نحن لا نناقش أن الله جلّ جلاله كان قد كتب منذ الأزل أن يكون هناك حرب بين حزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى تبدأ في الثاني عشر من تموز إثر قيام مقاتلي حزب الله بتجاوز الخط الأزرق واختطاف جنديين إسرائيليين وقتل الآخرين من طاقم دورية إسرائيلية ولا تنتهي قبل الثالث عشر من آب 2006. فهذا واقعة لا تجوز مناقشتها أو التشكيك بها حيث أن الله هو من ألهم حسن نصرُالله أن يصدر أمره بالعملية وهو كذلك من ألهم يهود أولمرت بالرد على العملية الصغيرة بحرب واسعة تشمل كل مواقع حزب الله بل كل لبنان. هذا كله مقدر من الله سبحانه تعالى ولا تجوز مناقشته كما يؤمن نصرالله بغير شك.
ما نناقشه هنا هو فيما إذا لم تكن تلك الحرب مكتوبة في السفر الإلهي وأن قرارها عائد إلى اجتهاد ليس حكيما أو موفقاً من قبل كل من حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله ويهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي. يقول نصرالله أنه لم يكن يعلم أن إسرائيل كانت قد قررت في آذار شن حرب على لبنان بهدف تصفية حزب الله في تموز وهو لذلك أمر بالقيام بعملية quot; الوعد الصادق quot; وهي عملية محدودة ولا تستجر حرباً واسعة كما قدر بحكمته غير أن الأمور جاءت على غير ما حكم فلا الوعد كان صادقاً واستجرت العملية حرباً واسعة مدمرة كان من ضحاياها أكثر من خمسمائة مقاتلاً من أشجع مقاتلي حزب الله الذي يمتنع حتى اليوم عن الكشف عن عددهم كما كلفت الخزينة الإيرانية حوالي ثلاثة مليارات من الدولارات.
أشك كثيراً في أن حقائق أساسية وبديهية تفوت السيد نصرالله وهو الخطيب المفوّه الذكي بل لا تفوت حتى مبتدءاً في العمل السياسي.
من المعروف عموماً أن أولى أولويات عمل الدولة بغض النظر عن حجمها وإمكانياتها هي أن تقوم الدولة، ومن باب الحيطة والحرص على مبدأ السيادة، بوضع خطة عسكرية إستراتيجية في حالة مواجهة حربية مع أي دولة مجاورة لها حتى ولو كانت صديقة. فلا أحسب الجيش اليمني لا يمتلك خطة إستراتيجية مقررة سلفاً في حالة مواجهة مع الجيش السعودي. وليسأل نصرالله الجيش اللبناني فيما إذا كان لا يمتلك خطة إستراتيجية في حالة مواجهة حربية مع الجيش الإسرائيلي بالرغم من إمكاناته المتواضعة. لئن كان الجيش اللبناني يمتلك مثل هذه الخطة فلماذا يفترض نصرالله أن الجيش الإسرائيلي لا يمتلك مثل هذه الخطة خاصة وأن نصرالله يهدد صباح مساء بأنه سيتجاوز الحدود ويقوم باختطاف جنود إسرائيليين كما ويعلن أن هذا حق له!! لا أعتقد أن نصرالله ساذج لدرجة أنه لا يتوقع أن لدى إسرائيل تخطيط لإبادة حزب الله وإفنائه.
يقول نصرالله بأن إسرائيل كانت ستشن حرباً على لبنان في تموز أو في تشرين على أبعد تقدير سواء قام حزب الله بعملية الوعد الصادق أم لم يقم، سواء تجاوز الحدود الدولية أم لم يتجاوز. لا يمكن لأي عاقل أن يصدق مثل هذا الهراء وأكاد أؤكد أن نصرالله نفسه لا يصدقه. فكيف لإسرائيل التي هربت هروباً مشيناً من جنوب لبنان كما يصف ذلك نصرالله نفسه أن تعيد الكرة وتشن حرباً على لبنان؟! ماذا ستقول إسرائيل للمجتمع الدولي لتبرير حربها على لبنان؟ إسرائيل ليست غبية إلى هذا الحد. أما حجة حزب الله في أن إسرائيل لن تعدم عميلاً يقوم بإطلاق صاروخ على إسرائيل من الأراضي اللبنانية لتتخذه مبرراً للحرب. مثل هذه الحجة غير سويّة بالإضافة إلى أنها تدين حزب الله نفسه طالما أنه اعتاد على إطلاق صواريخه على إسرائيل.
لست من الذين يتهمون نصرالله باستخدام مبدأ quot; التقيّة quot; الشيعي، ولذلك أناشد السيد حسن نصرالله أن يقرّ علانية بأن quot; وعده الصادق quot; هو ما جلب للبنان كارثة لم تكن بالحسبان ولن تقنع أية حجج يمكن لحسن نصرالله أن يسوقها إنكاراً لمسؤوليته الأولى والأخيرة في استجلاب الحرب والكارثة، لن تقنع آباء وأمهات الأبطال الذين ضحوا بحياتهم دفاعاً عن شعبهم وعن وطنهم بأن حسن نصرالله وحزب الله ليسوا مسؤولين عن فقدان فلذات أكبادهم.
وأخيراً نقول على حسن نصرالله أن يكون صادقاً مع مواطنيه بقدر حصافته وبلاغته الخطابية.
عبد الغني مصطفى
التعليقات