السياسة هي فن الممكن
عودة مرة أخرى لصيغة الدولة الواحدة


لعل من أخطاء السياسة الفلسطينية الفادحة هو تمسكها أمام إسرائيل وأمام العالم بخيار واحد ووحيد هو خيار الدولة الفلسطينية. أو لعل تمسك الفلسطينيين بهذا الخيار وحده دون غيره هو ما أدى إلى استشراس إسرائيل وممارستها سياسة التوسع على حساب الحقوق الفلسطينية. فالحديث عن الدولة الفلسطينية الذي أيدته الإدارة الأمريكية سواء منها الديمقراطية أو الجمهورية هو ما جعل إسرائيل تسارع في بناء المزيد من المستوطنات ومن ثم إلى رسم حدودها مع الدولة المقبلة من خلال إقامة جدار الفصل العازل الذي التهم ثلث مساحة الضفة الغربية.


ولنا أن نلاحظ، أنه وبعد اتفاقات أوسلو مباشرة ضاعفت إسرائيل من بناء المستوطنات وتوسيعها وذلك من أجل التهام أكبر قدر ممكن من الأرض قبل قيام تلك دولة الفلسطينيين. ليس هذا وحسب بل لنا أن نلاحظ أيضا، أن إجراءات تهويد القدس تتصاعد عمليا لدى أي منعطف سياسي يشتم منه دعما دوليا لفكرة إقامة الدولة الفلسطينية ولنا أن نذكر في هذا الصدد كيف بدأت إسرائيل في بناء مستوطنات جديدة في القدس وتوسيع مستوطنات أخرى مباشرة بعد عودة أولمرت من مؤتمر أنابوليس الذي وضع جدولا زمنيا ينتهي مع انتهاء مفاوضات الحل النهائي في عام 2008.


ولنا أن نتساءل حقا إذا ما كان بإمكان إسرائيل أن تمارس نفس السياسة ماضيا وحاضرا على صعيد هضم الحقوق الفلسطينية، لو أن الفلسطينيين اشتغلوا على مشروع آخر للسلام والمتمثل في قبولهم بصيغة الدولة الواحدة الثنائية القومية التي تعترف بجميع مكوناتها القومية والدينية؟


. إسرائيل تدرك تماما نقطة ضعف الفلسطينيين والمتمثلة في عدم قدرتهم على توسيع خياراتهم السياسية باتجاه ما تخشاه. فإسرائيل لا تخشى حقيقة من قيام دولة فلسطينية تعيش تحت رحمتها طالما تعرف أنها هي من سيتحكم بمقدرات هذه الدولة الأساسية كالمنافذ والموانىء والمطارات والماء والكهرباء والوقود إلخ ما هنالك من مقومات. أن جل ما تخشاه إسرائيل حقيقة، هو تخلي الفلسطينيين عن هدف الدولة الفلسطينية والمطالبة بالانضمام إلى دولة واحدة تمثل جميع مواطنيها وفق قوانين الدولة الحديثة التي تعترف بالحقوق المتساوية لجميع مكوناتها القومية والدينية.مثل هذه الخشية أعرب عنها بصريح العبارة ودون لف أو دوران أولمرت مؤخرا أمام الإسرائيليين المعارضين لإقامة دولة فلسطينية؟.
إسرائيل من جانبها واثقة حد كبير، بقصر النظر عند الفلسطينيين، أو لنقل أنها تدرك تماما حدود طموحات القيادة السياسية الفلسطينية المتعطشة لممارسة السلطة حتى وإن قامت تلك الممارسة على أنقاض شعب ممزق وعلى أوصال مقطعة من الأرض تمارس فيها إسرائيل شتى أنواع العربدة.
وربما لا نجد داعيا للتذكير، بأن موازيين القوى الحقيقية على الأرض لا تؤشر على قدرة الفلسطينيين على تحقيق شروطهم في دولة مستقلة خالية من المستوطنات وعاصمتها القدس دون ممارسة ضغوط حقيقية تخيف الإسرائيليين.كما أن القيادة الفلسطينية ربما،لا تدرك أن مصلحة ومستقبل الفلسطينيين لن يكون بإيجاد دولة مسخ، ويبدو أنها لا تدرك أيضا، أن المصلحة الفلسطينية تقتضي تصعيد النضال السلمي داخليا وعالميا من أجل المطالبة بالسلام على أساس صيغة الدولة الواحدة التي لا بد وأن تلاقي قبولا ودعما واعترافا من دول العالم الحر الذي بات يأنف من صيغة الدولة القائمة على أساس عرقي أو ديني.ولنا بدولة جنوب أفريقيا مثل ساطع على ما نذهب إليه. فلقد دعمت بلدان العالم الحر نضال السود في جنوب أفريقيا على أساس مطالبتهم بدولة المساواة والقانون الني تمثل جميع مكوناتها الاجتماعية والعرقية. وأن هذا الدعم العالمي وهذه الضغوط على حكومة جنوب أفريقيا العنصرية آنذاك، ما كان لها أن تؤتي ثمارها لو أن السود طالبوا بدولة مستقلة لهم.


وفي اعتقادنا أن الوقت لم يفت بعد على التحرك السياسي الفلسطيني بهذا الاتجاه. وأنه بإمكان الفلسطينيين أن يطرحوا في مفاوضاتهم القادمة مع إسرائيل هذا المطلب ولو من باب التكتيك السياسي، أي استخدامه كورقة ضغط في سبيل تحسين مواقعهم السياسية المختلة لصالح إسرائيل التي ترفض إقامة دولتهم مثلما ينشدون، فإما تحقيق شرط الدولة المستقلة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وإما اللجوء إلى صيغة الدولة الواحدة التي تعترف بمجموع مكوناتها الدينية والقومية.


الأوراق الفلسطينية للعب في الإطار السياسي قليلة. وربما ساهم ذلك المطلب بتعديل هذا الاختلال. فالسياسة في النهاية هي فن الممكن. ولقد جرب الفلسطينيون كل الطرق الممكنة من أجل الحصول على حقوقهم فلماذا لا يلجأون إلى طرح هذا المطلب؟

نادية عيلبوني

صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا