ربما كان يعتقد الشاعر الراحل نزار قباني وزوجته العراقية بلقيس ( رحمهما الله ) انهما اكثر المتضررين من حالة الخصام والعداء التي لازمت العلاقة بين نظامي البعث في سورية والعراق، ولذلك عندما تمكن النظامان في اواخر السبعينات من الوصول الى صيغة تؤسس لنظام وحدوي في كلا البلدين سُميت بميثاق العمل القومي، انفتحت قريحة الشاعر قباني في قصيدة جميلة اذكر منها:

ايقظتني بلقيس في عتبة الفجر وغنًت من العراق مقاما

مالها زوجتي تطارحني الهوى وقد كان علينا حراما

لك عندي بِشارة ياحبيبي ----

فجأة خطر في بالي كل هذا عندما استيقظت قبل ايام وبدأت بالتصفح في المواقع، حيث عادة ما استهل ذلك بمواقع شعبنا الكلداني السرياني الاشوري فإذا بي افتح موقع عنكاوة العزيز وفي الواجهة الرئيسية صورتان للسيدين يونادم كنة وابلحد افرام وتحت الصورتين عنوان يشير الى البيان المشترك الذي اصدره عضوا مجلس النواب مستنكرين ومنددين بفعل التهميش والاقصاء الذي مارسته اسماك قرش العهد الجديد متمثلا في عدم تمثيل شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في المفوضية ( المستقلة ) للانتخابات. ان شعبنا الكلداني السرياني الاشوري حاله حال نزار وبلقيس ينتابه الشعوربالاسى انه دفع ويدفع ثمنا باهضا تقف في مقدمة اسبابه موجات التداخل الهدام وتشتيت الجهد والصراع على مراكز الحضوة وفتات الغنائم التي رافقت العمل السياسي خلال السنوات الاربع الماضية.

ان اقصاء شعبنا من المفوضية ( المستقلة ) للانتخابات يثبت مرة اخرى سذاجة القوى السياسية النافذة على الساحة العراقية في إداعاتها بالرغبة في تجاوز النفق المظلم الراهن والعمل لبناء وضع صحي على اسس سليمة، ففي اجواء الاحتراب السياسي بالدم وفقدان الثقة التي تعيشها هذه القوى فيما بينها كان الاجدر بها وومن باب اثبات حسن النية ان تلجأ وفي هذه المسألة بالتحديد، اي في تشكيل مفوضية الانتخابات، الى الاتيان بعناصر محايدة مشهود بكفائتها المهنية وحرصها على مصلحة الوطن عوضا عن ان يكون لكل كتلة سياسية ( شرطيا ) في المفوضية، ليس انتقاصا من الاسماء المختارة بشكل شخصي ولكن نظام المحاصصة الذي جاء بهم يكفل لهم فقط مهمة الدفاع عن الحصة التي يمثلها كل منهم، وهكذا ربما كان الاجدر باسماك القرش السياسية العراقية الكبيرة ان تترك هذه المفوضية تحتوى ربما في غالبية اعضائها (وليس ممثلا بائسا ) من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري او من القوميات الاخرى كاليزيديين والصايئة. ان الحركة السياسية الواثقة من ثقلها في الشارع حالها حال الطالب المجتهد الواثق من أجاباته في الامتحان والذي يطلب ان تقوم بتقييم ادائه لجنة امتحانية لاتربطه بها اية علاقة وليس حتى من قام بتدريسه عضوا فبها. من جانب اخر فان قلق البعض من مستقبل شعبنا جراء إقصائه من المفوضية فيه بعض المبالغة، حيث يعتقد البعض اننا قد اصبحنا خارج اللعبة بفعل إبعادنا عن المفوضية في الوقت الذي يجهل الكثيرون، ومنهم كاتب هذه السطور، الزمن الذي كنا فيه جزءا من اللعبة ! ان التساؤل الذي يفرض نفسه يكمن في الفعل الذي كان سينجزه ذلك الذي سيمثل شعبنا في المفوضية، ماذا ستفعل اسماك الزينة في بحر هائج تتلاطم فيه الامواج بفعل قتال اسماك القرش فيمابينها؟ وماذا فعل قبل المفوضية ممثلَنا ( وزيرنا او وزيرتنا ) في الحكومة ليفعل ممثلنا في المفوضية ؟، ألم نعد رقما بائسا مكملا للملاك او تحفة فنية تُظهر حسن الاخراج عندما يرى ( الكبار ) ضرورة لذلك ؟. أليس من السذاجة الاعتقاد ان وجود ممثل لنا في المفوضية يضمن لنا الاطلاع على خفايا امورها في الوقت الذي يجهل تسعون في المئة من اعضاء البرلمان والحكومة خفايا الطبخات التي تعقد وتقرر في الغرف المظلمة ؟!

من جانب اخر وامام هذا النصف الفارغ من الكأس الذي حدث بفعل قرار الاقصاء من المفوضية، لايمكن ان نتجاهل ذلك النصف المملوء الذي تكوَن كرد فعل للصدمة التي حدثت كما يبدو للسيدين يونادم كنة وابلحد افرام حيث جاء هذا القرار ليمثل انتهاكا لقيم الشراكة وتنصلا عن قواعد التحالف وضربة لما تبقى من الامال في مجتمع ديموقراطي يقوم على اسس العدالة والمساواة، وهكذا كانت مفوضية الانتخابات سببا تركت شعبنا يستبشر خيرا وهو يعتقد ان قياداته السياسية ربما تكون قد صحت من النوم الطويل حيث كل يغني على ليلاه، وادركت ان للانانية والمشاغبة السياسية اثار ونتائج كارثية على دور شعبنا وفعله ومكانة تلك القيادات نفسها بين اوساط النخب السياسية. ربما كان الاجدر بالسيدين يونادم كنة ابلحد افرام قبل ذلك اصدار بيان مشترك حول معاناة ومأساة شعبنا في منطقة الدورة وتنفيذ جهد مشترك لطرح تلك المعاناة بقوة في البرلمان كون هذه القضية اهم بكثير من مسالة وجود ممثل لشعبنا في مفوضية الانتخابات!.

من الناحية الاجتماعية نرى جميعا نحن الشرقيون افرادا ومؤسسات وكنائس ان الزواج بين ابناء الصنف الواحد حالة مقززة ومشمئزة تعكس الانحطاط في القيم ومخالفة شنيعة لاحكام الطبيعة، لكن هذه الفتوى لايمكن ان تصح فتمنع ( الزواج السياسي ) بمعنى العمل المشترك وتوحيد الجهد وتنسيق المواقف بين الحركات والاحزاب السياسية اذا كان ذلك ( الزواج ) يشكل حجر الزاوية في فعل منظم للدفاع عن حقوق ومصالح شعب بكامله.

مبروك عقد القران ونتمنى ان لا يكون تكتيكا بل بداية لفترة خطوبة تكثر فيها اللقاءات الحميمة (على كورنيش البرلمان) بعيدا عن المفخخات وتتعزز فيها الثقة، وتنتهي بان يسمع شعبنا ترانيم السرياني بالسريانية محتفلا و مكلِلا بالتاج رأس اشور وعشتار.

د. وديع بتي حنا

[email protected]