كم شعرت بالخجل و أنا أقرأ نص القرار الذي يقضي بإستخراج الجوازات العراقية الجديدة و يتضمن القرار تعليمات تسمح بالسفر و التنقل لكل فرد في المجتمع بحرية، و يستثني القرار حسب تعليماتها و تمنعه من السفر من كان مطلوباً من السلطات بجريمة كالقتل و السرقة و التجاوز على ممتلكات الدولة، غير أن الزوجة (لها حق السفر لكن بموافقة خطية من الزوج أو ولي الأمر)، هذا يعني أن المتهم بالسرقة و القتل و التجاوز على ممتلكات الدولة، و المرأة التي تسافر بدون موافقة الزوج، هؤلاء يندرجون تحت خانة واحدة، و هي خانة الممنوعون عن السفر خارج العراق..


شعرت بالخجل، لكنني لم ألعن حظي لأنني إمرأة، لعنت حظ البشرية التي خلقت هكذا أنظمة جاهلة و ناقصة أخلاقياً قائمة على أساس التفرقة بين نصفي المجتمع، ففي الوقت الذي تسعى البشرية في العالم المتحضر إلى إبتكار و إستحداث أفضل الطرق و الوسائل و إستخدام كافة الإمكانيات المتاحة التي تساعد على رفاهية المجتمع و الرقي بهم أكثر، و أكثر و تعمل على نشر قيم المساواة و إحترام الإنسان بشكل متساوي و تربي أجيالها على مباديء قائمة على أسس من إحترام حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المرأة والطقل، و منحهم المزيد من القيم الإنسانية و الإرتقاء بالشرية من خلال المباديء الإنسانية التي لا تفرق بين الرجل و المرأة قبل كل شيء و تحقق المساواة بينهم من أجل إنجاب جيل جديد صحي و خالي من الأمراض الإنسانية و الأخلاقية..


في هذا الوقت بالذات نعود نحن أهل الشرق إلى الوراء إلى عصور ما قبل كتابة التأريخ، نعود إلى العصر الحجري، عندما كان الإنسان يمشي على أربعة مثل باقي المخلوقات الأخرى و لا يملك وسيلة للتفاهم سوى القوة العضلية، نعود و نعيد معنا قيمنا إلى عهود الظلام و التخلف و الجاهلية السوداء..
فنصنف المرأة مع المجرمين بجرائم السرقة و القتل و التجاوز على ممتلكات الدولة و نمنعها من السفر بدون موافقة ولي أمرها..


يعد هذا القانون إنتهاك صريح لكل مباديء حقوق الإنسان و حقوق الأفراد، و حقوق المرأة... كيف سأحترم نفسي إذا قبلت بهذا القرار؟ كيف سيحترمني إبني الذي سيأتي إذا رأى والدته هكذا مكسورة و مسلوبة الإرادة و محرومة من أبسط حقوقها..
ألم يفكر القائمون على إصدار مثل هذه القوانين و التعليمات بالمجتمع العراقي المقيم في المهجر و المرأة العراقية في المهجر التي تنعم بكامل حقوقها في ظل الأنظمة الديمقراطية في الدول الأوروبية، في حين أن أختها التي تعيش داخل العراق محرومة من أبسط هذه الحقوق و هو السفر بدون موافقة ولي الأمر، ألا يصح أن نبحث عن أنسب الوسائل لتحقيق المساواة بين الكل بدون فروق؟
ثم و إن لم تكن المرأة متزوجة و ليس لها أخ، و والدها متوفي؟ هل عليها أن تستأجر ولي أمر لها لكي يتسنى لها أن تسافر؟


أتمنى من مراكز القرار أن تراجع مثل هذه النصوص التي تحط من كرامة المرأة و و أن تتبنى ثقافة المساواة بين كل شرائح المجتمع بغض النظر عن الجنس و العقيدة و القومية، لماذا نعيد و نكرر ما كان يمارسه الطاغية، حين كان يثبت على هويات الأحوال المدنية كلمة مسلم و مسيحي من أجل التفرقة على أساس المذهب.. فنأتي اليوم و نفرق بين نصفي المجتمع في أبسط حق من حقوقه، ذلك الحق الذي هو جزء من حق المواطنة، و بسلبه يكون هذا الكائن قد هبط إلى مستوى أقل من مستوى البشر العادي.. و تهينه بتصنيفه في الدرجة الثانية من المواطنة بعد الرجل..
هذه هي في تقديري تبعات النظام القائم على أساس مزج الدين بالدولة، النظام الذي يسمي كل شيء بأسماء ذكورية و يرفض كل ما يمت بصلة لجنس الأنثى.. هذه الأنظمة التي أسميها أنها أنظمة ناقصة عقل و دين و ليس المرأة كما يدعون..

فينوس فائق

[email protected]