أبسط حقوقهم الإنسانية..
( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى* تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى )..

شيرزاد شيخاني

[email protected]