سيرةُ مصرَ في الفضائياتِ العربيةِ والصحفِ، بكلُ سلبياتِها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، مواطنوها يلقون المعاملةَ الخشنةَ المستخفةَ سواء كانوا من العاملين أو الزوارِ، بصفةٍ شخصيةٍ أو رسميةٍ، التعدي علي لاعبي الكرة الخماسيةِ في ليبيا أخرُ الشهودِ. وضعٌ لا مثيل له، لا تشهده أي دولةٌ عربيةٌ ولو كان حجمُها لا يتعدى أحدَ أحياءِ القاهرةِ. لا بدَ من أسبابٍ، ليست مصادفاتٍ، تراكماتُ سنواتٍ.


سياسياً، لا تحظي السياساتُ المصرية بالقبولِ، متهمةٌ بالسلبيةِ، بالخنوعِ للولايات المتحدة الأمريكية، بمهادنةِ اسرائيل وقمعِ المصريين، بالعملِ علي توريث الحكمِ بأي ثمنٍ، ولو كان كرامةَ الوطنِ والمواطنين. المواطنُ المصري مطحونٌ، ما بين ضنكِ المعيشةِ، ومواكبِ التشريفةِ، والحجرِ علي حرياتِه وحقوقِه، مقهورٌ عمداً وبكلِ الإصرارِ. أساتذةُ الجامعاتِ والقضاةُ والعمالُ يئنون، يصرخون، لا مجيبَ، يخرجون للشوارعِ، انقطعت سبلُ الاتصالِ بين المجتمعِ بكاملِه مع النظامِ. صحفُ الحكومةِ لا تعبرُ عنهم، عن المواطنِ، همُها تكريسُ استمرارِ إداراتِها بأي ثمنٍ، ولو كانَ الحقيقةَ. الأحزابُ هشةٌ هلاميةٌ، تتحدثُ عن الحريةِ والديمقراطيةِ وصحفُها شاهدةٌ علي حجبِ آراء مخالفيها وعلي أبدية شغلِ كراسيها. مناخٌ ملائمٌ لكل دعاوي التطرفِ والجهلِ والخزعبلاتِ والخرافاتِ، أصبحت طريقاً موعوداً لجَنةٍ استحالت علي الأرضِ.


اقتصادياً، مواردُ مصرَ مبددةٌ ضائعةٌ، بالفسادِ وسوءِ التخطيطِ والتدبيرِ، البطالةُ سادت بالخصخصةِ، الإنتاجُ أضعفُ من أن ينافس، بذخٌ علي المظاهرِ والمؤتمراتِ والحركاتِ والأسفارِ، لا حسابَ ولا مساءلةَ، إلا لمن اِنكشفَ ظهرُه، القروضُ والأراضي والوظائفُ لأهلِ الحظوةِ، في الحزب الوطني وفي الدائرةِ الضيقةِ. الفقرُ قلةُ قيمةٍ للدولِ كما هو للبشرِ، لا هيبةٌ، لا رأيٌ، لا آذانٌ صاغيةٌ.


اجتماعياً، تكالبُ الإخفاقاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ لابدَ وأن ينعكسَ علي الحياةِ اليوميةِ، تنكسرُ عينُ القانونِ، لا تري إلا الغلابةَ، تضعفُ قبضتُه، لا تقوي إلا علي قليلي الحيلةِ. المواطنُ يلجأُ لكلِ وسيلةٍ للرزقِ، لا يهمُ إن كانت حراماً، فوضي، غشٌ، تحايلٌ، فهلوةٌ. الأمنُ ليس للوطنِ، لكن لحمايةِ كراسي النظامِ، السيطرةُ للبلطجةِ، أفراداً ومؤسساتٍ، حكوميةً وخاصةً. المجتمعُ يتفسخُ، عنوسةٌ، زواجٌ عرفي، هروبٌ في قواربِ الموت عبرَ البحارِ، سرقةٌ، قتلٌ.


مصرُ ليست متفردةً بكلِ النواقصِ، لكنها كبيرةُ الحجمِ وإن ثَفُلت، طويلُ التاريخِ ولو نسوا، عظيمةُ المواهبِ ولو تصوروها جفت، من الطبيعي أن تكون سيرتُها قريبةٌ، في الخارج والداخلِ، في الفضائياتِ والصحفِ. كل ما يُقالُ ويُكتبُ عنها متأصلٌ في دولٍ تزعمُ الفضيلةَ، سعةُ الصدرِ المصريةُ مع تراخي النظامِ سهلا التناولَ والعرضَ والتعرضَ.


يضعفُ النظامُ لأي سببٍ مما ذكرنا، يتفتتُ إذا تعدت الأسبابُ؛ النظامُ الذي يفقدُ مساندةَ شعبهِ وثقتَه يستحيلُ أن تكون له كلمةٌ، في الداخلِ والخارجِ، يُستباحُ، يهون الوطنُ، وكذلك المواطنين.
أكتبُ، لعل وعسي، قد يأتي الفرجُ يوماً، ولو تصورتُه بعيداً،،

ا.د. حسام محمود أحمد فهمي