رغم كون الانسحاب من الحكومة العراقية التي فشلت في حماية نفسها في بقعة مساحتها لا تتجاوز ببضعة أميال أصبح موضة جديدة عند سياسي العراق الجدد، ولكن التطرق إليه من قبل بعض قياديي الحزبين الكرديين الكبيرين الاتحاد الوطني ( اليكتي ) بزعامة جلال الطالباني والديمقراطي ( البارتي ) بزعامة مسعود الباراني لم يكن بحديث. حيث سمعنا هذه المواويل النشاز مرات عديدة وعديدة ومنذ تشكيل مجلس الحكم في البلاد وحتى الآن، مستغلين الظروف السياسية والأمنية الصعبة الغير المستقرة التي يشهدها الشارع العراقي. فبعد انسحاب التيار الصدري من حكومة معالي رئيس الوزراء نوري المالكي أستغل الأكراد الوضع من جديد ليجبروا معاليه بتمرير المادة 140 لصالحهم وألا فأنهم سينسحبوا من العملية السياسية ويقصموا ظهر الحكومة التي ستسقط حتما حسب رأيهم.

الانفصالي الكردي محمود عثمان لم يكتفي بتهديده المالكي بانسحاب قائمة التحالف الكردي من حكومته في حال عدم تنفيذ المادة المشئومة 140 من قانون إدارة الدولة الذي كتب تحت حراب الأمريكان، وبل هدد الجارة تركيا بعدم سماحهم لها بالتدخل في شؤونهم بحجة مسألة كركوك أو مطاردة فلول حزب العمال الكردي الإرهابي، وقتل أكرادها الذين يعتبرون جزءا من الأمة الكردية ومن حق أكراد العراق الدفاع عنهم.

أمرك غريب يا كاكا محمود وأنت تطلب من دولة بأن لا تتدخل في شؤونكم في حين حكومة إقليمك تأوي على أرض الإقليم التي تسيطر عليها، المخربين والإرهابيين من عناصر حزب شوفيني محضور من قبل معظم بلدان العالم وتقدم لهم كافة المساعدات المادية والمعنوية وتمدهم بالمستلزمات العسكرية وتهيئهم لتنفيذ العمليات الجبانة داخل الأراضي التركية وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء. أسألك يا كاكا بماذا تسمي إيواء المعارضين لجيران بلدنا كتركيا وإيران وسوريا وتهيئتهم للقتال ضد بلدانهم التي تسمون بمطاردة جيوشها لتلك الأوباش المجرمين بالتدخل في شؤونكم الداخلية؟

وأسألك أيضا يا كاكا وأنك تقول بأن المادة 140 تحضى بموافقة أمريكية، لو لم تكن المادة أمريكية 100% أ ما سميتم جنود الأمريكان بالمحتلين بدلا من تسميتهم بالمحررين وطالبتم برحيلهم؟ ولكن ومادام يبدون بموافقتهم ( حتى ولو كانوا يخدعونكم ) على تحقيق أحلامكم في ضم كركوك إلى إقليمكم الكردي فلا تعتبرونهم بأنهم يتدخلوا في شؤون العراق الداخلية وكأن العراق ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية التابعة لسيدكم جورج دبل يو بوش. ولكنني أوصيكم بأن لا تخدعوا أنفسكم كثيرا بوعود أولئك الأراذل المنبوذين والشعب العراقي من أقصى شماله إلى أدنى جنوبه يفيض غضبا من شدة معارضته بالاحتلال الأمريكي لبلاده وأبناءه ينظمون التظاهرات في كل مكان ويحرقون العلم الأمريكي وصورة بوش ويطالبون جنوده الرحيل من أرض وادي الرافدين، ولم تكن المظاهرة المليونية التي شهدتها مدينة النجف الأشرف في الذكرى الرابعة للاحتلال إلا بمثابة صفعة أولية قوية في وجه المحتلين وعملاء الأمريكان والإسرائيليين الذين قرب نهايتهم المأساوي ونهاية عملائهم الأنذال أيضا.

أسألك يا كاكا محمود أية مادة هذه 140 تتحدثون عنها وتهددون حكومة الخضراء بتنفيذها وألا تنسحبون من العملية السياسية؟ ومن تريد ينفذ هذه المادة النكراء التي وضعتموها في قانون إدارة الدولة غير النزيه والذي خصصتم على صياغة هذه المادة منه بالذات عشرات الملايين من الدولارات كرشوة للمجرمين ابتداء من بول بريمر وانتهاء بأقلامكم المأجورة التي تستعملونهم كأبواق لمخططاتكم المشبوهة ولدعاياتكم الزائفة. اللجنة التي تم تشكيلها لتنفيذ المادة 140، قدم أغلب أعضاءها استقالتهم بعد تعرضهم لضغوطات أحزابكم السياسية وتهديدات ميليشياتكم المسلحة لهم بالاغتيال واغتيال أفراد عوائلهم. والتركماني الأستاذ جاسم محمد جعفر وزير الرياضة والشباب كان أول المستقيلين عن اللجنة المذكورة ومنذ أول الأيام ولحقه الآخرون، وقبل بضعة أسابيع فقط استقال الدكتور هاشم الشبلي وزير العدل من رئاسة اللجنة وكشف عن فضيحة الرشوة الكبيرة والقصر المهداة إليه في أربيل من قبل رئيس الإقليم الكردي. وبالأمس استقال أيضا التركماني السيد تحسين كهية من اللجنة بسبب عدم تقبله الضغوطات المستمرة من قبل قيادتي الحزبين الكرديين المذكورين.

اليوم لم يبق في اللجنة المذكورة إلا الأعضاء الأكراد والتركماني الوحيد السيد أنور بيراقدار رئيس حزب العدالة التركماني الذي سيقدم هو الآخر استقالته في القريب العاجل، لتصبح اللجنة كردية خالصة وأعضاءها الأكراد لا يعملون لحسم قضية كركوك لصالح القيادات الكردية أبدا. وهل يستطيع الكاكا محمود أن يقول لي ماذا قدمت هذه اللجنة منذ تشكيلها ولحد الآن وكم من قضية حسمتها؟

المرحلة الأولى من المادة 140 كانت مرحلة تطبيع الأوضاع في المدينة وحسب أقوال أعضاء اللجنة الذين رفضوا الرشاوي التي عرضت عليهم من قبل المسئولين الأكراد، لم تفلح اللجنة في 5% من عملها ولم تحسم عشرات الآلاف من قضايا ملكية الأراضي العائدة لأبناء كركوك الحقيقيين والتي اغتصبت من قبل النظام الصدامي السابق والأكراد القادمين إلى المدينة بعد سقوط النظام. ولتطبيع الأوضاع في كركوك يحتم على القيادات الكردية إعادة أكثر من 600 ألف كردي جلبوهم من تركيا وإيران وإعادة الحق لأصحابها. وبعد انتهاء تطبيع الأوضاع تبدأ المرحلة الثانية من المادة ألا وهي إجراء التعداد السكاني للمدينة وأخيرا المرحلة الثالثة الاستفتاء. وهاتين المرحلتين بالذات يحتاجان إلى ظروف سياسية وأمنية مستقرة أكثر. وفي في مثل هذه الظروف الصعبة والشارع العراقي ينزف دما لا تعداد صحيح يمكن إجراءه ولا استفتاء عادل. ولأجل ذلك يرفض جميع الأطراف العراقية قاطبة عدا القيادات الكردية المادة 140 والاستفتاء على مصير مدينة كركوك تحت هذه الظروف الغير طبيعية. ولا داعي يا كاكا تقتل القتيل مرتين وتهدد حكومة بالسقوط وإنا فعلا ساقطة بنظر أبناء شعبها لكونها حكومة الاحتلال المفروضة على البلاد وليست بحكومة وطنية ما دام أعضاءها ملاحقون للتصفية في كل مكان حتى وفي منطقة الخضراء المحمية من قبل قوات عراقية وأجنبية. فهذه الحكومة ستستمر في الحكم وهي ساقطة إلى أن تنسحب قوات الاحتلال من أرض الرافدين، سواء انسحب قائمة التحالف الكردي منها أو قائمة العراقية أو حتى بقية القوائم ولا داعي بالتهديدات الباطلة الفارغة التي لا تغيير شيئا من المعادلة السياسية في البلاد. وسترون بأن المادة 140 مادة باطلة وساقطة حتى ولو أجبرتم الحكومة العراقية الحالية على تنفيذها. وستبقى كركوك مدينة التآخي والتآلف والمحبة العراقي ليعيش أبناءه بسلام وأمان بدون ارتباطها إلى أية جهة شوفينية وطائفية.

أوميد كوبرولو