على أعتاب زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى اقليم الخليج العربى تسابقت وسائل الأعلام العربية فى الحصول على المعالم الواضحة للموقف الروسى،بأعتبار أن موسكو لم تعد مجرد دولة تشريفات فى ميزان القوى الدولية،واصبحت تؤثر بشكل مباشر فى عدد من العوامل التى تحدد استقرار منطقة الشرق الأوسط والخليج،وفى الساحة الدولية بشكل عام.


وبنظرة سريعة سنجد أن الملف الأيرانى الذى تلعب روسيا دورا فاعلا فى تسويته، اضافة لملفات الطاقة وخاصة قطاع الغاز ايضا من القضايا الحيوية لمنطقتنا، بل أن الكرملين يشارك بفاعلية فى تسوية الأزمة اللبنانية،وايجاد حلول لتهدئة الوضع الفلسطينى واخراج التسوية السلمية من مآزقها الراهن.ولم يعد ممكنا اليوم تجاهل النفوذ الروسى المتنامى دوليا،والذى ينتقل من مرحلة المناورة ورد الفعل إلى مرحلة الفعل.
مما لاشك فيه أن موسكو بدأت تحقق نجاحات فى أقناع طهران بقبول مقترحات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتى تطالب ايران يأيقاف تخصيب اليورانيوم مقابل تجميد قرارات مجلس الأمن بفرض عقوبات ضدها،أكثر من هذا تحاول ايجاد سبل لتهدئة الوضع المتوتر فى منطقة الخليج،والذى يثير قلق دول المنطقة بسبب وجود احتمالات بتفجر حرب ستؤثر بالتأكيد على امن واستقرار دول المنطقة،وفى هذا الأطار سنجد أن المبادرة الروسية الداعية لأقامة نظام امنى اقليميى تشارك فيه ايران ودول الخليج قد لقيت تحفظات من امين عام جامعة الدول العربية،لانها لم تأخذ بعين الأعتبار وبالدقة اللازمة حسابات موازين القوى داخل هذا الحلف الأمنى،ولم تتعامل مع تأثير الطرف الأخر فى توتير الوضع فى المنطقة وهو الولايات المتحدة.


اما ملف اتحاد منتجى الغاز، والذى نفت روسيا رسميا عزمها على التحرك نحو تأسيسه،فلابد من القول انه ليس مقترحا ايرانيا،وانما هو فكرة روسية طرحت منذ عدة سنوات لمواجهة احتكار المستهلك،عندما كانت تعانى روسيا من الضغوط الغربية،وقد احيا آيه الله خامينئى المرشد الأعلى للثورة الأسلامية هذا المقترح خلال زيارة ايجور ايفانوف سكرتير مجلس الأمن القومى الروسى إلى طهران،فى اطار مساعى ايران لأقناع روسيا بأستخدام اوراق اخرى للتأثير على الموقف الأوروبى. ومما لاشك فيه أن ظهور هذا الأتحاد يثير قلق اوروبا،خاصة بعد أن اصبح من المتوقع أن يضم روسيا وايران و الجزائر بحد ادنى، وهو ما يعنى أن اكثر من نصف واردات اوروبا من الطاقة ستكون تحت رحمة هذا الحلف.


ويتميز ايضا الدور الروسى فى الملف اللبنانى، حيث سعت موسكو لاقناع الفرقاء بعدة تسويات،بل وبحثت عدة مرات مع طهران ضرورة اقناع حزب الله بأبداء قدر من المرونة تجاه مواقف الحكومة،واصبحت موسكو محطة اساسية فى الحوارات بين الأطراف الدولية المؤثرة على مسار الأزمة اللبنانية.


كل هذه الملفات كانت فى مركز أهتمام وسائل الأعلام العربية قبيل بدء زيارة بوتين إلى السعودية، بأعتبار انه موسكو والرياض ستبحثان هذه القضايا ومن المتوقع أن تصلان إلى رؤية متقاربة،وربما إلى مبادرات،قد تساعد فى تحريك الوضع.


وما حدث من تجاهل لأغلبية وسائل الأعلام العربية فى توفير أمكانية الحديث مع الكرملين لاطلاع الرأى العام العربى على رؤية روسيا فى هذه الملفات، قد يكون من باب المصادفة او كسل بيروقراطى...إلخ؟؟
لانه تم اختيار مؤسسة اعلامية واحدة للحوار مع الرئيس الروسى قبل بدء زيارته،وتم تجاهل بقية وسائل الأعلام المعنية ايضا بهذه الملفات،وقد يكون هذا الأختيار عن عدم دراية لان هذه المؤسسة تورطت وانغمست فى السنوات الأخير فى اللعبة السياسية،خاصة بعد أن اصبحت تحت سيطرة جماعة الأخوان المسلمين.

وتلقى الصحفيون ردودا مختلفة على استياءهم بسبب تجاهل وسائلهم الأعلامية،بدء من أزدحام جدول عمل الرئيس الروسى وضيق الوقت..مرورا بأن الأوراق اللازمة لتنظيم هذه اللقاءات غير مكتملة..وانتهاء بأقاويل تحدث بها البعض عن ضرورة تعاون ما من قبل هؤلاء الصحفيين حتى تمنح الأمكانية لهم للحصول على مثل هذه الفرص لنقل وجهة نظر موسكو إلى العالم العربى.


وبقيت هذه الملفات مثار بحث وتخمين عما يمكن ان يطرح فى لقاء الرياض،وحتى هذا الحوار الذى حصلت عليه المؤسسة الأعلامية العربية الوحيدة(الجزيرة) كان شكليا لدرجة انه لم يتضمن آية اشارة لتوجهات الحادة الكرملين التى اعلن عنها بوتين فى المؤتمر الأمنى الدولى فى ميونيخ وبعد أقل من 48 ساعة من حواره مع الجزيرة!!


هذا الوضع يطرح تساؤلات تتعلق بمدى جدية الجهات الروسية فى التعامل مع وسائل الأعلام العربية،واسباب ذلك،خاصة أن وسائل الأعلام الأوروبية والأسيوية خلال الشهور الماضية حصلت على امكانيات مختلفة للحوار مع الكرملين والحكومة الروسية،بينما لم تحصل وسائل الأعلام العربية على 10% من هذه الفرص.

مازن عباس

موسكو