تعيش الجماهير الكردية، هذه الأيام، أجواء الذكرى السنوية الثالثة لأحداث الثاني عشر من آذار، و الإنتفاضة الشعبية العفوية التي أسفرت عنها في مدينة القامشلي و باقي المناطق الكردية الأخرى في في 12 آذار 2004. و بالرغم من مرور ثلاث سنوات على تلك الأيام الدامية و الصعبة، جراء سقوط ضحايا أبرياء في صفوف المواطنين الكرد، و جرح و إعتقال أخرين، بلغت أعدادهم بالمئات، إلا أن الحركة السياسية الكردية ما تزال تعيش إختلافاً في الرأي حول خلفيات و أسباب و تطورات تلك الإحداث الى حد يومنا الراهن.


في الثاني عشر من آذار 2004، كان قد مر ما يقارب العام على تحرير العراق من دكتاتورية صدام. وبالرغم من حالة القطيعة ومشاعر العداء بين قيادتي سوريا و العراق، قامت جماهير دير الزور المرافقة لفريقها الرياضي الفتوة من دخول مدينة القامشلي، رافعين صور الدكتاتور صدام، و مهتفين بحياته على رؤوس الكرد. لم تستطع الجماهير الرياضية الكردية المحتشدة في الملعب البلدي لمؤازرة فريقها، الجهاد، من تحمل تطاول أبناء دير الزور، و إستفزازاتهم المحرضة، دون أن تدرك أن في الأمر ما يوحي الى فتنة أو مؤامرة، نسج خيوطها حاكم محافظة الحسكة، بالتواطئ مع فرع حزب البعث و فروع أجهزة الأمن في مدينة القامشلي، بغية ضرب مكونات الشعب السوري، بعضها ببعض. و عندما أسفر تزاحم الجماهير الكردية في مدرجات الملعب، هرباً من سكاكين و حجارة أشبال صدام من أبناء دير الزور، عن سقوط شبلين كرديين قتيلين، تسارعت الأحداث و تطورت في شكل دراماتيكي، تبينت معها أبعاد المؤامرة و أهدافها، عندما أخلت قوات الشرطة و أجهزة الأمن جماهير دير الزور من الملعب و أقلتهم في أقصى السرعة في باصات الى مدينتهم،، و أقدمت على إطلاق النار على جماهير القامشلي الغاضبة، مما أسفر عن سقوط المزيد من الشهداء و الجرحى الأبرياء.


و في اليوم التالي من الفتنة التي تطورت الى حدث جلل في تاريخ الشعب الكردي في سوريا، هبت الجماهير الكردية في مدينة القامشلي و أريافها، للإنضمام الى المسيرة الضخمة، بدعوة من الأحزاب الكردية لتشييع شهداء اليوم ألأول، إلا أنها وجدت نفسها مطوقة و محاصرة بقوات كثيفة من الجيش و الشرطة و ترصد من أجهزة الأمن. و في إصرار و إباء تصدى أبناء الشعب الكردي بصدورهم العارية و إرادتهم الصلبة لرصاصات أسلحة الغدر و الأجرام، مقدمة في أقدس آيات التضحية حيواتهم قرابين نفيسة لتضحيات الشهداء و بطولات الجرحى، متحدية الديكتاتورية، ومدافعة عن حقوقها و كرامتها، فكانت بمثابة الشرارة الأولى لإنتفاضة الشعب الكردي في جميع مدن و بلدات و قرى كردستان و باقي مناطق تواجد الكرد في سوريا. فهاجمت الجماهير المنتفضة مراكز الشرطة و فروع حزب البعث، فضلاً عن تهديم أصنام الرئيس السابق حافظ الأسد في القامشلي و عامودا و غيرها من الأماكن الأخرى. لقد سطر الكرد في آذار 2004 ملحمة البطولة و الخلود، و أكدوا عظمة آصالتهم في الدفاع عن قيم الحرية و الكرامة الإنسانية.


و إذا كانت إنتفاضة آذار قد مهدت للمرحلة جديدة في تاريخ القضية الكردية في سوريا، كقضية شعب يعيش فوق أرضه التاريخية، و أملت شروط مغايرة للتحرك ضد الظلم و الطغيان، من خلال النزول الى الشارع و الإحتكام الى الأساليب السلمية و الحضارية في مطالبة الحقوق، و ساهمت في وضع القضية الكردية في موقعها الطبيعي كقضية وطنية و قومية بإمتياز، بحيث لا يمكن تأمين الأمن و السلام و الإستقرار في سوريا و المنطقة دون إيجاد حل عادل لها، فإنها ساهمت بنفس الدرجة من الأهمية، في توفير الأرضية الملائمة لكسر حاجز الخوف، بينها و بين السلطة الغاشمة من جهة، وفيما بينها من جهة أخرى. نعم لقد أجهزت إنتفاضة آذار العظيمة على كل الإدعاءات و الأكاذيب التي كانت تشكك في قدرة المواطن السوري على رفض الظلم و الطغيان، و في إرادته و توقه الى الحرية و الديمقراطية.


نعم، لقد كرست إنتفاضة آذار ملامح الصمود و البطولة، و أفلست مصنعي مكابح حركة الشعوب صوب الحرية، و كذبت منجمي السلطة من الكرد، ممن عملوا، و لا يزالون، على تخدير الجماهير و أبناء الشعب الكردي، عبر تسويق أوهام تتعلق بنية الديكتاتورية في منح الحرية للشعوب و الأفراد.
لهذا لا يسع المرء في 12 آذار، إلا أن ينحني إجلالاً و إكباراً، لذكرى الشهداء الذين سطروا أروع آيات الصمود و التضحية في إنتفاضة 12 آذار الكردية. وآن الوقت، أن نجعل من قبور شهداء 12 آذار، مزارات مقدسة، يأوي إليها أبناء شعبنا، في أيام الشدائد، لتزود بالإرادة الصلبة و العزيمة التي لا تلين في سبيل بلوغ المجد و الخلود. فألف تحية لكي يا آذار، و لمناضليك و لكل محبي الحرية و العدل و السلام.

زيور العمر
[email protected]
12/3/2007