مفهوم الإسلام - فوبي
في حقيقة الأمر، إن الدافع إلى كتابة هذه الورقة هو مقال نشرته إحدى الجرائد الهولندية الذائعة الصيت، يحمل عنوانا مثيرا، خط بالبنط العريض، وهو (تصاعد ظاهرة الخوف من الإسلام في أوروبا)، وعندما ينتهي الإنسان من قراءة هذا المقال، يدرك أنه مجرد نص إخباري يتركب من قصاصات وآراء اقتبست من هنا وهناك، لا يوحد بينها أي رابط يفسر هذه الظاهرة تفسيرا واقعيا، يمكن القاريء من فهم هذه الظاهرة الجديدة فهما معقولا، بقدرما يسعى صاحبه إلى زرع الخوف في النفوس، عن طريق اختلاق عدو رمزي يهدد وجودها، وهو ما يطلق عليه في الأدبيات الغربية: الخطر الأخضر!
ومما ورد في هذا المقال أن الشبكة الأوروبية لمحاربة العنصرية، أثبتت في آخر تقرير لها تصاعد وتيرة الميز العنصري، كما أنها سجلت أن هاجس الخوف من الإسلام (الإسلام ndash; فوبي) أصبح يهيمن على مختلف مستويات المجتمع.
ترى ماذا يعني مصطلح الإسلام ndash; فوبي، سواء أعند الإنسان الغربي العادي، أم في الأدبيات السياسية والإعلامية والفكرية الغربية؟
إن الدلالة العادية التي ينطوي عليها هذا المصطلح، هي الخوف من الإسلام وتأثيراته الخطيرة المعيشة والمحتملة على بنية المجتمع الغربي، وقد تمكن قسم عظيم من الإعلام الغربي المعادي للإسلام من تسويق هذا المفهوم، لدى مختلف شرائح المجتمع الغربي، وهو يبرر خطر الإسلام على الإنسان والثقافة الغربية، انطلاقا من جملة من المعطيات المغلوطة والتأويلات الشاذة، التي تختزل الإسلام في بعض القضايا التشريعية والتاريخية المعدودة التي تؤول بعيدا عن سياقها الأصلي الحقيقي، أو تقدم الإسلام كما يتجلى عند بعض المذاهب والفرق المنحرفة، التي يرفضها أو ينتقدها الإسلام نفسه، ما دام أنها خرجت على المحجة البيضاء، انسياقا خلف سراب السلطة والاستئثار والعصبية وغير ذلك.
أما الخطاب الفكري الغربي المعاصر، فيحتفظ على الدلالة الأصلية لهذا المصطلح، ثم يوسعها أكثر، ورد في إحدى الموسوعات الهولندية أن quot;الإسلام ndash; فوبي مفهوم خلافي، يوظف في المعنى السياسي والاجتماعي قصد توجيه النقد إلى الإسلام على أنه يشكل خطرا كبيرا، ويمكن مقارنته في هذا الصدد بمصطلح (الكسينوفوبي/(xenofobie، الذي يعني الخوف من كل ما هو أجنبي. وينشأ شعور الخوف من الإسلام من جراء السلوك السلبي للمسلمين، كالعنف والإزعاج والعنصرية...quot;، ثم إن مصطلح الإسلام ndash; فوبي يقابل بمصطلح آخر هو الإسلام ndash; فيلي، عادة ما غيبته المعاجم الغربية، وهو يعني حرفيا: حب أو محبة الإسلام.
نشأة ظاهرة الإسلام - فوبي
وتبرر نشأة ظاهرة الخوف من الإسلام في المجتمعات الغربية بجملة من التفسيرات، يمكن ثبتها من خلال العناصر الآتية:
?استمرار اللا اكتراث بقضايا المسلمين في الغرب، حيث يظل الاعتراف القانوني بالدين الإسلامي غير مفعل أو مغيبا تماما، كما أن مسلمي الدول الغربية يحرمون من الكثير من التسهيلات اللازمة، كالسماح ببناء المساجد والمدارس، وممارسة الطقوس الدينية وغير ذلك.
?كما أن جهل حقيقة الإسلام يعتبر من أهم أسباب تصاعد ظاهرة الخوف من الإسلام، فغالبا ما يربط بالإرهاب والتطرف، في الوقت الذي تؤكد فيه الكثير من المؤسسات الغربية أن الإسلام دين التسامح والتضامن والتآخي، لكن الإعلام الغربي يحيل دون نشر هذه المواقف الإيجابية التي من شأنها أن تخدم الإسلام والمسلمين.
?ثم إن هناك بعض التيارات التي تساهم في زرع هاجس الإسلام ndash; فوبي لدى المواطنين الغربيين، عبر مختلف وسائط الإعلام التقليدية والرقمية، مثل بعض التجمعات النسوية التي تزعم بأن الإسلام يستعبد المرأة ويظلمها، وتيار الشذوذ الجنسي/اللواطنيين الذي يرى أنه مهدد بفتاوى الإسلام المحرمة لسلوك اللواط، وقد تنامى في السنوات الأخيرة تيار المرتدين عن الإسلام، والذي يطلق عليه في الإعلام الغربي عامة، والهولندي خاصة، تسمية: (EX ndash; Moslims).
?ثم لا ينبغي غض الطرف عن التمثيل الرديء للإسلام من قبل المسلمين الموجودين في الغرب، حيث أن أغلبهم مسكون بهاجس جمع الثروة، على حساب ما هو ديني ودعوي وتعلميي، مما يوقعهم في نوع من الازدواجية في التعامل مع الغرب، حيث يتهافتون على ما هو مادي، ويحجمون على ما هو أخلاقي، دون أن يبرروا سر هذا السلوك الحربائي، الذي يجعل المواطنين الغربيين مرتابون، ومع تقادم الأيام يتحول هذا الارتياب إلى نوع من الحذر والخوف مما هو إسلامي.
وما يلاحظ أن ظاهرة الخوف من الآخر ليست جديدة، فهي تضرب بجذورها في التاريخ الإنساني، وفي العصر الحديث يمكن الإشارة إلى الخوف من النازية والفاشية ثم الشيوعية، وبمجرد ما تبدد النظام الاشتراكي انتقلت هذه العدوى إلى الإسلام، فأصبح بمثابة الفزاعة التي تذعر الغرب؛ حكاما وشعوبا، على هذا الأساس يمكن رد الرأي الذي يقول بأن مفهوم الخوف من الآخر كان ينطلق مما هو عرقي، والآن صار يتأسس على ما هو ديني وثقافي، لأنه من خلال تفحص بعض النماذج التاريخية التي تمثل هذا الخوف، يظهر أن ثمة تداخلا لمجموعة من الأبعاد الدينية والأيديولوجية والعرقية والثقافية والاقتصادية وغير ذلك.
ظاهرة الإسلام ndash; فوبي صناعة صهيونية محضة
وسعيا إلى تضخيم ظاهرة الخوف من الإسلام، كثفت المجتمعات الغربية جهودها الإعلامية والإحصائية والسياسية، لتثبت مدى التهديد الذي يمارسه هذا الخطر على تماسك المجتمعات الغربية واستقرارها، فظهرت شريحة اجتماعية يطلق عليها (الخائفون من الإسلام)، وراج الحديث عن عداء المسلمين للغرب، حتى أن ثمة من نعت هذه الظاهرة بـ (التسونامي)! ودعما لهذه الآراء وضعت مراكز الإحصاء الغربية أرقاما وإحصائيات من شأنها أن تعزز هذا الخوف، وتحض أصحاب القرار على مواجهته، حيث أشار مكتب إحصائي هولندي قبل سنة (2006)، إلى أن 43% من العينة التي تم استطلاع رأيها، ترى أن الإسلام لا يحث على السلم، و63% تعتقد أن الإسلام يتنافى وطبيعة الحياة الأوروبية الحديثة، وفي مقابل ذلك أوضحت نسبة 73% من الهولنديين أنها ليست عنصرية، وتشجع على قيام المجتمع المتعدد الثقافات، في حين يذهب حوالي 80% من المستفتين إلى أن العلاقة بين مختلف الثقافات متوترة.
والأكثر من ذلك، قدمت إحدى المراكز الأوروبية المشهورة، وهي مركز المرصد الأوروبي للعنصرية وعداء الأجانب، تقريرا عددت فيه سمات ظاهرة الإسلام ndash; فوبي، وبمجرد ما يتم الاطلاع على فحوى التقرير، يخلص الإنسان إلى أنه غير موضوعي، فهو ينعت الإسلام بالانغلاق واللاعقلانية والهمجية والتهديد والعنف العداء وغير ذلك كثير!
بناء على ما سبق، يمكن القول بأن ظاهرة الخوف من الإسلام قد تحضر، بشكل نسبي، عند شريحة محدودة ضمن المجتمع الغربي، وذلك من جراء جهلها للإسلام، أو التأثير الأعمى لوسائل الإعلام عليها، أو بسبب سلوكات بعض المسلمين المستقرين في الغرب، أو غير ذلك. لكنها غير واردة بهذا الحجم الضخم الذي يروج له الإعلام الغربي، أو بهذه الصورة المشوهة التي ينظر لها قسم من الفكر الغربي، من هذا المنطلق، إن تفشي ظاهرة الخوف من الإسلام لا يتم استيعابها، ومن ثم الحد من امتدادها ولو الرمزي في المجتمعات الغربية، إلا بفهم معطيين متضادين، غالبا ما يغيبان أثناء تناول هذه الظاهرة الجديدة.
المعطى الأول: تمت الإشارة إليه آنفا، وهو التمثيل الرديء للإسلام في الغرب من قبل ذويه، حيث يتحتم على المسلمين تفعيل آلية النقد الذاتي، ومن ثم تحسين طريقة التعمل مع الغرب، على أن لهذا الغرب عليهم حقوقا كثيرة، كالدعوة بالتي هي أحسن، واحترام القوانين والأعراف، وإتقان العمل وغير ذلك، وبتنفيذ هذه الحقوق تنكمش ظاهرة الخوف من الإسلام، لكن ما دام أن الكثير من المسلمين متمادين في التعامل الانتهازي مع الغرب، عن طريق التخطيط لكيفية استقطاب مساعداته المادية، وجمع الثروات على حساب القانون، وكراهية غير المسلمين، واستغلال ود الغربيات من أجل تسوية الوضعية القانونية، وغير ذلك كثير، فإن ظاهرة الإسلام ndash; فوبي لا محالة في تصاعد دائم.
المعطى الثاني: وهو معطى ينعدم له أي أثر ظاهر في أغلب الأدبيات والأبحاث والإحصاءات والتقارير الخاصة بظاهرة الخوف من الإسلام، وهو متعلق بالفكر الصهيوني، أو اليهودي المتشدد، الذي يعادي تاريخيا وواقعيا كل ما هو إسلامي، وقصد استشراء هذا العداء، ونقله إلى مختلف المجتمعات البشرية غير المسلمة، يبتكر شتى الأساليب الدعوية والإعلامية، التي يسوق بواسطتها أفكاره الخبيثة بخصوص الإسلام، ومما لا شك فيه فإن ظاهرة الإسلام ndash; فوبي في معظم حيثياتها صناعة صهيونية محضة، يراد بها إثبات أن الإسلام يشكل خطرا محدقا بالكرة الأرضية، وما على المجتمع الدولي إلا مواجهته والحد من امتداده، لذلك فمن غير المستبعد أن تكون أغلب التقارير والإحصائيات والأدبيات التي يحذر، من خلالها، الإعلام الغربي من الخطر الأخضر، من صياغة جهات صهيونية ويهودية تخدم في الخفاء، لا سيما وأن أشهر المراكز الفكرية والمؤسسات الإعلامية التي تنشط في الغرب، يسيرها مثقفون من أصول يهودية، بل ومنها ما يمول من جهات صهيونية، ومن الطبيعي أن يصب فكرها في اتجاه مواجهة الإسلام، بمختلف الآليات العسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وغيرها.
خلاصة القول، إن الحرب الإعلامية التي تمارس حاليا على الإسلام بمسميات متنوعة، كمحاربة الإرهاب، والخوف من الإسلام، ومنع الحجاب، وغيرها، هي أكثر ضراوة من أي حرب شهدتها الأمة الإسلامية، لأنها توجه خطابها إلى نفوس لا عقول الرعاع، وهي تدرك، بحق، أن امتلاك صوت الجماهير لا يتأتى إلا بامتلاك سيكولوجيتها، لا سيما وأنها، كما يفسر المفكر الفرنسي جوستاف لوبون، في مؤلفه (سيكولوجية الجماهير)، لا تعقل! لذلك فهي بتأثير من جهة معينة، قد تكون القيادة أو الإعلام، تقوم بممارسة أعمال استثنائية ما كانت مستعدة للقيام بها لو كانت في حالتها الواعية.
التجاني بولعوالي
كاتب مغربي مقيم بهولندا
www.tijaniboulaouali.nl
التعليقات