لفترة طويلة اعتمدت المملكة العربية السعودية على ديبلوماسية العمل الدؤوب الهاديء خلف الكواليس للوساطات وحل المشاكل الاقليمية.

هذا تغير الآن فأينما ننظر ونجد مشكلة او ازمة في المنطقة سوف نرى نشاط وتدخل سعودي لعلاجها. السعودية تمسك بالمبادرة وتبذل الجهود للحصول على نتيجة ايجابية.


اعتمدت المملكة العربية السعودية على مبدأ الاستقرار وعدم التدخل في شؤون الآخرين. المملكة العربية السعودية تسعى دائما لتحقيق العدالة والاستقرار في المنطقة ولا يوجد لديها أجندة خفية ولا يوجد طموحات اقليمية بعكس بعض القوى ذات الأجندة التوسعية مثل ايران.

لذلك يمكن فهم الدور السعودي المميز في تسوية النزاعات والخلافات. وبدون التدخل الشخصي لخادم الحرمين الملك عبدالله بن عبد العزيز لما تم التوصل الى اتفاق مكة المكرمة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقائد حركة حماس اسماعيل هنية. هذا الاتفاق أوقف الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني ومهد الطريق لحكومة الوحدة الوطنية.

وشهدت العاصمة السعودية في الفترة الأخيرة نشاطات محمومة متلاحقة حيث استضافت وفودا من حزب الله اللبناني وزيارة من بوتين الرئيس الروسي واستضافت الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لبحث الملفات الاقليمية والملف النووي الايراني. ليس سرا ان العلاقة الايرانية السعودية اتسمت بالتوتر والشكوك منذ ثورة الخميني في ايران عام 1979 وهناك مخاوف اقليمية من اتساع ما يسمى بالمد الشيعي وهذه المخاوف ليست سعودية فقط بل هي مصدر قلق لمصر والأردن أيضا. وفي هذا السياق حذر مؤخرا الأمير تركي الفيصل سفير المملكة العربية السعودية الأسبق لدى الولايات المتحدة من امتداد الهلال الشيعي واقترح أن يحل محله هلال خصيب يمتد من العراق الى لبنان تكون سوريا لها مكانة بارزة فيه.


وقبل عامين حذر جلالة الملك عبدالله الثاني ملك الأردن من مخطط ايراني في هذا الاتجاه.

ولتأكيد دورها الايجابي في حل النزاعات الاقليمية تستضيف المملكة مؤتمر قمة هام في الرياض أواخر هذا الشهر.


وفي الوقت ذاته تبذل المملكة العربية السعودية جهودا حثيثة لنزع فتيل الأزمة اللبنانية التي تفاقمت بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري.

اذا لماذا كل هذا النشاط الديبلوماسي المكثف في هذا الوقت بالتحديد.

للاجابة على هذا السؤال أشير الى مقال الكاتب كون كوغلين الذي شرح الاسباب والظاهرة في مقالة مميزة في صحيفة الديلي تلغراف البريطانية قبل يومين.

ويقول كون كوغلين أنه منذ استلام الملك عبدالله منصبه كخلفا للمرحوم الملك فهد الذي انتقل الى رحمته تعالى عام 2005 لاحظ المراقبون ظهور نمط سياسي جديد يتسم بالدقة والهدؤ والحذر وأثبت خادم الحرمين الشريفين استعداده لمعالجة قضايا حساسة مثل تحسين وضع المرأة وسن تشريعات لحماية حقوق الانسان. وكذلك انتقال المملكة من حالة العزلة النسبية الى دخول الحلبة السياسية الاقليمية واستعراض عضلاتها وفرض نفوذها الاقليمي للتأثير على الأزمات الاقليمية بشكل أكبر وفعال معتمدة على عناصر التأثير والنفوذ التي تتمثل بثروات المملكة وقوتها وهيبتها ورعايتها للمقدسات الاسلامية.


وتطبيقا لهذه السياسة الجديدة قرر الملك عبدالله تعيين الأمير بندر بن سلطان كمستشار للأمن القومي ومن الجدير بالذكر ان الأمير بندر خدم كسفير سابق للمملكة في واشنطن لفترة طويلة. وتحت عنوان:
quot; الأمير بندر يعّلم بيت آل سعود كيف يوجهوا الضربة الثقيلةquot;

كتب كون كوغلين أن الأمير بندر اكتسب لقب quot;الأمير الجوالquot; والدينامو خلف الديبلوماسية السعودية لفرض وجودها كلاعب اساسي كبير ذو وزن ثقيل في المسرح السياسي الاقليمي.
ألأمير بندر رجل عالمي ذو صداقات وعلاقات دولية ومن اصدقاءه الكثيرين بالامكان ان نذكر مارغريت ثاتشر رئيسة وزارة بريطانيا السابقة ونيلسون مانديلا رئيس جنوب افريقيا الأسبق.

خلال فترة عمله كسفير في واشنطن لمدة 22 عاما نجح السفير الأمير بندر بتقوية العلاقات السعودية الأميركية واصبح من اقرب الأصدقاء الموثوقين للرئيس بوش الأب وبعده بوش الابن. ويقول كون كوغلين ان الرئيس جورج دبليو بوش الحالي كان يستشير الأمير بندر ويلجأ له عند ظهور أي أزمة في المنطقة. وفي هذا السياق كتب بوب وودوارد Bob Woodward الصحافي الأميركي المحقق في كتابه quot;خطة هجومquot; Plan of Attack أن الأمير بندر وعد الادارة الأميركية بزيادة الانتاج السعودي من النفط في حالة حدوث أزمة نفطية بسبب غزو العراق لاسقاط نظام صدام.

خلقت هذه العلاقة الخاصة بين الرئيس بوش والأمير بندر بيئة خصبة لمروجي نظريات المؤامرة من أمثال مايكل مور Michael Mooreمخرج الافلام التي تعارض الحرب وتنتقد الرئيس بوش بأسلوب ساخر.

ويعزي كون كوغلين التحركات المحمومة والسفر المستمر للأمير الجوال هو القناعة السعودية أنه بدون تدخل فعلي وعملي في الأزمات الاقليمية سيترك المجال مفتوحا لقوى أخرى مثل ايران لتعبئة الفراغ والتدخل واملاء شروط الاجندة الاقليمية. ايران نجحت في التدخل كعنصر تخريب في لبنان وغزة بدعمها لحزب الله وحماس وقيادة معسكر الرفض والممانعة العربي.


ديبلوماسية التدخل الايجابي الاستباقي
يمكن وصف الديبلوماسية السعودية الحالية بديبلوماسية التدخل الايجابي الاستباقي لحل الأزمات وانهاء الخلافات والصراعات من خلال التوافق. وحتى اثناء فترة الديبلوماسية الهادئة نجحت المملكة في اقناع الفصائل المتناحرة في لبنان التوصل الى اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية الذي يعتبر انجازا تاريخيا هاما.

ومن الانجازات الحديثة التي أتت كثمرة لديبلوماسية التدخل الايجابي الاستباقي هو اتفاق مكة المكرمة. وتستضيف الرياض اواخر هذا الشهر مؤتمر قمة هام والذي سيعيد طرح المبادرة العربية بطريقة أشد وضوحا للضغط على الادارة الأميركية بلعب دور أكثر فعالية لانهاء حالة الصراع المزمنة بين اسرائيل والفلسطينين من جهة وبين اسرائيل والعالم العربي.

ويقال أن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني اثناء زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية قال للملك عبدالله quot;الطريقة الوحيدة لايقاف ايران من بسط نفوذها في المنطقة هو ان السعودية تمسك المبادرة لتعبئة هذا الدور وأخذ مركزها كالقوة الاقليمية الأولىquot;.

نهاد اسماعيل

لندن
nehad ismail - London