شهد الغناء العراقي قديما ً وحديثا ًإرثا هائلا ً ورائعا ً من الموسيقى والشعر الفصيح والعامي من الشعر الغنائي والأبوذية،مما جعله مرتبطا ً وبشكل وثيق بهموم العراقيين، وقد تغلب الغناء العراقي عبر أزمنته على سلطات حكومية وسياسية واجتماعية ودينية،ولم يأبه بها على الإطلاق،فمنذ صديقة الملاية التي غنت عن صندوق أمين البصرة،الى عزيز علي الذي غنى ينتقد الدكتور،والدكتور كان رئيس وزراء، الى ناظم الغزالي الذي غنى (تعيرني بالشيب )،ثم ياس خضر الذي غنى ملاحم مظفر النواب (البنفسج وروحي وقطار حمد )،حتى حسين نعمة وهو يتوجع في ياحريمة ويا(ابنادم )واخيرا (بيّن عليّ الكبر )،وصولا ً الى كاظم الساهر وأغانيه من شعر نزار قباني وشعراء عراقيين معروفين،و أنتج محمد جواد أموري أجمل الألحان العراقية العذبة الحزينة في صوت المبدع قحطان العطار، ولكي لانغض الطرف عن الشباب فإن اغاني المهندس والعبدالله ترتقي بالغناء العراقي الأن اكثر من الأخرين الذين أنتجهم (عدي ) بقدراته البوليسية الفذّة وإمكانياته (الفنية ) في الإختيار!!،فإستقر بهم المطاف في دمشق والإمارات وعمان،وهم يمارسون عمليا ً تشويه وتدمير الأغنية والفولكلور الغنائي العراقي بأقصى صوره كما يحدث في شوارع بغداد والعراق من الخراب.

كنت أتصفح صحيفة عربية تصدر في سيدني، فوقعت مصادفة على إعلان يدعو القراء الى حضور حفلات مطرب عراقي لم أسمع به من قبل، وكان الإعلان مثيرا ً لي ففي خلفيته توجد عبارة (للعوائل فقط )،ولكوني أعزبا ً وأصدقائي جميعهم من العزاب سيكون ليس بمقدوري ومقدورهم حضور تلك الحفلة الرومانسية،ولنا أن نتخيل إن حفلة غنائية تقام في بلد كأستراليا لايسمح فيها بدخول العازبين!!،لكني تساهلت عن ذلك ولكوني لست بريئا ً وساذجا ً فقد قمت ببحث عن إسم المطرب العراقي،فوجدت إسمه مرتبطا ً بجملة واحدة وهي تحشيشة المطرب الجديدة (يمه كرصتني العكربة ) ومقالات تؤيد تحشيشة المطرب (الأخيرة في العكربة )،وللعرب غير البدويين من القراء سأترجم نص الجملة وهي (أمي لقد لدغتني العقرب )،وكما يتضح فإن الجملة هي ليست فولكلورية عراقية كما يحسبها البعض مثل (جسر الحديد إنقطع من دوس رجليه )والذي تم تفجيره في الأونة الأخيرة،ثم و بعد سماعي لموسيقى الأغنية(العقرب ) التي ترتكز على إيقاعات معادة ومكررة،ناهيك عن صوت المطرب الذي لاعذوبة فيه والذي لايوصل إلى شيء سوى الضجيج والضوضاء والصخب،وجدت إن الهدف من كل غناء المطرب وموسيقاه هي (الفلوس )،وإن الرعاع في خارج العراق وداخله (هم وهي )مشكلتنا الحالية!!.

قد أكون خارج التأريخ ولا علم لي بما تريده أجيال من العراقيين في الخارج (سيدني مثلا )،لكن في سيدني مطربين عراقيين (إسماعيل فاضل مثلا ً )،أفضل من مطرب تكلف تذكرته 60 دولار ويغني ويهتز متكلفا ً مع الدبكات وهو يخبر أمه أنه قد تعرض إلى لدغة عقرب،بربكم كيف كيف تترجمون كلمات الأغنية الى استرالي أو استرالية إلى صيني أو صينية إلى إيطالي أو إيطالية يحضرون الحفل معكم، لاأعرف هل الحنين الى العراق أو الغناء العراقي والرقص والدبكات يبيح للناس أن يستمتعوا بالغناء الرخيص والموسيقى الضاجّة الغبية غير المتمردة على التخلف، بل هي صانعة للتخلف وتكرس العهر والمجانية،وهل لكل من هب ودب أن يصنع من نفسه إسطورة غناء تافه وهو يتخذ من بعضالمنتجين الخليجيين الأثرياء واسطة في تخريب الذوق العراقي العام وخاصة في خارج العراق.

واصف شنون