إلى فائق المير في محبسه الثاني!

إن أية مقاربة للوضعية السورية تجد نفسها تأخذ منحى ضبابيا متعرجا وأحيانا شاذا، فجملة من المعارف والإجراءات والترسانات البياناتية والحقوقية والسياسية تشذ في دهاليز الوضع السوري لتصبح دوما مثار تساؤلات كثيرة. وهذا طبيعي لو نظرنا إليه من زاوية فهم سلوك السلطة وطبيعتها وما فعلته في الوطن. ولكن الأخطر وهذا أيضا جزء من العملية التاريخية في سورية هو:
الممارسة السياسية والحقوقية للمعارضة ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. وسأبدأ بحقوق الإنسان بما هو أو من المفترض أنه حالة احترافية مؤسسية لاتميز بين هذا المعتقل أو ذاك أو بين هذه الرهينة أو تلك طالما أن الجميع هم معتقلوا رأي ليس إلا. وقبل أن نتابع لابد من التنويه أن الكاتب ليس خارج هذه المخاتلة فنحن مجروحون في قيمنا وبالتالي في تقييمنا للأوضاع السورية عموما. والجرح نازف مادامت السلطة مستمرة في هذا الوضع الشاذ من ممارسة غيها على الوطن عموما وبهذه الأساليب والطرق. إن الفعل الحقوقي في سورية بات فعلا ذو شرعية واقعية أكثر منه ذو شرعية قانونية. هذه الشرعة الواقعية تأخذ بعدها من زاويتين:
الأولى : أن السلطة تتعامل بتجريبية وارتجالية مع هذا الأمر وعندما يريد أحدهم الخروج عن هذا السياق نحو فعل تأسيسي سيكون مصيره السجن أنور البني في محاولته لتأسيس مركز حقوقي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والبلجيك خصوصا.


والثانية : من أن الفعل الحقوقي عموما لايطال ما تريد السلطة الإعلان عنه بمعنى أنه لازال حتى هذه اللحظة يتحرك وفق مدارات الهامش السلطوي. كل هذا لايجعلنا نقلل من دور هذا الفعل في فضح ممارسات السلطة. ولابد من التنويه أيضا عن الظروف الأمنية السيئة التي يعيشها العمل الحقوقي والسياسي عموما داخل سورية يعني بالعربي ـ الله يعين ـ


ما يقوم به هذا الفعل الحقوقي أمر جيد سواء لجهة الحملات الدولية لإطلاق سراح المعتقلين أو غيرها من النشاطات، ولكننا نلاحظ في الكثير من الحالات أن هنالك ( خيار وفقوص ) على حد تعبير المثل الشامي. وهذه العدوى تنتقل إلى منظمات حقوق الإنسان في العالم الغربي تأثرا بنا نحن السوريون. إن التمييز في التعاطي الحقوقي بين حالة وأخرى أمر يقلل من مصداقيتنا الحقوقية ويجعل الأمر يبدو وكأن له حسابات أخرى غير حقوقية.


أما لجهة المعارضة السياسية فالإلتواء حاصل عندها منذ زمن بعيد ولذا فإن أي ممارسة سياسية لا تفاجأنا. لهذا نركز في بياناتنا على أسماء وننسى أسماء ربما تكون أكثر أهمية من وجهة نظري. وهذه الحالة تنطبق على الصديق فائق المير أبو على عضو الأمانة الأولى لحزب الشعب الديمقراطي. فهو معتقل سابق لمدة تزيد عن عشر سنوات وهذا ربما اعتقاله الثالث أو الرابع.


حتى أن حزب الشعب نفسه لم يقم بحملة موازية للحملات التي أقيمت من أجل الزملاء ميشيل كيلو وأنور البني. رغم أن أبوعلي أكثر وضوحا في مواقفه عموما وأكثر التصاقا بالعمل الميداني وسمعته معروفة. ومثله من حدث معهم هذا التمييز وسيحدث الكثير ولنلاحظ الحكم الصادر بحق ميشيل كيلو من جهة والحكم الصادر بحق الدكتور كمال اللبواني من جهة أخرى! والمتتبع لردود الأفعال يجد أن التمييز بالاهتمام لصالح ميشيل كان أكبر. رغم أن اللبواني قد حكم عليه إثني عشر عاما أي أربعة أضعاف الحكم على ميشيل كيلو. النكتة المريرة أن أحدهم علق على هذا الأمر بالقول أن كمال اللبواني أمريكي التوجه! طيب إذا كان كمال كذلك فهل فائق المير ورياض دردار ونزار رستناوي ورفيقي محمود عيسى وكذلك ( المنسي ) الدكتور عارف دليلة كما كتب عنه بهذا العنوان الصديق ناصر الغزالي؟


إن الاحتراف في العمل الحقوقي يجعل هذه الأوضاع الشاذة نادرة الحدوث ولكن من أين لنا القدرة على الاحتراف في ظل سلطة تحرق الأخضر واليابس؟ ولا بد أن نرى الفارق بين شرعية السلطة التي تحدثنا عنها وبين شرعية القانون والجميع يعرف أكثر مني ماهو الفارق بين الأمرين ومادوره في تعزيز فعل حقوقي إنساني محترف غير خاضع للأهواء والأمزجة. وهذا ما نصبو إليه لنتخلص جميعا من استطالات الوضع الشاذ بقدر ما نستطيع.
إلى أبوعلي المير يبدو أنك ستنتظر طويلا..

غسان المفلح