أيتها الوحدة الوطنيةكم من الجرائم ترتكب بإسمك في العراق!

بعد مهزلة الإنتخابات الأخيرة التي شهدها العراق قبل نحو عام والتي إستَخدَمَت فيها بعض الأطراف والقوى السياسية شتّى الطرق والأساليب للفوز والحصول على أغلبية ساحقة تحقق لها أمنية حكم العراق والسيطرة على مقدراته ومصير شعبه.. تأخر أولئك الذين فازوا فوزاً( ساحقاً ) وبأساليب( نظيفة جداً ) وشكلوا بالتالي( الكتلة الحاكمة بأمرها )في كل العراق في تشكيل الحكومة بدعوى أنهم لايريدون الإستئثار بالسلطة ويريدون أن يُشركوا معهم جميع شرائح الشعب العراقي.. وقد صَدّق الكثيرون ساسة ومثقفين ديموقراطيين( لم نكن منهم والحمد لله )هذه الدعوات دون أن يتبحروا في الأسباب التي تتستّر ورائها وبالتالي وللأسف فقد وقع في هذا الفخ أغلب الكتل السياسية التي وصلت الى البرلمان إما( إختيارياً )لأنها لم ترغب أن تُفوّت فرصة الإستمتاع بلذة السلطة والكراسي ومايتبعها من رواتب خيالية أو(سوء تقدير)كما فعلت القائمة العراقية التي لانبالغ إذا قلنا أنها أبرز القوائم عراقيةً ووطنيةً وتمثيلاً للعراق وشعبه..العراق الذي نعرفه وعشنا فيه لا العراق الذي يراد له أن يكون والتي دخلت في هذه الحكومة بدون فائدة مدفوعة بالرغبة الصادقة لدى قياداتها وأغلب أعضائها بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية حقيقية تخدم العراقيين وتخفف من معاناتهم وتحافظ على أرواحهم وعلى وحدتهم ووحدة وطنهم رغم عِلمِهم بأن الكتل الكبيرة التي تريد تشكيل هذه الحكومة لاتمثل سوى مصالحها وأجنداتها الحزبية والفئوية والطائفية الضيقة ولاتعير أي إهتمام لمصالح الوطن والشعب..وبالتالي كان من المفترض بدلاً من ذلك التفكير في تشكيل معارضة وطنية حقيقية تقف في وجهه هذه الحكومة وممارساتها وقراراتها وسياساتها التي لا ولم تعد تتوافق مع المصلحة الوطنية العليا للعراق وشعبه.


إن الحقيقة التي لم تعد خافية على أحد هي أن طرح( الكتلة الحاكمة بأمرها )لفكرة تشكيل حكومة على هذا النحو(أي حكومة وحدة وطنية) لم يكن إعتباطياً بل لقد جاء وفق خُطّة مدروسة لإسكات القوائم الأخرى في البرلمان وتحييدها وتحويلها الى كتل حكومانية ( من جمع مفردتي حكومية وبرلـمانية ) وبالتالي إحراجها إذا إقتضى الأمر عندما ترتكب هذه الحكومة التي شكلتها وتقودها هذه الكتلة أخطاء يجب إنتقادها أو عندما تُمرر هذه الحكومة قرارات خطيرة ينبغي مواجهتها والوقوف بوجهها كما يحدث اليوم.. ولقد نجحوا في ذلك بالفعل وبإمتياز بعد أن(جروا رِجِل) جميع الكتل الموجودة في مجلس النواب تقريباً الى داخل هذه الحكومة.. فاليوم لاتوجد هنالك معارضة سياسية حقيقية في العراق لأن أغلب كتل مجلس نوابه التحفة هي في الحكومة بإستثناء المصالحة والتحرير والحوار والأولى( المصالحة والتحرير)تم إقصائها من البرلمان عِبر شن حملة إعلامية مكثفة شعواء على رئيسها شملت إتهامه بالفساد المالي ومن ثم الإرهاب أدت الى جعله وهو الذي شارك في العملية السياسية منذ اللحظة الأولى لولادتها لأن يتبنى اليوم معارضة هذه العملية بقوة السلاح أما الكتلة الثانية( الحوار) فقد بدأت حملة التحريض عليها منذ فترة وبعد أن كانت فضائيات الحكومة وأحزابها تستضيف رئيسها وتعرض معه المقابلات في الأيام الأولى التي تلت الإنتخابات نراها اليوم تكيل له ولكتلته الإتهامات وتصف مقر حزبه الذي تعرض قبل فترة لقصف من قبل القوات الأمريكية بأنه كان وكراً للإرهابيين.. وبالتالي فاليوم كل الكُتل البرلمانية هي كُتل حكومية بإمتياز ولاوجود لكتلة معارضة حقيقية واحدة في البرلمان وهو مالم نسمع به ونراه في أي دولة في العالم بإستثناء طبعاً العراق الجديد!..وإذا حدث يوماً وتجرأ أحد النواب من تلك الكتل (الحكومانية) وإنتقد سياسة هذه الحكومة وممارساتها وقراراتها وتصرفات أعضائها أو أجهزتها الأمنية المخترقة إقليمياً حتى نخاع النخاع في أي محفل إعلامي أو سياسي يرُد عليه نواب( الكتلة الحاكمة بأمرها) صاحبة نظرية حكومة الوحدة الوطنية بشكلها المشوه الحالي بأنه ليس لك الحق أن تنتقد الحكومة لأن كتلتك البرلمانية مشارِكة وممثَّلة فيها ولديك وزراء وربما نائب رئيس جمهورية وربما نائب رئيس وزراء وربما نائب رئيس برلمان لذا فأنك وكتلتك البرلمانية مشاركون فعليون فيما تقوم به هذه الحكومة وتتحملون مسؤلية ماتقوم به وبالتالي لايحق لك التكلّم كمعارض لها ولسياستها وأنت عنصر فاعل فيها.


لقد نجحت (الكتلة الحاكمة بأمرها) في العراق الجديد بتشكيلها للحكومة على هذا الشكل أن تصيب عصفورين بحجر واحد..


- العصفور الأول هو أنها بهذه الطريقة تجعل من جميع الكتل السياسية الموجودة في البرلمان مشاركة على الأقل نظرياً في أي قرار تتخذه أو فعل تقوم به مهما كان لكي لاتتحمل وحدها فيما بعد نتيجة هذه القرارات والأفعال ولكي تقع المسؤولية على الجميع بدون إستثناء.


- أما العصفور الثاني فهو أن تُخرس كل صوت معارض أو مُنتقد لها في داخل البرلمان أو خارجه بعد أن أصبح جميع نواب الكتل الموجودة في البرلمان هم أنفسهم نواب كتل حكومية تمسك حتى ولو على الورق جزئاً من السلطة في البلاد وبالتالي إنتفت عنهم صفة المعارضة ولايجوز لهم إنتقاد الحكومة لأنهم جزء منها ومشارك فعلي فيما تقوم به من مهازل.


إن هذه الحكومة المخجلة يمكن أن تسمي نفسها أي إسم إلا إسم ( حكومة الوحدة الوطنية )..فنعم هي ( حكومة الفتنة الطائفية ) التي وصل الإحتقان والتشرذم والإنقسام المذهبي والطائفي في عهدها حدوداً لم يشهدها تأريخ العراق والتي تُفاقِم عبر تصريحات وممارسات مسؤوليها ونوابها ودوائرها ومؤسساتها الحكومية والأمنية من هذا الإنقسام بين مكونات الشعب الواحد.. ونعم هي حكومة(العُقد النفسية )لأفراد لديهم عقدة السلطة وهوس الإستحواذ على حكم العراق لإشباع رغبات ولتحقيق أوهام مريضة ولتمرير وتنفيذ مشاريع سياسية بائسة أسوة ببعض دول الجوار لاتقل شمولية وسوءاً عما سبقها من مشاريع سياسية عصفت بالعراق منذ نصف قرن من الزمان ولاتزال وكان الخاسر الأكبر فيها على الدوام ولايزال العراق وشعبه.. ونعم هي حكومة ( المصالح الحزبية والفئوية )لأحزاب مُخجِلة إرتدت في السابق زي المعارضة وترتدي اليوم زي السلطة وإمتهنت السياسية لتجعل منها سلماً تصل به الى مصالحها الحزبية والفئوية الضيقة وبناء إمبراطورياتها وإماراتها الطائفية والعشائرية على أكتاف وعبر دماء من تتاجر بأسمهم.. ونعم هي حكومة ( المنافع الشخصية )لأناس شاء القدر أن يصبحوا في غفلة من الزمن متنفذين في أرض العراق وسلاطين على شعبه فباتت الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية إقطاعيات مغلقة حصرياً لهم ولأقاربهم وعشائرهم وطوائفهم وأصدقائهم ووعّاظهم الذين يُمجدون بهم ليل نهار في الصحف والفضائيات ومواقع الإنترنت فتفشى الفساد وسادت المحسوبية ووُضِع الألوف من الأشخاص الغير المناسبين في الأماكن غير المناسبة وأُبعِد وفُصِل وهُجِّر الآلاف من الأشخاص المناسبين الذين كانوا في الأماكن المناسبة بحجج ومبررات تافهة وواهية..ونعم هي حكومة ( الميليشيات الإجرامية ) التي أوصَلَتها الى السلطة وحَكّمتها على رقاب الناس والتي بات قادتها الميدانيين من الجهلة والأميين وسقط المتاع الحكام الفعليين للعراق يقررون مصيره ومصير أهله فيقتلون ويقصفون ويهجّرون من يشاؤون أمام الصمت المريب لهذه الحكومة وبعض أحزابها المتواطئة والحاضنة لهذه الميليشيات.. ونعم هي حكومة ( الجثث مجهولة الهوية ) التي يُعثر عليها يومياً بالعشرات في شوارع بغداد وأغلبها لمواطنين عراقيين بسطاء أوقعهم حظهم العاثر في براثن الميليشيات التي تعتقلهم من بيوتهم وأماكن عملهم ومن الشوارع والأسواق على أساس هويتهم الطائفية وأحياناً على الإسم لتبتز عوائلهم ثم لتمارس بحقهم أبشع أنواع التعذيب وأخيراً ترمي بجثثهم في الشوارع بعد أن تكون قد مثّلت بها بطرق وأساليب وحشية لم يعرف لها التأريخ مثيلاً.. ونعم هي حكومة(التفجيرات الإرهابية )التي زادت وإستفحلت في أيامها بشكل غريب حتى بات لايمُر يوم على العراقيين من دون تفجيرات إرهابية دموية مُرعبة تهدم بيوتهم وأسواقهم وتقتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم بالجملة كما حدث في تفجيرات النجف وسامراء وجسر الأئمة ومدينة الثورة والصدرية وعشرات غيرها والمتهم فيها جاهز على الدوام وهم quot; التكفيريين والصداميينquot; تلك العِبارة التي أصبحت إسطوانة مشروخة ومهترئة لكثرة ماترددت على لسان المسؤولين العراقيين العديمي الشعور بالمسؤولية من دون أن نسمع يوماً عن تحقيق يكشف لنا عن كيف وأين يتمكن هؤلاء التكفيريين والصداميين من تفخيخ هذا العدد الكبير من السيارات وبهذه الكميات المهولة من المتفجرات والوصول الى مراكز المدن والأقضية والنواحي ودرابين الأزقة والأحياء العراقية من دون أن تكتشفهم أجهزة شرطة ومغاوير وجيش(أقوى حكومة في تأريخ العراق الحديث) وصلّحو!.. ونعم هي حكومة ( الهاونات الصاروخية ) التي باتت تتساقط يومياً على رؤوس البغداديين الأبرياء كالألعاب النارية لتدك منازلهم وتحول جلساتهم الى مآتم كهدية متواضعة من حكومتهم البطلة وميليشياتها المناضلة بدلاً من أن تملأ سمائهم بألعاب نارية حقيقية ملونة تنور أيامهم وتُدخِلُ الفرحة الى قلوب أطفالهم وتزرع البسمة على شفاههم.. وأخيراً وليس آخراً نعم هي حكومة( الهجرات المليونية ) للشعب العراقي الذي يشهد في ظلها أكبر موجة تهجير ونزوح واحدة داخلية لم يشهد لها العراق مثيلاً على الإطلاق وأخرى خارجية فاقت كل موجات النزوح التي شهدها العراق خلال العقود السابقة.. فمليوني عراقي من مدن العراق المختلفة التي باتت تسيطر عليها ميليشيات طائفية لاتعرف الرحمة والإنسانية مُهجّرون اليوم في داخل بلدهم بسبب تهديد هذه الميليشيات لهم بمغادرة منازلهم ويعيشون الآن في مخيمات لاجئين في داخل العراق تفتقر الى أبسط الخدمات والمستلزمات الإنسانية ومالايقل عن ثلاثة ملايين عراقي مُهجّرون وهائمون اليوم على وجوههم في الأردن وسوريا ودبي ومصر تركوا منازلهم ومدنهم وأملاكهم وأعمالهم ومدارسهم وكلياتهم وكل أحلامهم هرباً من حاضر قاتم ومستقبل أشد قتامة بإنتظارهم وإنتظار عوائلهم في حال لو بقوا في داخل العراق والدليل على مانقول ماذكرته المفوضية العليا السامية لشؤون اللاجئين قبل أسابيع من أن العراق يشهد في هذه الفترة أكبر موجة نزوح في العالم منذ حرب فلسطين عام 1948.


فاليوم وفي ظل هذه الحكومة الوارف لاأدامه الله يُباد شعبنا بكل إرثه الحضاري وتجربته الإنسانية الفريدة ويشوّه ويدفن وطننا الجميل بكل تأريخه العريق وسِجِل حضارته التي عمرها آلاف السنين.. وبفضلها تحول العراق الوطن الواحد النابض الى أجزاء وأشلاء متناثرة لاحياة فيها يتقاذفها ويتصارع عليها أمراء الحرب والطوائف وتحول شعبه العريق الواحد المتماسك الى تجمعات بشرية بدائية تتصارع فيما بينها.. وأمام ناظريها ترتكب يومياً أبشع المجازر والمذابح الطائفية بحق جميع العراقيين سنة وشيعة ومسلمين ومسيحيين وصابئة وإيزيديين وعرباً وأكراداً وتركمان وآشوريين.. وبفعلها وسبق إصرارها وتَرَصُّدِ بعض أطرافها ببغداد الحاضر والماضي تحولت عاصمتنا الجميلة سيدة الدنيا ودرة الكون.. بغداد السلام عاصمة الرشيد والمأمون وفيصل الأول والزعيم قاسم.. بغداد الرصافي والزهاوي والجواهري.. بغداد الكاظمية وجارتها ورفيقة عمرها الأعظمية.. بغداد الرصافة والكرخ.. الى غابة ومدينة للأشباح تنعق فيها البوم والغربان وتستبيحها خفافيش الظلام ووحوشه الطائفية التي تجوب اليوم شوارعها بحثاً عن فرائسها بعد أن بدأ أهلها الطيبين يغادرونها إما موتاً وبأبشع الصور على أيادي تلك الوحوش أو هرباً من موت محقق على أياديها التي لا ولم ولن تعرف يوماً رحمة ببغداد وأهلها الذين لم يكونوا يعرفوا مقدار الحقد الذي يكِّنه البعض لهم ولمدينتهم الخالدة.


وبعد كل هذا وذاك يتجرأ بعض أقطاب هذه الحكومة بالقول أن حكومتهم هذه هي ( أقوى حكومة في تأريخ العراق الحديث ) ولم يجرؤا بالطبع وهم العاجزين عن حكم متر مكعب من أرض العراق على قول العراق القديم لأنهم يعلمون جيداً حجومهم أمام عشرات الأسماء الكبيرة التي حكمت العراق خلال سفر تأريخه الخالد كحمورابي ونبوخذ نصر وسرجون الأكدي وهارون الرشيد الذي كان يحكم العالم بأسره من بغداد السلام والذي كان يخاطب غيوم السماء بالقول quot; أيتها الغمامة إذهبي حيث شِئتِ فأن خراجك عائد إلي quot;.. أما بالنسبة لتأريخ العراق الحديث فلا أدري كيف تجرأ هؤلاء على قول ذلك وتأريخ العراق الحديث قد شهد حكومات ترأسها وقادها عمالقة في السياسة أمثال فيصل الأول والسعدون والباشا أبو صباح والسيد محمد الصدر وأحمد مختار بابان وصالح جبر وفاضل الجمالي وعبد الهادي الجلبي والزعيم قاسم وعبد الرحمن البزاز فأين هم من هذه الأسماء ومن هذه الصروح الشامخة!


إن هذه التي تُسمّي نفسها اليوم حكومة وحدة وطنية لم تعد تمثل الشعب العراقي بل أصبحت بضعفها وتخبطها وممارساتها عدوّة له وبقائها سيزيد من معاناته يوماً بعد آخر وسيدفع به نحو الهاوية.. لذا فحريّ على الشخصيات والكتل الوطنية الحقيقية في مجلس النواب وعلى رأسها القائمة العراقية أن تنسحب من هذه الحكومة بل وحتى برلمانها لأن إستمرار مشاركتها ووجودها ولو إسمياً فيهما يجعل منها كبصمة وشاهدة زور على مايحدث لوطنها وأبناء شعبها من دمار ومآسي ومجازر وبالتالي لايستقيم أن تكون ممثل حقيقي للشعب وطرف في الحكومة التي تُدمِّر هذا الشعب في آن.. لذا على هذه الشخصيات والكتل التي تدعي الوطنية ونحن لانشك بوطنيتها أن تحزم أمرها بأسرع وقت وتقرر في أية جبهة تكون ومع من تقف قبل فوات الأوان.. فالشمعة مهما طالت فأن عُمرها قصير ومصيرها إن عاجلاً أو آجلاً أن تذوب وتنطفيء وستُطفيء معها مايُسمى بحكومة الوحدة الوطنية أما الحصان الأصيل الجامح فعُمره طويل وسيصل الى بر الأمان مهما طال الطريق وكثُرت الصعاب.
واللبيب تكفيه الإشارة..

مصطفى القرة داغي
[email protected]