بداية وكمواطن سوري يعيش جميع هواجس الوطن من أحزان وأفراح، تطرق ذاكرتي قضية الانتخابات، وأحس بمهانة ومرارة لكذب السلطة، حينما أعلنت من خلال الإعلام عام 2006 أن الانتخابات لعام 2007 ستكون حرة وديمقراطية، طبعا وبكل شفافية وحتى هذه اللحظة لم اشعر بأي أمل تجاه ذلك، لأن السلطة وسياساتها تتحول من أسوأ إلى الأسوأ وخاصة تجاه قضايا الوطن والمواطن.


لكن أقول وبصراحة إنني ارفض هذه الانتخابات بشكلها الهزلي، والتي لا تعبّر عن روح الشعب، أو أية درجات الديمقراطية، وحزب البعث والجبهة الذيل وبغطاء امني، يفرضون املاءاتهم وطروحاتهم على عملية الانتخابات، والمبكي جدا موقف إعلان دمشق الجبان والضعيف في حيثياته، وهروبها من دائرة الصراع والمنافسة، وهذا شيء حتمي ومتوقع من كتلة لا تشكل أية مصداقية وجماهيرية، وتعكس جملة من السلبيات تقربها أكثر فأكثر من التماس مع خطوط السلطة والنظام، ودون الأخذ في اعتباراتها إرادة الشعب السوري واحترام حقوقه وحرياته وكأنه غير معني به مطلقا.


ومما يعطيها قوة وهيبة هو وجود كتلتين كرديتيين مؤلفة من ثمانية أحزاب كردية( الجبهة+ التحالف)ضمنها. لكن الساخر والعار في أن قبلت تلك الأحزاب الكردية تواجدها واستمرارها ضمن الإعلان، وخاصة تجاهل الإعلان وقواها لهم في مواقف عديدة وآخرها موقفها من الانتخابات، واستفرادها بقرار المقاطعة دون استشارة القوى الكردية الحليفة، أو العودة إليها كقوى منضوية تحت غطاء الإعلان الأجوف.


طبعا بدأت القوى الكردية تفقد توازنها الداخلي وبدأت البعض منها تتساءل عن هكذا تصرفات من بعض قيادات الإعلان ذات الهوية العربية، مما أدخلت القوى الكردية في نوع من فقدان الثقة بالذات وبتواجدها داخل الساحة السورية المعارضة بشكل عام، والكردية خصوصا، وما مقاطعتها للانتخابات بهذه السرعة والشكل المشبوه والضبابي والغامض، وتذبذب بعض أطرافها في الانتخاب أو عدم الانتخاب، لدليل موضوعي على فقدانها لتلك الثقة بالنفس وبالقدرات الحزبية وبالجماهير الكردية المنفعلة لتصرفاتهم النرجسية والمقوقعة، ودون احترام إرادة الشعب الكردي وحماسه لأجل إثبات الذات الكردية في ظل كل قوانين الاستبداد والظلم!!!


لقد كانت كل الحجج التي أعلنت من قبل قوى التحالف والجبهة ومن ورائهم حزب ازادي الذي لا يعرف أن يستقر في أي ارض، حججا غير مقنعة وتفتقد المنطق مثل( عدم مشاركة مائة ألف مجرد كردي في الانتخاب+ سريان الطوارىء+ لا ديمقراطية الانتخابات الخ).


اعتقد إن تلك القوى وقعت في خطأ كبير لا لجهلها، بل هو لامبالاتها وأنانيتها الحزبية الضيقة، وانجرا رها في شراك السلطة الأمنية ونظريات الحوار مع السلطة والوعود الكاذبة، فإذا كانت السلطة لاديمقراطية فلماذا تراكضت تلك القوى إلى أحضان السلطة عبر الوسيط الشيوعي، ووقعّت على وثيقة أن حقوق الشعب الكردي في سوريا تنحصرفي قضية المجردين من الجنسية.


ونجدها تتسابق إلى حوارات أمنية وسلطوية، وتظهر ذاتها في شكل ضعيف وهامشي، في ظل التفاف الجماهير الكردية حول المعارضة الكردية في جميع المواقف الجيدة والصائبة؟
فما الذي تغيّر اليوم، النظام هو نفسه وعمليات التزوير واللاديمقراطية وغيرها من السياسات والقوانين السوداء والعنصرية موجودة ومستمرة، فلما المقاطعة بهذا الشكل المريب!


هل هي سياسة عدم إغضاب السلطات! أم هي لعبة جديدة داخل الساحة الكردية!
أم هو الخوف من منافسة البعث وأزلامهم، ومقارعتهم على صناديق الاقتراع!
لقد كان موقفهم مشينا وغير صائب، وخاصة في هذه المرحلة الهامة من تاريخ الشعب الكردي في كردستان سوريا، والتقارب الذي بدأ يوحي بولادة مرجعية كردية قوية، وكسر لكل حواجز الخوف والقمع، وتضامن الشعب الكردي مع المعارضة الكردية بكل أحزابها وتشكيلاتها، وتعمّق الوعي الكردي الجاد بالقضية الكردية بعد الانتفاضة وربيع قامشلو الدامي، وهذا كان سيؤدي إلى انتصار كردي ساحق في الانتخابات في جميع المناطق الكردية، وبقائمة كردية مستقلة ومواجهة لقائمة السلطة البعيدة عن قيم الديمقراطية والمنافسة الشرعية، وأخذت السلطة في حساباتها كل ذلك وشعرت بالخوف من أي قائمة كردية موّحدة في ظل سلسلة المد الكردي السياسي والجماهيري، فهمست في أذن البعض من المتخاذلين ولعبت لعبتها. ومهّدت تلك الأحزاب الكردية بتصرفها الغير متوازي لإدخال الطمأنينة إلى أعماق السلطة وحزب البعث!!!


إنها لعبة الكراسي والتعيينات حسب ما نراها داخل بيوت السلطة، وعمليات التزوير ولاديمقراطية السلطة وثقافات القمع والاستبداد لا تشكل عوائق أمام أية قوى معارضة لأجل أن تهرب من عملية الانتخاب، لأن الانتخابات هي في حقيقتها منافسة بين السلطة والمعارضة، وكان حريّا بالمعارضة الكردية المتخاذلة، المشاركة وبقوة والنجاح في الانتخابات بأي شكل كان، وعكس ديمقراطية ولدت من داخل البيت الكردي المعارض رغم كل القيود والمصاعب.


لقد كان موقف لجنة التنسيق الكردية( حزب يكيتي+ تيار المستقبل) صائبا وموضوعيا وخاصة عملية الاستفتاء حول الانتخابات وأخذ رأي الشعب الكردي في ذلك ولو بشكل عشوائي، ومن ثم التقدم ببرنامج انتخابي ديمقراطي يعبّر عن تطلعات الجماهير الكردية، ورفض السلطات والأجهزة الأمنية للبرنامج، ومن ثم خيانة حزب الاتحاد الديمقراطي للجنة التنسيق، حيث كان الاتفاق هو المشاركة بقائمة كردية كاملة ومستقلة في مواجهة قائمة السلطة، ولكن تبين إن ذلك الحزب قد قرر المشاركة ضمن هامش قائمة السلطة والبعث وكأنه اشتاق لأن يعود إلى أحضان النظام ويضع نفسه تحت خدمته!!!!!
لست هنا في موقع الشتيمة أو التعرية، ولكنني حانق ومتألم لهذا الوضع المزري للقوى الكردية، فهي تقف في واد،. والشعب الكردي في وادي آخر، وكل هذا بسبب شخصيات تكرس النضال الكردي وحقوق الشعب ضمن شخوصها الهزيلة والمريضة، وما على هؤلاء إلا العودة للذات، أو ترك الشعب يختار ما تقتضيه مصلحته، أو التوحد كمعارضة كردية واحدة حول ما يطمح إليه الشعب الكردي لأجل أن يحظى بالشرعية الحقيقية.


المسألة الثانية والخطيرة ما حدث في مدينة ديرك، تلك الأحداث التي قد تحدث في حياتنا اليومية بشكلها الانسيابي والطبيعي، حيث تكللت بالدم الكردي على يد مجموعة من السريان الحانقين والمستهترين بما حولهم، ومن ثم محاولة البعض من الدجالين وازلام السلطة إلى تسييس الحدث وخلق فتنة طائفية ومن ثم عسكرة المنطقة، وإظهار صراع كردي- مسيحي أمام العالم المسيحي.


حقيقة كان تصرف هؤلاء السريان جريمة لا إنسانية وبعيدة عن كل القيم الأخلاقية والدينية، لكن ذلك لم يعكّر العلاقة الأخوية والحضارية بين الشعب الكردي والمسيحي بتنوعاته( كلدو اشور- أرمن- سريان الخ).وأثبت الكرد من جديد أنه شعب متسامح ومحب لكل الشعوب والقوميات الأخرى التي تشاركه الأرض والخبز والظلم نفسه، والتاريخ خير حقيقة على ذلك حينما ارتكب الترك مجازر بحق الأرمن ومن ثم بحق الكرد، وما إنقاذ وحماية الكرد لآلاف الإخوة الأرمن من تلك المجازر لرسالة تعبّر عن تاريخية العلاقة وإنسانيتها وشفافيتها عبر السنين.


ومن ثم محاولات السلطة لمنع أي تقارب كردي- مسيحي أثناء الانتفاضة الكردية، وكذلك تحريض العشائر العربية ضد الشعب الكردي، ما هو إلا بوادر لأجل خلق فتنة طائفية تخدم هيمنة الأجهزة الأمنية، واستدامة لكل الأحكام العرفية وقانون الطوارىء.


ولكن استطاعت المعارضة الكردية موحدة ومع جهود رجال الدين المسيحي وقياداتهم السياسية والاجتماعية، تهدئة الأوضاع والتعبير بكل تسامح ومحبة وسلام، أن الكرد والمسيحيين إخوة في الحياة والإنسانية. وهذه حقيقة هو أن الكرد لم يكونوا يوما ما إلا في موقف المدافع عن حقوقه وأرضه وحياته، ومن ثم إن جزءا من الشعب الكردي يعتنق المسيحية ويسير على مبادىء السيد المسيح عليه السلام، إذا نحن جميعا شركاء في الحياة والدين والمصير المشترك.


شعرت بالأمل يعود من جديد، كغيري من الكرد بعد هدوء ما حدث في ديرك، والدور الجميل الذي قامت به المعارضة الكردية، ذلك الأمل الذي كان قد ملأ كل أنحاء جسدي، وزاد حرارة ورونقا بعد نجاح مؤتمر باريس وما صدرت عنه من توصيات وقرارات جريئة وديمقراطية، وشعرت بالفخر بتلك المعارضة، حين اتفاقها على إن القضية الكردية، قضية ارض وشعب، ومن هنا تشكلت بوادر أول مرجعية كردية جادة وصحية، وأنعشت نفوس كل الشعب الكردي في كردستان سوريا، ولكن بدأت الصورة تهتز من جديد، وبدأت رياح الخيبة والخوف تنخر في أعماقي، لما تصرفت فيه تلك القوى تجاه عملية الانتخابات في سوريا، ومن هنا ألا يحق لي ككردي يعتبر المعارضة الكردية مرجعية في كل شؤون الحياة والمصير أن أتسائل، هو هل يمكن للمعارضة الكردية أن تعيد الأمل والتفاؤل إلي، والى ملايين شعبنا الكردي المظلوم، أم علينا أن ننتظر ونقف على قارعة الطريق، وأمام الكنائس والمساجد، وعلى أبواب الأنظمة الاستبدادية، نتسول لأجل أن نحصل على فتات من حقوقنا، تحت ضربات وسياط الجلادين وأباطرة الظلم. سؤال يفرض نفسه،ولايحتاج من المعارضة الكردية السورية، سوى تصرفات على ارض الواقع تكون حقائق أمام النظر، لا وعود سرابية تغشي البصيرة.

9 ابريل- 2007

جهاد صالح

صحفي وناشط كردي- سوريا

[email protected]