بات واضحاً، منذ الآن، أن الإنتخابات التشريعية المزمعة إجراءها في 22 نيسان من هذا الشهر أضحت في مهب الريح. فالأحزاب و القوى المنضوية في إعلان دمشق، العربية و الكردية، أعلنت منذ البداية مقاطعتها لها. وحذى حزب آزادي الكردي نفس الإتجاه، فأعلن قادته عدم المشاركة، و لم يبقى سوى حزي يكيتي الكردي، الذي أعلن قبل أيام، دق المسمار الأخير في نعشها.


كغيري، و في معرض الحديث عن الإنتخابات، لا بد أن أوكد عدم وجود أية مراهنات، من نوع ما، لدي على نية النظام في تغيير قواعد اللعبة السياسية في البلاد، فضلاً عن النتائج، الجاهزة و المفبركة، التي ستسفر عنها الإنتخابات، و إنما كان هاجسي الوحيد يتمثل في كيفية إستثمار فرصة إجراء هذه الإنتخابات، لصالح تفعيل حراك سياسي و إجتماعي مناهض لسياسة النظام، و مناسبة للإطلال على الرأي العام، و على الشارع السوري العريض، بجميع مكوناته و أطيافه المتعددة، لنسج خيوط علاقة حيوية و مهمة مع أبناءه. فإذا كان الهامش الديمقراطي المزيف يسمح على سبيل المثال المنافسة على أربع مقاعد للمستقلين في محافظة الحسكة، فإن من واجب الأحزاب الكردية، ان تستفيد من هذا الهامش، ليس لتأمين الفوز بأربع مقاعد ( محسومة سلفاً لقائمة الظل البعثية )، و إنما من أجل القيام بالحملات الإنتخابية التي من خلالها، يمكن الوصول الى أوسع الفئات الشعبية، بغية شرح المواقف و السياسات المتعارضة مع تلك للنظام القائم.


سوريا، ما تزال أبوابها موصودة في وجه رياح التغيير، و كل المراهنات التي إعتمدها البعض على الرئيس بشار الأسد، ما لبثت أن تبخرت على وقع الإعتقالات و المضايقات التي مارسها النظام بحق النشطاء السياسيين و رموز المجتمع المدني، و بالتالي فإن أجواء العزلة المفروضة على الشعب و الحياة السياسية عموماً، سلطوياً، يجعل من مقاطعة الأحزاب السورية للإنتخابات، ذي غير معنى، خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار، تطورات الشرق الأوسط الأخيرة، في ظل دعوات أمريكية و أخرى، لفتح قنوات حوار مع النظام القائم في دمشق، بغية بسط الأمن و الإستقرار في العراق.


إذ أن حسابات الربح و الخسارة في دفاتر السياسيين السوريين المعارضين، فيما يتعلق بالإنتخابات التشريعية، على سبيل المثال، بدت منحرفة عن سكة التغيير الديمقراطي المنشود. فالتغيير الديمقراطي، أينما كان يستمد نسغه من أمواج شعبية و جماهيرية واعية و غاضبة. و تدل تجربة المعارضة السورية، منذ تولي بشار الأسد، مقاليد السلطة، على فشلها بكل المقاييس، حيث عجزت عن طرح مشروع وطني ديمقراطي، و إستعاضت عنه بخطاب سياسي، إنطوى على تقاطعات واضحة مع الخطاب السلطوي، الأمر الذي حرمها من الدعم الدولي، ناهيك عن الإلتفاف الجماهيري.


عندما تشرفت بلقاء الدكتور عبد الرزاق عيد في بلجيكا قبل حوالي عامين، أكد لي في معرض حديثه عن هموم المعارضة في ظل إنعدام الحياة السياسية عن عدم قدرة أحزاب المعارضة و لجان المجتمع المدني عن ضم أعضاء جدد الى صفوفها، مستطرداً على سبيل المثال في أحوال لجان المجتمع المدني قائلاً quot;.. لم يزد عدد اعضاء لجان المجتمع المدني منذ أربع سنوات..quot; إزاء هذه الصورة الحقيقية عن واقع المعارضة السورية، يكون من الطبيعي أن يلجأ قادتها الى حسابات معينة، جلها تأخذ بعين الإعتبار معطيات حزبوية ضيقة، لا تلبث أن تكشف عن سلوك إنهزامي، فاقد للإرادة السياسية، و غير عابئ بالمسؤولية المنوطة بها.
و يجدر بي القول أن هذا السلوك الإنهزامي كان أكثر وضوحاً في المشهد السياسي الكردي، نظراً لما يتمتع به من حراك مشهود له في جميع أوساط المعارضة السورية، من حيث إستعداد الجماهير الكردية للنزول الى الشوارع، و مؤازرة أحزابها. فقد كان متوقعاً أن تبادر الحركة الكردية، بجمع محاورها، الى تحويل إستحقاق 22 نيسان الى مهرجان جماهيري لصالح قائمة كردية مستقلة و موازية لقائمة البعث، و مناسبة لترجمة تصريحات و دعوات الإستهلاك المحلي المتعلقة بتشكيل مرجعية سياسية كردية في سوريا الى حقيقة و واقع. الأحزاب الكردية تخبطت في ترجمة موقفها الخاطئ من الإستحقاق الإنتخابي، فتوزعت المواقف بين المقاطعة السريعة من بعض الأطراف ( التحالف، الجبهة ) دون التشاور مع الأحزاب الكردية الأخرى، وقرار أحزاب أخرى بالمشاركة ( يكيتي، تيار المستقبل و الإتحاد الديمقراطي ) من دون أن تتوصل في لقاءاتهم الى قرار بتشكيل قائمة موحدة، الأمر الذي أدى بيكيتي الى إتخاذ قرار لا يقل غرابة عن مواقف الأخرين و هو الإنسحاب.


و عليه أختم، فأقول، أن السلطات السورية و المعارضة تتحملان إفراغ الإستحقاق الإنتخابي من محتواه. الأولى تلجأ الى التضييق و الإقصاء و التزوير، فيما تلجأ الأخرى الى الإنكفاء و الإستخفاء عن حركة الجماهير، في سلوك إنهزامي، مجيرة أسباب وهمية و مزيفة، لإخفاء و اقع إخفاقها و عجزها.

زيور العمر
16/04/2007