مقدمة وجيزة جداً: سنتناول الجانب الرياضي العولمي، فقط في هذه المقاربة درءاً لأي استفزاز.

لا أخفيكم سراً بأنني كنت، وفي فترة ما، من هذا العمر المنكوب، مشجعاً، ومؤيداً لأحد الأندية المحلية، وكنت أواظب، وباجتهاد، على حضور مباراياته، وانتظارها من أسبوع لأسبوع، وتتبع نتائجه، وترقب جولاته، ومعرفة موقعه على لائحة الترتيب العام. وكان الفرح والابتسام والغطرسة الفارغة يغمرانني حين يفوز ويحقق الانتصارات. وكان الزعل، والحرد، والكدر يعتريني حين يهزم، ويسجل الإخفاقات. وكنت أرى في لاعبي فريقي النجوم المفضلين، والأيقونات الأجمل، وملائكة الرحمة، وأشملهم بعطفي وحبي ومؤازرتي، فيما كنت أرى في لاعبي الفرق الأخرى شياطين، وأبالسة، وقروداً هزيلة أكن لها مشاعر النفور والازدراء وبخس قدرهم ومهما كان. وكثيراً ما كانت تدور المناقشات الحادة والتعصب والتحيز للنادي الخاص وتنزيهه على حساب الأندية الأخرى وتقديم التبريرات لمطباته، وأخطائه، وزلات أقدامه في الميدان.

طبعاً كان هذا الأمر، وبشكل عام، في السنين الخوالي أيام الراديو، وتلفزيون الأسود والأبيض، واستمرت إلى ما قبل عشر سنوات، تقريباً، وتحديداً، قبل انتشار الفضائيات، والإنترنت، والانفتاح والثورة التكنولوجية والرقمية الجامحة التي اجتاحت العالم من أقصاه إلى أقصاه. وجلبت العولمة معها وفرة كبيرة من الأحداث، والأخبار، والنجوم الكبار، وتضاءل الاهتمام بالجانب المحلي، لصالح القادم الجديد الذي يحمل معه كثيراً من المهنية، والخبرة، والأضواء، والنجوم quot;السوبرquot;، الذين يحملون صفة العالمية والاحتراف. وصارت الأندية العالمية والكبيرة والعريقة، والتي صرنا نتابع مبارياتها على الهواء، محور اهتمامنا، وأصبحت أسماء الفرق والأندية العالمية هي ما تثير فضولنا، وأمّا الفرق المحلية ففي مؤخرة الاهتمام، وغير ذي بال.

واكتشفنا أن أداء وإمكانيات ومهنية وخبرة ونجوم الفرق العالمية العولمية يختلف بما لا يدع مجالاً للمقارنة، مع الفرق المحلية والعربية، بحيث أصبحت متابعة مباراة لنادي مثل quot;الإنترquot;، أو quot;المان يوquot;، وquot;البارساquot;، وquot;الريالquot;،ومنتخبات كالبرازيل، وإيطاليا والأرجنتين، هي متعة حقيقية من أول دقيقة في المباراة لآخرها. أمّا متابعة مباراة محلية أو عربية، فهي عبارة عن عقوبة، ومجازفة كبرى محفوفة بالاستفزاز، وكابوساً يقض المضجع طيلة عمر المباراة الذي سيتمخض عن هزيمة ساحقة مذلة ونكراء للفريق المحلي أو العربي، وأداءً ضاحكاً وومحبطاً بكل الاعتبارات. وصارت أخبار الدوري المحلي مملة، ولا جديد فيها، وأخبار الهزائم والكوارث متوالية، وأكثر من أن تعد وتحصى. وصارت المباريات بين الفرق والأندية العربية مع بعضها عبارة عن سيرك مضحك وممل وفسحة للتندر والسخرية والشماتة والتهكم.

أداء الفرق العولمية النجومية يتسم على الغالب، بالبراعة، وسيادة روح الجماعة، وتطبيق الخطط العلمية المدروسة بحذافيرها، أي واحد زائد يساوي واحد، والرجل المناسب في المكان المناسب. واختيار التشكيلة يعتمد على المهارة والحاجة ودقة الإتقان. بينما أداء الفرق العربية والأندية المحلية، يتسم بالفردية، والأنانية والتهور والطيش، والخطط المعدة على مبدأ quot;عليهم يا عربquot; الشهير، ومشاركة اللاعبين تعتمد على المحسوبية والعشائرية والقرابة والاستزلام، وتطبيق الشعار العربي الأشهر الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، والمناسب على الرف وquot;دكةquot; الاحتياط. هذا الواقع الفج والمؤلم أدى إلى تراجع الاهتمام بالفرق والأندية المحلية، وتكاسل وتراخ في متابعة أخبارها، ومعرفة نتائجها سلفاً وقبل خوض المباراة، لصالح ولع، وتشوق، وترقب لمباريات الأندية والمنتخبات العولمية التي تحمل الإثارة، والمتعة، والتشويق والإثارة والجمال. وأصبح اللاعبون المحليون والعرب شبه نكرات ومجهولين ولا أحد يشتريهم بقشرة بصلة، وفي مجتمعاتهم بالذات. فيما أضحى لاعبو الأندية والفرق العولمية نجوماً لامعين ومشهورين ومطلوبين في كل مكان من العالم، ويباعون ويشترون بأرقام فلكية وخيالية وأسطورية تعادل ميزانيات دول من الدول المتعوسة quot;إياهاquot;، وتردد أسماءهم حناجر الكبار والصغار، نتيجة للمهنية والاحترافية وتغول العولمة الرياضية، والتسويق الذكي والمبرمج والدقيق للاعبين، وازدهار هذه الصناعة الاحترافية الراقية التي تدر المليارات.

لم تعد تهمني أو تشغلني الأندية المحلية والعربية، ولا نتائجها ولا نجومها فقد خذلت الجميع، وجلبت الشؤم والمهانة والعار، وأشعر بالخجل من ذكر اسمها في أي مكان. فتاريخها مزيج متراكم من السواد والإخفاق والاندحار المرير في كل الساحات. ولا يعنيني إن فازت أو ربحت، وفي أعماق عقلي الباطن شعور جارف بأنها لن تحقق أي إنجاز ذي بال، في يوم من الأيام. وولى الاهتمام بها كلية لصالح الفرق والأندية العولمية التي تزدهر يوماً بعد آخر. وفي أية مباراة أو لقاء بين أي من الفرق المحلية وفريق عولمي ستكون وبلا شك هزيمة مذلة، وفضيحة مدوية، بكل المقاييس تكشف الضحالة والبؤس والفقر والتواضع التي تكابده فرقنا العربية والمحلية.

مجموعة الثماني الاقتصادية quot; G8 quot;، تكاد تكون تقريباً، نسخة كربونية لمجموعة الثماني الرياضية التي تحتل عناوين الصحف، والأخبار وتحصد الجوائز والأرقام والميداليات. وإن الازدهار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، سيعني حتماً ازدهاراً رياضياً، وعلمياً، وفنياً، فلا تتوقعوا أن تكون بورما وبنغلادش والصومال يوماً أبطالاً، أو نابغين في أي مجال، في ظل هذه المعايير، والوقائع، والأرقام المخجلة والمشينة التي تصدر من هناك. لكن ترقبوا أن تتبوأ دول مثل اليابان، أو حتى الصين ونمور آسيا الأخرى، سدة التتويج في أية منازلة كروية قادمة، كونها تحقق المعجزات وتتقدم في مختلف المجالات.

إنه السياق الأكثر منطقية واستدلالية للتطور والأحداث. وستبقى العولمة الكروية والرياضية في الصدارة، والريادة، وتتقدم على المحلية وعلى ما عداها من نشاطات، وتزيحها من طريقها كما تفعل العولمة الاقتصادية والسياسية والصناعية واللغوية. فهل هي شريرة كما يشاع؟ أم يجب أن تكون باعثاً على العمل، والإبداع والبذل، والعطاء، وتطوير الذات؟ أنها العولمة المباركة، ومهما بدت قاسية، لكنها
تتقدم في غير، وأكثر من اتجاه، ولن تنتظر أولئك الشاخرين النيام، وستأخذ في طريقها، حتماً، فلول الصغار، وكل العاجزين المتواضعين الضعفاء.

ولا عزاء للمتخلفين، والمقصرين، والمتقاعسين، على الإطلاق.

نضال نعيسة
[email protected]