الغت اكثر من نصف دول العالم عقوبة الاعدام واستبدلتها بالسجن مدى الحياه غير القابل للعفو، وذلك لاعتبارها عقوبه غير انسانيه ولا تحترم حق الحياه، ولانها غير قابله للرجوع عنها في حالات الخطأ او
التعسف، ولانه تبين بانها ليست رادعه اكثر من السجن مدى الحياه حيث لم يظهر أي زياده في معدل الجريمه عند الدول التي الغتها. وتتجه المغرب حاليا لان تكون اول دوله عربيه تلغي هذه العقوبه، كما اتخذت اجراءات في الاردن ولبنان لتقليص العمل بها. كما جمدت دول اخرى ومنها دول عربيه العمل بها تمهيدا لالغائها.
لكل من المطالبين بالغاء عقوبة الاعدام ومعارضيها اسبابهم، والطرفان يدافعان عن ما يعتبرونه تطبيقا للعداله. لكن بماذا يجادل اللذين يعارضون الغاءها؟ أهم الاسباب عند هؤلاء هو ان هناك جرائم كبرى تستحق عقوبة الاعدام واهمها القتل العمد، ولكن ما هو الفارق الكبير بين عقوبة الاعدام وبين السجن مدى الحياه غير القابل للعفو؟ اليس من الصعب على القضاه احيانا الفصل بين الجرائم التي تستحق هذه او تلك؟ الا يتصور البعض ان الاعدام اقل قسوه من السجن مدى الحياه؟ ثم هل جريمة القتل هي مسؤولية القاتل وحده مئه بالمئه؟ الا تتحمل الاسره او الدوله او الظروف جزءا ولو يسيرا من المسؤوليه عن هذه الجرائم؟ وهل من المناسب ان يتصرف القانون مع المجرم بنفس طريقته الدمويه؟ الا يجب على القانون اعطاء اهميه اكبر لحياة الانسان كي يكتسب احترام المجتمع؟. اما عن الهدف الردعي من العقوبه فهل يحتاج البشر العاديين الى رادع بهذه القسوه كي لا يرتكبو جريمة، وبالنسبه للمجرم المحتمل فهل سيشكل الفرق عنده بين الاعدام والسجن مدى الحياه اهميه كبرى خاصة وانه غالبا ما يتوقع ان لا يتم القبض عليه، فطالما ان معاقبة المجرم ومنعه من تكرار جريمته يتحققان في سجنه المؤبد فهل من الضروري اعدامه؟
هذا عن جريمه كبرى لا يختلف احدا على انها تستحق عقوبه قصوى، لكن ماذا عن الاعدام عندما ينفذ بشكل تعسفي وبدون توفر محاكمه عادله ونزيهه واعتمادا على اعترافات اخذت تحت التعذيب، وماذا عن الاعدام عندما يطبق على حالات لا تعتبر جريمه الا في القوانين الخاصه ببلد معين، بغض النظر عن مدى التزام هذه القوانيين بمعايير العدل والانسانيه ومدى احترامها لحقوق الانسان الاساسيه، بل هناك قوانين تعتدي على حقوق الانسان وعلى امنه وسلامته وعلى حريته في التفكير وفي التعبير وفي الاختيار، وهناك قوانين ضد الحريات السياسيه وضد الحريات الدينيه، وهناك قوانين عنصريه ومتحيزه تضطهد الاقليات العرقيه والدينيه، وهناك قوانين تضطهد المرأه وتضطهد الانسان بشكل عام، وهناك قوانين متخلفه ومتحجره ومعيقه للتطور لا يتم تعديلها مهما تغيرت الظروف اوالازمان. مثل هذه القوانين تفرض فرضا على الانسان دون ان يكون له فيها رأيا حرا او خيارا، وكلما ازدادت هذه القوانين تعسفا واستبدادا كلما كانت العقوبه المفروضه على مخالفتها اشد واقسى. ان بشاعة عقوبة الاعدام تتجلى في ان اكثر ضحاياها ليسو من كبار المجرمين فحسب بل من اصحاب الرأي ومن المطالبين بالحريات والمدافعين عن حقوق الانسان والمعارضين للفسا د والاستبداد. بل ان هذه العقوبه تحولت في بعض الدول الاستبداديه من وسيلة لردع للمجرمين الى وسيلة لترهيب كل من يعارض الضلم والاستبداد ولو بشكل سلمي. وعقوبة الاعدام في تاريخها الطويل سلبت حياة العديد من العباقره والفلاسفه والحكماء والمفكرين والعلماء وحرمت البشريه من ابداعاتهم.
ان عقوبة الاعدام هي عقوبه قاضيه لا رجعة فيها،لكن العداله البشريه غير مطلقه، بل ان مفاهيم العداله قد تتغير من بلد لبلد ومن عصر لعصر،وما يعتبر جريمه في بلد ما وفي عصر ما قد لا يعتبر جريمه في بلد اخر وفي عصر اخر، وحتى العداله الالهيه بعظمتها لم يتفق اصحاب الاديان السماويه على قوانينها وصفاتها وتفسيراتها،فما يشكل جريمه في هذا الدين دين قد لا يشكل جريمه في الدين اخر، وما يعتبر عدلا في هذا الدين قد يعتبر ظلما في الدين اخر، بل وهناك اختلافات ضمن الدين الواحد احيانا. هذا عدا عن الملايين من البشر ممن لا يؤمنون باي دين. وبما ان الانسان هو الانسان ايا كان جنسه او دينه او عرقه، وحياته وحقوقه يجب ان يكون لها نفس القيمه في كل بقعه من الارض خاصه بنظر القانون وبنظر المعنيين بالعداله،فلا يجوز ان تظل عقوبه كهذه اتفقت اكثرية دول العالم على عدم انسانيتها وعدالتها وقررت الغائها - تهدد حياة الانسان في بعض البلدان ولاسباب مختلف عليها غالبا، بل وهناك اقتراحات بتجريم العمل بها في المستقبل كما هو الحال في ممارسات التعذيب والرق.
هيام عوده
التعليقات