المراقب للحراك السياسي على مستوى المعارضة السورية في الداخل والخارج يرى بوضوح أن النظام السوري يحاول الدخول على خط المعارضة وعبر محورين الأول هو وقف علاقاتها مع المجتمع الدولي ووصمه بشكل العمالة لهذه الجهة أوتلك والثاني هو محاولة خلط أوراقه مع أوراق المعارضة لوقف تفاعلاتها وحرفها باتجاه السجالات العقيمة الداخلية لإبعادها عن مواكية الأحداث الداخلية وبالتالي إبعادها عن التأثير في الحياة السياسية وعرقلة مشروع التغيير الوطني الديموقراطي في سورية.
فعلى المستوى الأول نجحت نسبيا ً المعارضة السورية بطرفيها الأساسيين جبهة الخلاص الوطني وقوى إعلان دمشق بتثبيت صورة المعارضة السورية لدى المجتمع الدولي وأوضحت طابعها الديموقراطي التعددي بما يمثل المطلب السياسي الموحد وأيضا ً ثبتت خطاب معتدل بعيد عن التطرف والإقصاء وبشكل يؤسس لعلاقات سليمة بين أطرافها بعيدا ً عن الوصاية والأنانية السياسية ورغبة الإنفراد الوهمية بقيادة العمل الوطني باتجاه التغيير المطلوب وعليهما المزيد فعله في هذا الإطار، وهنا نؤشر وبوضوح دور جبهة الخلاص الوطني في حوارها مع المجتمع الدولي بتثبيت الخط الوطني المستقل البعيد عن تبني مشاريع خارجية يحاول النظام أن يحشر المعارضة السورية فيها وإنما تحاول إقامة علاقات مع المجتمع الدولي على أرضية مشروع سياسي واضح مبني على فهم صحيح وصريح لتقاطع المصالح الخاصة والعامة في مسألة التغيير في سورية، وبشكل سريع نقول يجب تأشير بعض تحركات أطراف المعارضة وهي قليلة التأثير لكنها موجودة، تلك التي تدعو إلى علاقات أكثر قوة مع المجتمع الدولي وأكثر حدة ويقارب تطرف النظام من خلال فهمها لدور أطراف العمل الوطني الأساسية بالتغيير ونخص بالذكر الموقف من الإخوان المسلمين الذي لم يخرج قليلا ً عن موقف النظام ولم يتطور سياسيا ً إلى مستوى فهم التطور الذي حصل في البرنامج السياسي للإخوان المسليمين في سورية، وبكل الأحوال نرى ضرورة التقارب والحوار لفهم العلاقات مع بعضها ومحاولة إنتاج موقف إيجابي من العلاقات مع المجتمع الدولي يساعد المعارضة السورية على التغيير وضبطه بشكله الديموقراطي وتجاوز مرن لحالة الإحتقان السياسي والإجتماعي وحتى الطائفي الذي أفرزه النظام في سورية.
في حين نرى الصورة أكثر ضبابية على المستوى الثاني وهو شكل العلاقات الداخلية بين أطراف المعارضة السورية وهذا ينسجب على الداخل والخارج وبشكل أكثر على الداخل بحكم أنه واقع تحت مطرقة النظام الأمني وسندانه وسلوك التمزق والإحتقان السياسي الذي أفرزه النظام في سورية عبر مسيرة طويلة من القمع والتهميش والإلغاء، وهنا يجدر بكافة أطراف المعارضة أن تحسم هذه المسألة وتتجاوزها وتركز قواها وجهودها وتتفاعل على أرضية هدف التغيير بتشابك حواملها الفكرية والسياسية وآلياتها العملية باتجاه واضح محدد هو تفعيل آلية التغيير الديموقراطي في سورية.
وحتى تكون الأمور واضحة نرى ضرورة أن تكون البرامج والمشاريع المطروحة على مستوى المعارضة السورية وفي الخارج تحديدا ً وهي كثيرة وبمعظمها مفيدة أن تكون شفافة وواضحة وتكشف أوراقها أمام بعضها والحوار على أرضية الوصول إلى آلية مشتركة للتغيير في سورية، وهنا تبرز الصعوبات الأساسية التي تواجه تفاعل أطراف المعارضة وهي توضيح من هي الأطراف الصادقة في تبني خيار التغيير وبين الأطراف التي تغذي التناقضات وتدفع المعارضة باتجاه السير في طريق التفتت والتنافر وحرف عنوان وهدف الحوار وبالتالي إجهاض عملية ولادة حقيقية لحامل التغيير الوطني الديموقراطي في سورية، ويلاحظ هنا تأثير قوة النظام باتجاه وضع الحواجز والقيود والحيطان بين أطراف المعارضة وحصر علاقاتها في الماضي وفي أطر إيديولوجية أثبتت فشلها كليا ً في إنتاج شكل جديد للحياة السياسية أولا ً وفي ورموز ماضية معروف تأثيرها السلبي على الحياة الوطنية والسياسية والإجتماعية و الأهلية في سورية.
والخلاصة: أولا - إن على أطراف المعارضة السورية وخاصة ً الموجودة في الخارج والتي تتمتع بهامش كبير من الحرية تحديد رؤيتها بشكل علني و شفاف وصريح للحوار ومستواه وهدفه المركزي،هل هو تطوير آلية عملية وتحديد جدول زمني واضح للتغيير أم المراهنة على النظام والظروف الإقليمية ؟ في حين نرى الضرورة الملحة لنقل الحوار إلى مستوى التفاعل بين برامج سياسية متعددة أوضحها إلى الآن هو مشروع جبهة الخلاص الوطني في سورية والتي نشرته مترافقا ً مع رؤيتها السياسية والإجتماعية والحقوقية وشكل الدولة المدنية عبر وثيقة الحقوق المدنية التي طرحتها الجبهة وهي فهم جديد ومتطور يشكل أساسا ً لإنتاج مفهوم قانوني مدني يحدد علاقة الفرد والمجموع والدولة ضمن حاضنة القانون والعدالة والمساواة...وهذا أصبح في متناول من يريد أن يتحاور.
ثانيا ً - توطين وعقلنة الحوار عبر خطاب سياسي معتدل جديد مستقل قدر الإمكان عن عقد الماضي والتي بمعظمها أنتجها النظام والآن يعيد إنتاجها من جديد وتصديرها إلى ساحة المعارضة السورية في الخارج تحديدا ً بهذا الشكل أوذاك،عبر تحديد غير بريء لعناوين الحوار وأطراف الحوار ومحاولة تحديد سقفه بطروحات سياسية بعيدة عن واقع الشعب السوري واهتماماته اليومية محمولة بشكل كبير على مفرزات الأحداث الإقليمية الشاذة وإدخال بعض أطراف المعارضة السورية الجديدة على العمل الوطني بدائرة الخوف من التغيير بدل الخوف من النظام واستبدال عنوان الحوار ونقله من مستواه السياسي والوطني إلى طابع فئوي فردي لايمت بصلة إلى واقع سورية التاريخي بل هو الوجه الآخر للنظام الفردي الذي أنتج كل هذا الزيف في سورية، أي تركيز الحوار حول البرنامج السياسي الأول للمعارضة السورية وهو التغيير وعزل كل محاولات النظام ومن معه ومن يدور في دائرته لتعويم برنامج المعارضة وتمديده على طريق تمزيقه وإدخاله في سجال عقيم بدايته ونهايته هو quot; البيضة من باضة والدجاجة مين جابهاquot;....الحوار هو شيء آخر، هو مسؤولية وكلام مسؤول ومشاركة لابد منها في البحث عن مخرج من نظام لم يبق شيء في سورية إلا وعكس عليه ملامحه الفردية الإقصائية الفاسدة المستهترة بكرامة الشعب وقيمه ومستقبله، الحوار محاولة تأسيس لنمط جديد من العلاقة بين الأطراف الوطنية، علاقة القبول والإحترام القيمية وليست العددية، علاقة تكامل وتفاعل وإنتاج البديل الوطني الديموقراطي في سورية.
د.نصر حسن
التعليقات