إن الحقيقة الأساسية الوحيدة المعروفة التي تحكم آلية عمل النظام السوري هي بنيته وطبيعته الأمنية التي تتشعب منها كل ممارساته على كافة المحاور الداخلية والإقليمية والدولية،الآلية الأمنية البحتة التي يعتبر أنها الوسيلة الوحيدة لضمان استمراره في السلطة على أرضية امتلاكه أجهزة ضخمة وإمكانيات تخريبية كبيرة تراكمت لديها خبرة عالية عبر سنوات من سياسة القمع والتخريب في داخل سورية وخارجها وفي لبنان على وجه التحديد بحكم وصايته عليه لربع قرن، وعليه يتصرف النظام على هذا الأساس بقوة إرث موازين الأجهزة الأمنية وبفلتان ضمن مملكته الأمنية التي يعتبر لبنان جزءاً أساسياً فيها.

وعليه يدرك النظام الأمني في سورية بأن استمرار بقاؤه معني مباشرةً بقدرته على امتلاك الأوراق الإقليمية والتلاعب بها وهي على وجه التحديد الورقة اللبنانية والورقة الفلسطينية والورقة العراقية تحت قبعة واحدة هي quot;الإرهاب quot; ولايخدم أحداً في المنطقة سوى خدمة استراتيجية quot;الفوضى الخلاقةquot; وركب موجة الحرب على الإرهاب، ويدرك النظام السوري بأن فعاليته الإقليمية تكمن في الربط بين الأرواق بخيط واحد يملك طرفيه ليتلاعب باستقرار المنطقة كما يريد،ليثبت للقوى الإقليمية والدولية أنه هو الفاعل في الأحداث ويضعهم أمام أمر واقع وهو أنه قادراً على زعزعة الإستقرار في المنطقة وحتى ضبطها إذا اراد!،باختصار يتصرف على أساس quot; إما أنا أو الفوضىquot;يعني الدخول على خط التطرف الذي أخذ صفةquot; الإرهابquot;والذي تعج المنطقة بمظاهره الفعلية والمصطنعة وحتى الوهمية.

ضمن هذا الإطار وعلى خلفية الحرب على الإرهاب وساحة عملياتها الرئيسة في الشرق الأوسط واحتلال العراق الذي وسع عمليا ً من تمدد وجود التنظيمات المتطرفة وأعطاهاً خطأً أو عمداً مساحة جغرافية ومذهبية كانت بشكل غير مباشر ضروريةً لثبيت وجودها وشكلت حاضنة أصولية فرخت بشكل سرطاني انقسامي العديد من التنظيمات المحلية والإقليمية المرتبطة سياسيا ً وأمنياً ولوجستياً بأنظمة ودوائر خفية متعددة لها هدف واحد هو اللعب بهذه الورقة التي تستمد منها دورها ومبررات وجودها.

والنظام السوري الذي حكم لبنان و سورية بالحديد والنار وضمن وضع دولي قائم على توازنات الحرب الباردة التي وفرت له عوامل الإستمرار لفترة طويلة وجد نفسه بدون غطاء بل وبدون عمل بعد انهيار الإتحاد السوفياتي الذي انهارت معه التوافقات الأمنية الإقليمية والدولية وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط الغارقة بالصراعات والحروب والتوترات وغياب الحلول السياسية للصراع العربي الإسرائيلي وتدهور الوضع في العراق وما أنتجه كل هذا من عوامل جديدة لإستمرار عدم الإستقرار وأخطر مافي هذا الجديد هو تلك الحملة الرهيبة لإنعاش التطرف في المنطقة ليأخذ أبعاد حروب أهلية ومذهبية تفتت المفتت وتجزأ المجزأ لتغوص المنطقة في صراعات مذهبية لها أول وليس لها آخر.

والنظام السوري أيضاً الذي دخل على خط الأوضاع المتدهورة في العراق على حامل إيراني مذهبي بشكل أمني مغذياً الطائفية التي أغرقت العراق بالدم والخراب والتمزق ليزيدها تدهوراًواستقطاباً مذهبياً وطائفياً ليثبت للقوى الدولية أنه موجود كمخرب ومساوم على أشلاء العراقيين ووحدة العراق وسيادته، ونفس الدور مارسه على الساحة الفلسطينية بإشاعة الفتنة بين الأطراف المختلفة ودفعها للإقتتال الداخلي، لكن دوره في فلسطين والعراق محكوم بقوى داخلية وعربية ودولية لاتسمح له باستخدام كامل سلاحه وكل صنوفه للوصول إلى هدفه وهو الإمساك بالخيوط التي تشد الصراع الداخلي وترخيه حسب مصالح القوى الإقليمية التي تملك القرار في الكثير مما يجري على الأرض في العراق وفلسطين ومابينهما.

د.نصر حسن